السؤال رقم (548) : حول حكم الغناء. 5 / 2 / 1429

: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ في واحد من الشباب يقول لنا إن الأغاني حلال ويقول للشباب اسمعوا على ضمانتي ويقول أنا متأكد أنها حلال وهو ما هو طالب علم ولا شيء ولكن يقرأ من بعض المواقع ويجمع من الأحاديث الضعيفة ويستدل بها ودليله يقول أن رسول الله سمح للأحباش أن يرقصوا ويغنوا في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع عائشة رضي الله عنها لكي ترى (فيما معناه) وكما عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر رضي الله عنه أمزمار في بيت رسول الله ولم ينكر ذالك رسول الله عليه وسلم (فيما معناه) أرجوك يا شيخ أن تدلني على أدلة واضحة وقوية على تحريم الغناء عشان أسكته.. وجزاكم الله خيرا. السائل: عبد الله

الرد على الفتوى

الإجابة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأولاً: إن هذا الشخص الذي يفتري على الله الكذب بغير علمٍ آثم لا محالة لقول الله تعالى [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ](النحل)، ولقد حذر سبحانه وتعالى عباده من القول عليه بغير علمٍ في كثير من الايات من كتابه العزيز، قال تعالى[قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ](الأعراف)، فعلى هذا الشخص أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يصلح ما أفسد، وأن يرجع إلى العلماء الربانيين الثقات الذين يدلونه على الحق ويبصرونه به، وليحذر من اتباع الهوى ووساوس الشيطان، وليسلك طريق أهل الحق عسى الله تعالى أن يأخذ بيده إلى صراطه المستقيم.
وثانياً: ذهب أكثر علماء الإسلام وجمهور أئمة الهدى إلى تحريم الغناء وجميع المعازف وهي آلات اللهو كلها، وأوجبوا كسر آلات المعازف، وقالوا: لا ضمان على متلفها، وقالوا: إن الغناء إذا انضم إليه آلات المعازف كالطبل والمزمار والعود وأشباه ذلك حَرُمَ بالإجماع إلا ما يستثنى من ذلك من دق النساء الدف في العرس ونحوه.
والأدلة على تحريم الغناء كثيرة نكتفي بذكر بعضها، ومن ذلك قوله تعالى [وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ](لقمان)، قال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: هو والله والغناء، ومن هو ابن مسعود؟ إنه الصحابي الجليل الذي تربى على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الصحابة اقتداءً بهديه، وكذا قاله ابن عباس، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وغيرهم كثير.
وما ورد في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا)(متفق عليه)، وفي رواية لمسلم:(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)، فهذا الحديث يستفاد منه أن كراهة الغناء وإنكاره وتسميته مزمار الشيطان أمر معروف مستقر عند الصحابة رضي الله عنهم ولهذا أنكر الصديق على عائشة غناء الجاريتين عندها، وسماه مزمار الشيطان، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم تلك التسمية، ولم يقل له إن الغناء والدف لا حرج فيهما، وإنما أمره أن يترك الجاريتين، وعلل ذلك بأنها أيام عيد، فدل على أنه ينبغي التسامح في مثل هذا للجواري الصغار في أيام العيد، ولأن الجاريتين أنشدتا غناء الأنصار الذي تناقلوه في يوم بعاث، فيما يتعلق بالشجاعة والحرب، بخلاف أكثر غناء المغنيين والمغنيات اليوم، فإنه يثير الغرائز الجنسية، ويدعو إلى عشق الصور، وإلى كثير من الفتنة الصادة للقلوب عن تعظيم الله ومراعاة حقه، فكيف يجوز لعاقل أن يقيس هذا على هذا؟ ومن تأمل هذا الحديث علم أن ما زاد على ما فعلته الجاريتان منكر يجب التحذير منه حسماً لمادة الفساد، وحفظاً للقلوب عما يصدها عن الحق، ويشغلها عن كتاب الله وأداء حقه.
قال العلامة ابن القيم – رحمة الله عليه – في كتابه “إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان” ما نصه:(ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، ليصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن القرآن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة وحسنه لها مكرا وغرورا، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجورا. وإذا أردت أخي الكريم الزيادة على ذلك فراجع كتب أهل العلم الربانيين، ككتاب (حكم الغناء) لابن تيمية، وكتاب (حكم الإسلام في الغناء) لابن القيم، وكتاب (الإعلام بأن العزف والغناء حرام) لأبي بكر الجزائري.
وفقنا الله وإياك لاتباع سبيل الهدى، وجنبنا وإياك طريق الضلال والهوى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.