السؤال رقم (83) : (أسئلة حول العمل في مطعم من مطاعم اليهود )بتاريخ : 21 / 11 / 1427هـ
السلام عليكم .. أنا أقيم في مدينة القدس في فلسطين, وقد عملت كعامل نظافة وجلي للأطباق في مطعم صاحبه يهودي, ولا يخفى على فضيلتكم أنه قلما يوجد مطعم أو متجر عند اليهود يخلو من المسكرات أو المعجنات والفطائر المعجونة بالخمر أو النبيذ بالإضافة إلى غيره من المشروبات الساخنة والمأكولات العادية، وقد كنت أجتنب حمل هذه المسكرات خلال عملي حيث كان بعض المسلمين العصاة ممن يحملونها أو يشربونها يقومون بذلك, إلا أني كنت أقوم بجلي الكؤوس المستخدمة لشربها ـ بالطبع فان الكؤوس لا تكون فارغة بل أقوم بسكب محتواها ثم جليها ـ كما أقوم بجلي الأدوات وتنظيف الآلات المستخدمة في تحضير تلك الأنواع من المعجنات، فأرجو من فضيلتكم الحلم علي تساؤلاتي الآتية، وصدراً رحباً فيما يخص بعض الأمور المتعلقة بهذا الصدد:
1ـ هل جلي هذه الكؤوس أو الأدوات المستخدمة في تحضير المعجنات الآنف ذكرها جائز أم لا؟
2ـ هل يجوز العمل في أماكن تبيع المسكرات وعدم الإنكار على حاملها من المسلمين العصاة على العلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، بالإضافة إلى أنه لو لم يقم هذا الشخص العاصي بحملها أو في حال كان الآخرين ملتزمين فإني سأجبر على حملها أو ترك الوظيفة , فما السبيل للخلاص من هذه الحيرة ؟
3ـ إن مما ابتليت به المجتمعات الإسلامية في هذا الزمان هو شتم الذات الإلهية والدين والرسول عليه الصلاة والسلام وقد كان هؤلاء العصاة وغيرهم من اليهود يكثرون من هذا الفعل المشين أثناء فترة العمل فلا حول ولا قوة إلا بالله -.
فهل يجوز لي البقاء في أماكن تواجد هؤلاء زمن الشتم – أي فترة العمل – أم عليّ ترك الوظيفة، علماً بأنه قلما تجد شباباً ملتزمين في سوق العمل الحر وكثيراً ما نواجه هذا الفلتان الديني في شتى الأمكنة حتى صار لكثير منا أمراً طبيعياً مستهجنين منكره عليهم,لا بل والأدهى من ذلك اعتباره عنصريا أو متشدداً ويقومون بفصله من العمل؟
4ـ هل ما أتقاضيته من أجر عن هذه الوظيفة هو أجر حلال أم حرام؟ وإن كان حراماً بالكلية أو الجزئية فماذا علي فعله إذ أني لم أتصرف بهذا المال بعد؟
5ـ فيما يخص الصلاة, لم يكن هناك مكان لأصلي فيه إلا غرفة المخزن الذي يحوي بالطبع على الخمور, فهل كان جائزاً لي إقامة الصلاة في مكان كهذا أم لا, وإن لم يكن جائزاً فماذا ينبغي فعله؟
أعتذر من فضيلتكم على هذه الإطالة , وأرجو منكم التفصيل الشرعي المثبت بالأدلة النقلية والعقلية في هذه الفتوى لكيلا يبقى عندي أدنى شك أو ريب مما سألتزم به لاحقاً, وجزاكم الله عني وعنكم خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الرد على الفتوى
الإجابة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأولاً: أدعو الله جل في علاه أن يفرج همكم، وينفس كربكم، وأن يتقبل قتلاكم، وأن يشفي مرضاكم، وأن ينصركم على أعداء الله الغاصبين.
وثانياً: وقبل الإجابة على الأسئلة الواردة أقول وبالله العون والتوفيق: أن الله تعالى ارتضى لنا دين الإسلام، وأتم علينا النعمة بهدايتنا له، وأنه الدين الحق قال تعالى:[إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ](آل عمران:85)، [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ](آل عمران:85) ، وعلى ذلك فيجب علينا كمسلمين أن نتمسك بديننا القويم، وألا نتنازل عنه مهما كانت الظروف والمحن، ولنا في سلفنا الصالح العبرة من ذلك في تمسكهم بدينهم واعتزازهم به.
وقد أمر الله تعالى المسلمين بمعاداة أعداءه ونهانا عن موالاتهم، قال تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ] (المائدة:51)، ومعلوم أن اليهود الملعونين على لسان داود وعيسى ابن مريم قد أُمرنا بمخالفتهم، والمسلم الذي آمن بربه واقتدى بنبيه وارتضى بدينه لا يجوز في حقه التعاون مع هؤلاء المعتدين الغاصبين وكيف يسوغ له ذلك وقد احتلوا أرضه، واعتدوا على إخوانه، ونهبوا خيراتهم، وضيقوا عليهم، بل ودمروا بيوتهم، وقتلوا شبابهم وشيبانهم، وانتهكوا الحرمات وغير ذلك من الأفعال التي لا يرتضيها مسلم عاقل، فكيف ترضى لنفسك أن تكون عاملاً عندهم، ومعيناً لهم على المنكر، بل الأدهى من ذلك أنهم يسبون رب العزة جل وعلا ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ.
فيا أخي الكريم إن أسئلتك تدل على أن الإيمان ما زال في قلبك، وهو الذي يدفعك إلى الخير والبعد عن الشر، وعلى ذلك فاسمع مني إجابات أسئلتك عسى الله أن ينفعك بها، وأن تكون سبباً بإذن الله تعالى في الثبات على دينك والبعد عما حرم الله عليك:
ج1: معلوم أنه ليس بعد الكفر بالله ذنب، وهؤلاء اليهود وإن شربوا الخمور فيعتبر ما يفعلونه من ذنوب لا تساوي شيئاً بعد كفرهم بالله تعالى وسبه وأن له ولداً، ولكن الأمر الأهم من ذلك أنك مسلم وتعلم أن الله تعالى حرم الخمر ولعنها ولعن شاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، فكيف يليق بك أن تعمل في مكان تباع فيه الخمور وتُشرب، وحتى لو كان بعض المسلمين العصاة يشربونها فليس لك أن تطيعهم أو تقتدي بهم، أو تظن أنه ليس عليك حرج في العمل في نظافة الأدوات التي يُشرب فيها، والله تعالى نهى عن التعاون على الإثم والعدوان بقوله: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..](المائدة:2)، وعلى ذلك فلا يجوز لك المشاركة في هذا العمل بتنظيف الأدوات التي يشرب فيها الخمر والتي يصنع فيها المعجنات لقوله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ](المائدة:90)، ولقول الحبيب صلى الله عليه وسلم في نهيه عن ذلك فقال:(إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)، فقيل يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال:(لا .. هو حرام)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عند ذلك:(قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه)(رواه أبو داود وصححه الألباني في سنن أبي داود 3/279 رقم3486)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:(ثمن الخمر حرام)(صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 3076)، وغير ذلك من الأدلة كثير.
ج2: وبناءًا على ما ذكرنا من تحريم الخمر بالأدلة من الكتاب والسنة فيحرم عليك العمل في هذا المكان الذي تباع فيه هذه المسكرات لأن ثمنها حرام وما يأتي من ثمنها حرام على آخذه، وأما الإنكار على عصاة المسلمين في شربهم للخمر وعملهم في هذا المجال فيجب على من استطاع ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)(رواه مسلم).
ج3: وأما سماعك السب والشتم للذات الإلهية بدون الإنكار أو بدون الغضب لله فهذا منكر عظيم لقول الله تعالى:[وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ](الأنعام:68)، فكيف يليق بالمسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسمع هذا الكلام الخطير ويسكت، وإن كان السب من اليهود فالإثم عليهم في ذلك، وأما سماعك للسب من المتسمين بالمسلمين فهذا لا يجوز أبداً، بل يجب الإنكار عليهم إنكاراً شديداً، وتحذيرهم من مغبة ذلك وأن الله تعالى قادر على أخذهم والنكال بهم، ألم يسمعوا قول الله تعالى:[وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ](التوبة:65، 66)، فهذه الآية نزلت فيمن كانوا يسخرون من النبي \” وأصحابه، فما بال من سب الله جل جلاله، فهذا والعياذ بالله كفر وردة عن دين الله، ومن فعل ذلك فعليه التوبة والندم وعدم العودة إلى ذلك، وإن أصروا على ذلك فابتعد عنهم أسلم لك ولدينك لأن هؤلاء الصنف من الناس أشد عليك من اليهود والنصارى.
وإذا كثر من يفعل ذلك من المسلمين فعليك بخاصة نفسك، والعض على دينك، وإياك وصحبة هؤلاء فهم الداعون إلى النار والعياذ بالله، وقد ورد التحذير من هذا الصنف في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث حذيفة الطويل:(.. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم؛ دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها)، قلت يا رسول الله: صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:(فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) (متفق عليه)، وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على عظم خطر هؤلاء على المسلمين لأنهم يتسمون بأسماء مسلمين ويتكلمون بألسنتهم وهم ألد أعداء الإسلام، فعليك بالحذر منهم، والبعد عنهم فهو أسلم لك في دينك ودنياك.
ج4: أما راتبك من العمل في هذا المجال فالأولى لك صرفه في الأعمال الممتهنة لأنه من كسب حرام.
ج5: معلوم أن الصلاة ركن من أركان الإسلام، ولا يجوز للإنسان ترك صلاة الجماعة من غير عذر شرعي، والصلاة في محل العمل لا تجوز إلا عند الضرورة كأن يكون الإنسان حارساً على مال الناس أو ممتلكاتهم، أو يحرس ظهور المسلمين من أعدائهم، أو غير ذلك من الأعذار الشرعية.
وأما الصلاة في محل العمل فتجوز للضرورة كما ذكرنا، ولكن يجب أن يكون محل الصلاة طاهراً وليست فيه نجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم:(وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)(متفق عليه)، وأما صلاتك في محل عملك فلا تجوز.
ووصيتي لك بتقوى الله، والتمسك بدينك والعض عليه بالنواجذ، وإياك ومخالطة إخوان القردة والخنازير وأشباه المسلمين فإنهم فتنة لك، وعليك بالبحث عن الرزق الحلال حتى ولو كان قليلاً فهو أسلم لك من عذاب الله لقوله صلى الله عليه وسلم:(كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به)(صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 4519)، واعلم أخي الكريم أن الله تعالى خلقنا وتكفل بأرزاقنا وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، وأن رزق الله لا يطلب بمعصيته، وتذكر قول الله تعالى:[وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ](الطلاق:2، 3) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي فيما يرويه عن رب العزة جل وعلا أنه قال:(… يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم…)(رواه مسلم).
فعليك بالتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعليك باللجوء إليه، والتوكل عليه، والاستعانة به، وكثرة الإلحاح بين يديه فهو الكريم الجواد الذي يعطي بلا عدٍ ولا حساب، فمن صدق معه أعطاه الخير الكثير والعطاء الجزيل، وعلق قلبك به فهو المولى ولا مولى سواه، وهو المعين ولا معين سواه، وهو حسبنا ونعم الوكيل [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ](الطلاق:3)، [وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ](المائدة:23).
أسال الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعل لك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وأن يرزقك من حيث لا تحتسب، وأن يمن علينا وعليك بالثبات على دينه حتى نلقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.