الأخذ بالأسباب الشرعية والإجراءات الاحترازية
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ القويَِّ القهَّارِ، يفعلُ ما يشاءُ ويحكمُ ما يريدُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وآلِه وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ؛{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} [الحشر:18].
أيُّها المؤمنونَ: اعلموا باركَ اللهُ فيكُم أنَّ اللهَ جلَّ وعلا قد يَبتليْ عبادَه ويمتحنُهم ليعلموا فقرَهم وحاجَتهم إليه، وأنَّهم لا غنى لهم عنه سبحانَه، فلا يكشفُ الضُّرَ إلا اللهُ، ولا يدفعُ البلاءَ إلا اللهُ، ولا يرفعُ الوباءَ إلا اللهُ، ولا يشفيْ من المرضِ إلا اللهُ، قالَ تعَالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير}[الأنعام:17]، وقالَ تعَالى:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين} [الشعراء:80]، وقَالَ تعَالى:{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون}[النمل:62].
عِبَادَ اللهِ: مِنْ أركانِ الإيمانِ الستَّةِ التي لا يتمُّ إيمانُ العبدِ إلا بهَا الإيمانُ بالقدرِ خيرِه وشرِّهِ، فالمرضُ من اللهِ، والشفاءُ من اللهِ، والموتُ من اللهِ، والحياةُ من اللهِ، والغنَى والفقرُ من اللهِ، وهذا كلُّه من الثوابتِ التي لا يشكُّ فيهَا مسلمٌ، وقد قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (لكلِّ داءٍ دواء، فإذَا أُصيبَ دواءُ الداءِ برأَ بإذنِ اللهِ عزَّ وجلَّ)(رواه مسلم)، وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (ما أَنْزَلَ اللهُ من داءٍ إلا أَنْزَلَ له شفاءٌ)(متفق عليه)، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إنّ الله تَعَالَى لم يُنْزِلْ دَاء إلاّ أنْزَلَ لهُ دَواءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وجَهِلهُ مَنْ جَهِلَهُ إلاّ السَّامَ وهوَ المَوْتُ)(رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
أيُّهَا المؤمنونَ: احْرِصُوا على الالتزامِ بالتَّوجِيهَاتِ الصَادرةِ، والعملِ بالاحترازاتِ الوقائيةِ لما في ذلكَ من المصالحِ العظيمةِ التي تعودُ عليكُم وأهليكُم ومجتمعكُم، ومن هذهِ الاحترازاتِ:
1ــ تخميرُ الوجهِ عندَ العُطاسِ، وتغطيتُه بالمناديلِ وغيرهَا، لئَلا يؤذيَ الشخصُ مَنْ حولَه، دليلُ ذلكَ ما رواهُ أبو هريرةَ رضي اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: (إذَا عَطسَ أَحدُكم فَليضعْ كفَّيْه على وجهِهِ وليخْفضْ صوتَه)(رواه أبو داود، وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
2ــ غَسلُ الأيدي قبلَ الطعامِ وبعدَه، وبعدَ قضاءِ الحاجةِ، وبعدَ ملامسةِ أحدٍ أو أصابتِها بوسخٍ أو قذرٍ، دليلُ ذلكَ ما روته عائشةُ رضي اللهُ عنهَا قالتْ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذَا أرادَ أنْ يأكلَ أو يشربَ، أيْ وهو جنبٌ غَسَلَ يديْه ثمَّ يأكلُ أو يشربُ)(رواه البخاري ومسلم)، وما رواهُ أبو هريرةَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (مَنْ باتَ وفي يدِهِ غَمْرٌ ولم يَغْسلْهُ فأصابَهُ شيءٌ فلا يلومنَّ إلا نَفسَهُ)(رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
3ــ الابتعادُ عن المصابينَ وعدمُ مخالطتِهم، ودليلُ ذلكَ ما رواه أبو هريرةَ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (وَفِرَّ من المجذومِ كمَا تَفِرُّ من الأسدِ)(رواه البخاري)، وما رواه أبو هريرةَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلِّم: (لا يُوردنَّ ممرضٌ على مصحٍ)(رواه البخاري).
4ــ عدمُ الشُّربِ من فضلةِ مريضٍ مرضُه معدي حَسَبَ كلامِ الأطباءِ، لأنَّ الوقايةَ مأمورٌ بهَا، ودليلُ ذلكَ نهيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عنِ الشُّربِ من فمِّ القربةِ أو السقاءِ)(رواه البخاري).
5ــ تخميرُ الآنيةِ وإيكاءُ الأسقيةِ وإحكامُها احترازًا من الداءِ والهوامِّ، دليلُ ذلكَ حديثُ جابرٍ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهمُا قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ: (غطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السقاءَ، فإنَّ في السنةِ ليلةٌ ينزلُ فيهَا وباءٌ لا يمرُّ بإناءٍ ليسَ عليهِ غطاءٌ أو سقاءٍ ليسَ عليهِ وكاءٌ إلا نزلَ فيهِ من ذلكَ الوباءِ)(رواه مسلم).
وصدقَ اللهُ العظيمُ: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}[البقرة:195].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّه ممَّا يتأكَّدُ في حقِّ الجميعِ أنْ يأخذُوا الحيطةَ والحذرَ، وأسبابَ الوقايةِ عندَ الذهابِ للمساجدِ والرجوعِ منها، وذلك بالتزامِ التعليماتِ التي وضعتْها وزارةُ الشؤونِ الإسلاميةِ بالتعاونِ مع وزارةِ الصحةِ والداخليةِ وغيرِها من الجهاتِ، من التباعدِ بينَ الصفوفِ، ولُبسِ الكمَّامِ، واستعمالِ سجادةٍ خاصةٍ للصلاةِ عليهَا، وتطهيرِ الأيدي، وتجنُّبِ المصافحةِ والملامسةِ بالأيدِي، وعدمِ الازدحامِ عندَ الدخولِ والخروجِ منها. وكذلكَ الاستجابةِ لتوجيهاتِ الإمامِ، وعدمِ مخالفتهِ لما في ذلك من المصالحِ الكبيرةِ التي لا تخفى على الجميعِ، وعلى أئمةِ المساجدِ والمؤذنينَ الالتزامُ بما يَصدرُ من إجراءاتٍ وتعليماتٍ وتنفيذِها ومتابعتِها.
وغيرُ خافٍ أنَّ الهدفَ من هذا كلِّه هو الحرصُ على سلامةِ الناسِ، ومنعِ هذا الوباءِ من التفشِّي والانتشارِ والتقليلِ من أضرارِه، وحفظِ الأنفسِ والأرواحِ وهي إحدى الضروراتُ الخمسُ التي جاءتْ الشرائعُ بوجوبِ المحافظةِ عليها، فرسولُنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم يقولُ: (وَفرَّ من المجذومِ كَمَا تَفرُّ منْ الأسدِ)(رواه البخاري).
واحذروا باركَ اللهُ فيكم مِنْ خطورةِ التجمعاتِ بدونِ حاجةٍ ملحةٍ أو ضرورةٍ، أو بدونِ اتخاذِ الاحترازاتِ الوقائيةِ التي تساعدُ بفضلِ اللهِ على التقليلِ من أضرارِ هذا الفيروسِ حرصًا على عدمِ انتشارِ العدوى بين أفرادِ المجتمعِ وخوفاً على أرواحِهم. هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 15 /2/1442هـ