السؤال رقم (4107) : ما سبب اختلاف الأمة في المسائل الفقهية؟
إلى ماذا تعزون اختلاف الأمة في المسائل الفقهية؟ وما هي الحلول في نظركم؟
الرد على الفتوى
الإجابة:أخي الكريم لتعلم وليعلم القارىء أن الاختلاف بين الناس قدر إلهي وطبيعة بشرية، لكن هذا الخلاف منه ما هو سائغ ومنه ما هو غير سائغ، لكن التعامل مع الخلاف يحتاج إلى بصيرة وإلى علم وفقه وإلا كان الإنسان في حيرة، ومن هنا كان ولابد على العلماء وطلبة العلم أن يبينوا للناس فقه الخلاف لأن الحاجة أصبحت ضرورية إليه.
أما عن أسباب الاختلاف في المسائل الفقهية فهو ناشيء عن أمرين أحدهما حق والآخر باطل.
أما الحق فهو الاختلاف الناشيء عن الاجتهاد فهذا له أسبابه من هذه الأسباب:
(1) أن الشرع المنزل من قبل الله تعالى لم يجعل دليلاً قطعياً على كل المسائل، بل جعل دليل بعضها ظنياً يحتاج لبحث واجتهاد ونظر يقوم به من حصّل مقومات البحث والنظر والاجتهاد، ومن هنا ينشأ الخلاف لأن باب الاجتهاد مفتوح لمن هو أهله، فهذا العالم يرى أن الحكم في المسألة كذا، وهذا يرى خلافه لأن المسألة مبناها على الاجتهاد، وهذا الاختلاف ليس فيه ذم لأن الصحابة حصل بينهم ذلك، واتفق الصحابة على إقرار كل مرتفع من المتنازعين.
(2) ومن أسبابه أيضاً اختلاف أفهام العباد، فالعباد أفهامهم مختلفة متفاوتة قد فضل بعضهم على بعض فيها، فما يدركه هذا لا يفهمه هذا، وما يراه الواحد قد يغيب عن الآخرين.
(3) ومن أسبابه أيضاً اختلاف قدرات العباد على البحث والاجتهاد مختلفة فيما يقدر عليه البعض يعجز عنه البعض، وكذا الاختلاف في ثبوت النص عند البعض وعدم ثبوته عند الآخر، وكذا الاختلاف في وسائل الجمع والترجيح وأصول المذهب، فهذه هي بعض الأسباب الظاهرة لاختلاف المجتهدين.
أما الاختلاف الناشىء عن الباطل فهو الخلاف الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه، وذم أهله، وهذا الخلاف أسبابه عديدة منها:
(1) البغي والتنافس على الدنيا ورئاستها.
(2) الجهل وتقصي العلم، وظهور البدع، واختلاف المناهج.
(3) ظهور رؤوس الضلال، الدعاة على أبواب جهنم.
(4) التعصب المذموم للأسماء والأشخاص، وضعف الولاء للكتاب والسنة.
فهذه هي جملة منشأ الخلاف الباطل على سبيل الإجمال.
أما عن الحلول لمعالجة هذا الخلاف الفقهي فنقول: إذا كان الاختلاف الناشىء عن اجتهاد فهذا لا يمكن إزالته لأن اجتهاد العالم لا يمكن أن يلغى اجتهاد غيره، لكن نحن نعلم أن المسائل الاجتهادية يسع فيها الخلاف، فالواجب على طلاب العلم أن يكونوا منصفين، وأن لا يكون ترجيح عالم لقول من الأقوال يخالف قولهم أن لا يكون ذلك سبباً في ضيق صدورهم، بل عليهم أن يتقبلوا ذلك بكل رضا وقناعة لأنه من الخلاف السائغ.
أما الحلول لمسائل الخلاف فنقول:
إذا كان الخلاف منشأه باطل على ما ذكرته فيكون ترك أسبابه التي تفضي إليه، وأما إن كان منشأ الخلاف هو المنشأ الحق فلا يكن إطلاقاً ودعوى توحيد الأمة في كل المسائل على قول واحد هي دعوى مردودة ردها الإمام مالك حين طلب منه أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على كتابه الموطأ، فقال له: لا تفعل هذا؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث وروايات، وأخذ كل منهم بما سبق إليهم وعملوا به، ودانوا به مع الناس، وغيرهم وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم .