السؤال رقم (5928) أنا رجل من روسيا، ونحن وقعنا في فتنة في مسألة طلب الشفاعة من الحي، كأن يقول: اشفع لي عند الله، نريد منكم الصواب، هل هذا العمل من الشرك أو هو جائز؟ هل هذه الشفاعة هي منفية؟ كما قال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : الشفاعة شفاعتان شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة، أما شفاعة المنفية هي أن تطلب من غير الله في ما لا يقدر عليه إلا الله، و في هذه الصورة طلبٌ من غير الله في ما لا يقدر عليه إلا الله، و القول إن أذن الله لك هل يخالف النصوص لأن الله قال (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) لأن الإذن يكون يوم القيامة؟
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأولًا: ما ذكره السائل من طلب الدعاء من الأنبياء أو الأموات ممن يسمون بالأولياء دون أن لا يتوجه بشيء من العبادات لهم ، لا الدعاء ولا غيره ، غير أنه يطلب منهم أن يدعو الله له ، أو يشفع له عند الله . فهذا مما اختلف العلماء فيه، فذهب بعض العلماء إلى أنه بدعة منكرة وذريعة إلى الشرك ، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
” .. الأنبياء والصالحون، وإن كانوا أحياء في قبورهم ، وإن قدر أنهم يدعون للأحياء، وإن وردت به آثار : فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك ، ولم يفعل ذلك أحد من السلف ؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم ، وعبادتهم من دون الله تعالى . بخلاف الطلب من أحدهم في حياته ، فإنه لا يفضي إلى الشرك ” انتهى من “قاعدة جليلة” ص (193) .
وفي “الفتاوى” (1/180) : ” إن دعاءهم وطلب الشفاعة منهم في هذه الحال : يفضي إلى الشرك بهم، ففيه هذه المفسدة . فلو قدر أن فيه مصلحة لكانت هذه المفسدة راجحة، فكيف ولا مصلحة فيه” انتهى.
وذهب آخرون إلى أنه شرك أكبر، وجعلوا هذا دعاءً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن دعاء غير الله كفر، وهو قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وابنه الشيخ عبد الله رحمهما الله … وغيرهم. انظر: صيانة الإنسان (ص184، 185).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : ” فالمهم أن الإنسان إذا رجا الله عز وجل أن يُشَفِّع فيه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، أو يشفع فيه أحدا من الصالحين ، بدون أن يسألهم ذلك : فهذا لا بأس به.
وأما أن يسألهم فيقول: يا رسول الله اشفع لي، أو يا فلان اشفع لي، أو ما أشبه ذلك : فهذا لا يجوز، بل هو من دعاء غير الله عز وجل، ودعاء غير الله شرك” انتهى .
وبناء عليه لا يجوز طلب الدعاء أو الشفاعة من الميت، وهذا من البدع المنكرة والوسائل المفضية إلى الشرك وسؤال غير الله، وقد يصل به الحال إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة ، وهو يحصل كثيرا في هؤلاء ؛ لشدة تعلقهم بالميت .
ثانياً: وهو تنبيه للأخ السائل وهو ان الحكم على القول بأنه كفر: لا يعني أن كل من قاله فهو كافر، فإنه قد يكون معذورا بجهل أو تأويل .. أو غير ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا ، فهو حق ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين .. ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (3/230) .
ومما يمنع من تكفير المعين الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله : النشوء ببيئة بعيدة عن العلماء ، يُفعل فيها الكفر جهلا ، ولا أحد من أهل العلم المرجوع إليهم : ينكره ، ولا يبين لهم وجه الباطل فيه .
وأشد من ذلك إذا وُجد مَن يزين للناس هذا الفعل ، ممن اشتهر بالعلم ، وأخذ الناس عنه !!
قال شيخ الإسلام: “وقد حدث من بعض المتأخرين في ذلك بدع لم يستحبها أحد من الأئمة الأربعة كسؤاله الاستغفار ، وزاد بعض جهال العامة ما هو محرم أو كفر بإجماع المسلمين كالسجود للحجرة والطواف بها وأمثال ذلك مما ليس هذا موضعه.
ومبدأ ذلك من الذين ظنوا أن هذا زيارة لقبره، فظن هؤلاء أن الأنبياء والصالحين تزار قبورهم لدعائهم والطلب منهم واتخاذ قبورهم أوثانًا حتى يفضلون تلك البقعة على المساجد، وإن بني عليها مسجد فضلوه على المساجد التي بنيت لله، وحتى قد يفضلون الحج إلى قبر من يعظمونه على الحج إلى البيت العتيق، إلى غير ذلك مما هو كفر وردة عن الإسلام باتفاق المسلمين” انتهى من “الرد على الإخنائي” ص(354) .
وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله :
” إذا فرضنا أنه قد عاش في بيئة تفعل الكفر، وعلماؤها موجودون، وهم يقرون ذلك ولا ينكرونه، ولم يتكلم أحد منهم عنده بأن هذا كفر ، ككثير من العامة في البلاد الإسلامية الذين يدعون القبور ، وأصحاب القبور ، وما أشبه ذلك ، فقد يقال: إن هذا الرجل معذور ؛ وقد عاش في بلد تعتبر بلادا يظهر فيها الشرك ، ولا سمع بأن هذا شرك ، فهذا قد يعذر ؛ لأنه ليس لديه سبب يوجب الانتباه ، وطلب العلم ” انتهى من “الشرح الممتع” (14/450)
فالواجب عليك أيها السائل أن تنتبه لهذا ويجب عليك التثبت في إطلاق كلمة التكفير وينبغي أن تنصح هؤلاء وتبين لهم أن ما يقولونه بدعة منكرة ، وهو شرك على قول لبعض العلماء كما سبق بيانه.