السؤال رقم (3709) : معنى هذا الجزء من الحديث (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى …)
نص الفتوى:
فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد الطيار .. حفظه الله .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنرجو من سماحتكم إيضاح معنى هذا الجزء من الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(.. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)(متفق عليه). وجزاكم الله خيرا.
الرد على الفتوى
الإجابة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: فهذا الحديث من الأحاديث العظيمة القدر، والتي تكلم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عن مراحل خلق الإنسان في بطن أمه، وهو الذي لم يعمل طبيباً، أو كان متخصصاً في علم الأجنة، ولكنه تكلم عن وحي من ربه تبارك وتعالى. وهذا الحديث يعتبر معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله عليه وسلم وفيه بيان صدق نبوته. ولإيضاح الجزء الآخر من الحديث أقول وبالله التوفيق: هذا الحديث يدل على أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، كما قال صلى الله عليه وسلم (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء)(رواه مسلم). وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الرجل ـ ويطلق مسمى الرجل (من جهة التغليب) فما يكون في حق الرجل فهو في حق المرأة إلا ما اختص الشارع به أحدهما من أحكام ـ ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الله تعالى يعامل عباده بما في قلوبهم، كما قال صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)(رواه مسلم)، فإذا كان العبد ظاهره الخير أمام الناس وختم له بسوء فإنما يدل ذلك على ما في قلبه من مرض الشبهة والشهوة، فمرض الشبهة ما يعرض على القلب من الشك في دين الله تعالى، أو التأول على النصوص الشرعية بما لا يجوز، أو القدح في كلام الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو محبة الكافرين وبغض المؤمنين، أو غير ذلك من مرض الشبهات، وهذه من أشد ما يكون على الإنسان في سوء خاتمته، وأما مرض الشهوات فربما يموت الإنسان وهو يزني، أو يلوط، أو يأتي محرماً وهكذا، ولكن الفرق بين مرض الشبهات ومرض الشهوات أن الأول يموت على اعتقاد فاسد فربما يخلد في النار بسبب ذلك وأما مرض الشهوات فإذا مات العبد على التوحيد وهو عاص لله فإما أن يغفر الله له، وإما أن يعذبه، فإذا أراد معاقبته أدخله النار فيعذب على قدر معاصيه ثم يخرج منها ويدخل الجنة، والله تعالى حكم عدل في شأنه لأنه لا يظلم مثقال ذرة، قال تعالى [وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ](النحل). وأذكر لك هنا حديثاً عظيماً يثبت أن الله تعالى لا يختم للعبد بسوء إلا بما كان في قلبه، فقد روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار) وفي رواية (فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه أبدا قال فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)( رواه البخاري ومسلم). وهذا في الغالب لا يتأتى إلا لمن كان في قلبه شبهة أو شهوة لا يعلمها الناس، وقليل من المسلمين من يختم له بسوء إلا إذا كانت سريرته غير علانيته، كما قال الله تعالى في المنافقين [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً](النساء). فثبت أن المنافق يبطن مالا يظهر، ويظهر ما لا يبطن، فيعامله الله تعالى بعدله عند وفاته فيختم له بما أسره في قلبه. نسأل الله لنا ولكم الثبات عند الممات، وأن يحسن خاتمتنا، وأن يدخلنا الجنة برحمته وفضله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.