السؤال رقم (659) : آمل منكم الجواب الشافي لإقناعه وتغيير طريقة تفكيره؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أحد زملائي في الجامعة دائما ما يطرح الأسئلة الكثيرة عن الله – جل علاه- وهو حين يسأل يجعل الآخرين يتساءلون، أي أصبح مؤثرا بما يسأل، حتى أصبحنا أحيانا نسكت، لأننا لا نستطيع الرد عليه، لأننا لا نملك العلم الكافي في هذا الجانب ولأنه يملك الرد القوي والمقنع على ما يقول، أرجو من سماحتك قراءة السؤال في الأسفل، والذي غالبا ما يطرحه صاحبنا، وأتمنى أن أجد الجواب الشافي لديكم وان لا يكون مقتصرا على مقرح لقراءة كتاب، لأن صاحبنا قد قرأ الكثير.
يقول صاحبنا (ليش ربي خلقنا وهو قد كتب مصيرنا سلفا بشقاء أم سعادة، أن يحمل الإنسان عقلا ليتساءل به في جميع أمور الحياة هذا ليس عيبا. بل هو من الفخر أن يتساءل عن الحياة عن الطبيعة عن الأديان وعن التاريخ أن يبحث عن الحقيقة وأن لا يقف عند حدود النص. فالنص مهما واحد ولكن القراءات والتفاسير المتعددة للنص تحمل الصواب والخطأ وإن كنت أقد النص ولكن انزع صفة القداسة عن التفاسير المختلفة للنص فلا يوجد أحد بالدنيا يحق له مصادرة حقك ورأيك في ما تراه وما تفكر فيه بالنص .
رزقت منذ الصغر بعقل متسائل دائما يتسائل عن الحقائق حتى أن أستاذتي بالمدرسة كانوا يستغربون من أسئلتي اللامتناهية. وربما سبب ذلك لكوننا خلقنا نحن البشر جهلة خاوين العقول من المعارف والعلوم وحياة الإنسان في هذا الكون بحثا عن الأجوبة لكي يروي ظمئا عقله المتصاعد قال تعالى:(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولاشك أن الأسئلة العقلية لا تنتهي وسيلها متواصل وتدفقها وقوة ضخها أقوى من شلالات المياه المتساقطة عبثا حاولت وعبثا فكرت في فكرة خلق الناس من قبل الخالق وما أكثر ما حاولت أن أفهم هذه الفكرة بشكل أو بآخر بمفهوم قرآني ومفاهيم أخرى من عدة حضارات إنسانية حاولت أن أفهم وأتعبتني الأسئلة المتلاحقة قرأت في السنة هذه الأحاديث والتي تبين في مسائل القضاء والقدر.. أن الإنسان منذ كونه جنينا في بطن أمه مكتوب عليه مصيره، فأين العدالة إذن في كونه يعمل وبين كونه لا يعمل.. فالمصير معلوم سلفا ومهما غيرت فيه فلن تعمل.
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكَّل الله بالرحم ملَكاً، فيقول: أي رب نطفة؟ أي رب علقة؟ أي رب مضغة؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه رواه البخاري (6595) ومسلم (2646)، واللفظ للبخاري عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعـود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق – :(إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفه، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد؛ فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهـل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)(رواه البخاري رقم : 3208)،(ومسلم رقم:2643)، (فكما تبين لنا هذه الأحاديث أن الله خلقنا وفي أطوار خلقنا قام بتحديد شقائنا وسعادتنا قبل أن نلد، ودائما ما أتسائل حين أقرا قصة الوليد بن المغيرة والذي رفض الأيمان بعد تفكير جهيد ثم اتخاذ قراره الأخير بعدم الأيمان بالدعوة المحمدية (ذرْني ومنْ خلقت وحيداً وجعلتُ له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً ومهَّدتُ له تمهيداً ثم يطْمعُ أنْ أزيدَ كلاَّ إِنه كان لآياتنا عنيداً سأُرهِقُهُ صعُوداً إِنَّه فكَّر وقدَّر فَقُتِلَ كيفَ قدَّر) .. إلى قوله تعالى: سأُصليهِ سَقَر) ثم أكملت هذه الآيات عن النار التي أعدها الله للكفار وعن الخزنة الأقوياء والزبانية الذين كلفوا بتعذيب أهلها، وعددهم والحكمة من تخصيص ذلك العدد كل ذلك وردت في الآيات اللاحقة:(وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لوَّاحة للبشر عليها تسعة عشر) إلى آخر الآيات. ولكن لماذا سرد الله قصته وقام بتعذيبه ما دام هو من يقرر أن العبد يعبده ويقوم بالأيمان به من عدمه كما يسرد في هذه الآيات اللاحقة من نفس السورة:(كلا بل لا يخافون الآخرة كلا إِنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة )فالله ربط ذكره الذي هو العبادة بمشيئته بينما عاقب الوليد بن المغيرة بسبب كفره وعدم إيمانه فكيف يعاقب الله الوليد بن المغيرة بسبب عدم الأيمان بينما هو ربط المشيئة بإرادته. فهل من العدالة أن تكون أنت المتحكم في إيمان الشخص وفي آن واحد تكون أنت المتحكم في تعذيبه أو نعيمه؟ ختاماً أريد أن أصل لنتيجة، فما زالت الأسئلة ترهقني ومازلت حائرا في مفترق طرق لا أعلم أين تؤدي بي)، هنا انتهى حواره الدائم معنا، أرجو من سماحتكم إعطائي الجواب الشافي لإقناعه وتغيير طريقة تفكيره، وجزاكم الله خير الجزاء.
الرد على الفتوى
فأوصيك أخي الكريم أن تعرض هذا الموضوع على أحد المشائخ القريبين منك الذين تثق في علمهم لأن الرد على هذا الشخص كتابة لا يفيد لأن في عقله أموراً كثيرة وتساؤلات عديدة لا بد من تبيانها له مباشرة ولن يتم ذلك إلا إذا جلس إلى أحد المشائخ وبينها له وسمع منه هذه الشبه وأجاب عليها واحدة بعد الأخرى ولعله يتغير فكر هذا الشخص، والعلماء الربانيون هم الذين يعالجون مثل هذه الأمور مشافهة.
واحرص بارك الله فيك على عدم الإكثار من هذه الأسئلة عند قليلي العلم لأنها تشكل عليهم لاسيما ما يتعلق ببعض الغيبيات والإيمان بالقضاء والقدر، واعلم أن ذلك مزلة قدم.
أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الإسلام حتى نلقى ربنا به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.