السؤال رقم (4032) : حكم الطعن في مجلس إدارة أبناء الجالية المصرية والإساءة إليهم.
نص الفتوى: فضيلة الشيخ.. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار.. حفظه الله تعالى… السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. نسأل الله تعالى لكم دوام التوفيق والسداد، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، أما بعد: تعلمون فضيلتكم أننا قمنا بإنشاء جالية للمصريين الذين يعملون داخل محافظتكم بعد اختيار أعضاء مجلس الإدارة عن طريق الانتخاب العام من جميع المصريين الذين تم دعوتهم لحضور الجمعية العمومية، وبعد ذلك تم اعتمادهم من جهة السفارة المصرية بالرياض بعد حضور السفير المصري وبعض موظفي السفارة المصرية ورؤيتهم لواقع عملهم والاطمئنان لأشخاصهم، ومهمة هذا المجلس القيام بالنظر في حوائج المصريين وحل مشكلاتهم ولله الحمد والمنة قد تم ذلك بعنايته وتوفيقه، وتعتبر هذه الجالية من أنجح الجاليات داخل بلادكم ـ رعاها الله ـ لما يتمتع به أعضاءها من الأمانة وبذل الجهد والحرص على خدمة إخوانهم بشهادة غالب المصريين المقيمين بالزلفي، وأيضاً بشهادة المحافظ ومسئولي الجهات الحكومية، وبشهادة السفارة المصرية بالرياض، وهذا بفضل الله تعالى وتوفيقه، ولكن تعلمون فضيلتكم أنه قد تحدث بعض الخلافات بين الأعضاء بعضهم البعض، أو بين بعض المصريين المشاركين في الجالية وبين مجلس الإدارة في أمور قد تكون بحق أو بغير حق، وبالتالي تحصل الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ويحصل الشتات، وتسقط دعائم هذه الجالية بعد بنائها، وسؤالنا هنا يا شيخنا الفاضل:
أولاً: ما حكم التحريض على مجلس إدارة الجالية من أجل إسقاطه، وإفشال ما يقوم به من خدمة الأفراد والأسر؟
ثانياً: ما هو المشروع في حق من رأى شيئاً لا يرتضيه من جهة المجلس، وهل ذلك يجعله أن يقدح في الأعضاء ويكون سبباً في التشهير بهم، أم الأفضل الجلوس معهم وعرض أخطائهم فربما يكونون مصيبين فيما هم عليه؟
ثالثاً: نرجو من فضيلتكم بعد الإجابة على هذين السؤالين التكرم بكتابة كلمة نقرأها على إخوانكم المصريين، هذه الكلمة تدعو إلى الألفة والترابط والمحبة ونبذ الخلافات الشخصية، والنظر فيما يعود بالمصلحة العامة على الجميع ديناً ودنيا. وجزاكم الله خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرد على الفتوى
الجواب:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإجابة على السؤال الأول أقول وبالله التوفيق: مادام أن الله تعالى امتن على إخواننا المصريين في هذه المحافظة بجمع الشمل والتعاون على الخير والسعي في حوائج أصحاب الحاجات فهذا فضل عظيم يحتاج إلى شكر المنعم به، ومن شكره أن يكون هناك إحسان ظن بالجميع لقول الله تعالى:[يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم..](الحجرات)، وعلى ذلك فلا يجوز لأحد من المسلمين الطعن في أحد لأن هذا من أسوأ أبواب الظن، إلا إذا ثبت لديه فعلاً أن هذا الإنسان ظالم، أو يأكل حقوق الناس، أو يفضل أحداً على أحد، ولعل هذه الأمور غير موجودة في هؤلاء الأشخاص الذين تم اختيارهم عن طريق جميع المصريين وإلا لما تم اختيارهم أصلاً، وما دام أن هذا المجلس قد نال ثقة الجميع فلا ينبغي القدح فيه، ولا توجيه التهم إليه جزافاً، ولا التشهير بسلبياته إذا كانت هناك سلبيات أصلاً، ولا يجوز إيقاع العداوة بين الأخوة بعضهم مع بعض لأن هذا يسبب الضعف والوهن للجميع لقول الله تعالى:[والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض](التوبة)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)(رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، وصححه الألباني)، وإذا ظهر لأحد شيء من السلبيات أو التقصير فينبغي أن يتوجه بالنصيحة للمجلس بالجلوس مع أعضائه وتوضيح هذه السلبيات، وهذا هو الأولى لمن أراد النصح لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:الدين النصيحة ـ ثلاثاً ـ، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم(رواه مسلم)، فالنصيحة فيها خير عظيم، وأما التحريض أو التشهير بالأخطاء فليس هذا من الإسلام في شيء، بل هذا يعتبر من مساوىء الأخلاق، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان، وإذا رأى أعضاء المجلس أن هناك بعض الأفراد يريدون إيقاع العداوة بين أبناء الجالية والعمل على إفشال عملهم، والتشهير بهم فيجب السعي لمنعهم من ذلك درءًا للمفاسد المترتبة على فعلهم، وتحقيقاً لمصلحة الاجتماع.
وأما إجابة السؤال الثاني: فالمشروع في حق من رأى شيئاً لا يرتضيه من جهة المجلس أو غيره أن يتوجه بالنصيحة إليهم كما ذكرت ذلك سابقاً، ويوضح لهم ما رأى من أخطاء أو ملحوظات، ولا يكون ذلك عن طريق نشر هذه الأخطاء والملحوظات على الجميع، بل يجب أن توجه إلى المجلس فقط ليتم تداركها والعمل على إصلاحها، والأولى لمن رأى شيئاً يكرهه من المجلس أن يجلس معهم ويوجههم إلى ما يرى فيه الخير لهم، فهذا فيه خير عظيم للجميع لقول الله تعالى:[وتعاونوا على البر والتقوى]، فالنصيحة المباشرة للمجلس من البرِّ الذي يحبه الله تعالى ويرتضيه.
ونصيحتي لأبناء الجالية المصرية وغيرهم في هذه المحافظة وغيرها أن يحرصوا على جمع الشمل، والعمل على تقوية الصلات بين الأفراد بعضهم مع بعض، فالله تعالى أمر في كتابه بذلك فقال تعالى:[يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا](آل عمران)، فالاعتصام بالكتاب والسنة مع الاجتماع على الخير سبيل عباد الله المؤمنين، وما أعظمها من نعمة من الله أن يمن عليكم بالاجتماع بعد أن كان الجميع متفرقين، وبالألفة والمحبة بعد أن كان الغالب متخاصمين أو متهاجرين، فاحمدوا الله على هذه النعمة، فبفضل الله تعالى ثم بجهود هؤلاء الأشخاص لا نكاد نسمع بمشكلة هنا أو هناك إلا وجد من يقف للتعاون على حلها، فكم من مريض وجد من يتعاون معه من أجل الشفاء، وكم من مكروب فرج عنه بالسعي على قضاء حاجته، وكم من مظلوم رفعت مظلمته بسبب تعاون الجميع، وقد عرض عليَّ شيء من هذه الأمور وساعدت في إنهائها احتساباً لوجه الله، وتعاوناً مع الجالية لما فيه الخير والصلاح، وقد قابلت مجلس الإدارة وسمعت منهم ولم أر منهم ولا عليهم إلا الخير والحرص على مصلحة إخوانهم، وحتى إن كان هناك قصور فلابد أن يعالج بالحكمة وتوجيه النصح وليس بالتعنيف والتشهير والتحريض، فالخير للجميع هو لمُّ الشمل، والاجتماع على الخير ونبذ الخلافات والعصبيات المقيتة والتي تضعف من قوة المسلمين ووحدتهم، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار بعد أن كانوا أعداءً، فلماذا لا نقتدي بهم في ذلك وهم خير القرون، فالفرقة شرٌ مقيت، والاجتماع فيه خير عظيم، فاعملوا على زيادة الترابط وبث المحبة والألفة بين الجميع، والبعد عما يشيب هذا الاجتماع من مكدرات، فالسعادة كل السعادة أن يكون هناك عمل يرتضيه رب العالمين، ومن أعظم الأعمال الاجتماع على المحبة والألفة والترابط ونشر الخير والسعي في حاجات المسلمين.
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يمن على الجميع بصفاء القلوب وسلامة الصدور، وأن يؤلف بين الجميع على طاعته، وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.