خطبة عيد الأضحى 10-12-1443هـ
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، الكريم المنان، ذي الفضل والجود والإحسان.
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وبحلمه تستر الخطايا والزلات، وبعَفوِه تُغفَر الذُّنوب والسيِّئات، وبكرَمِه تُقبَل العَطايا والقُربَات.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
اللهُ أَكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلا.
الله أكبر ما لبى الحجاج نداء الله ولبسوا ملابسَ الإحرام وتركوا الأهل والأوطان. الله أكبر ما طاف المسلمون حول الكعبة وبدَؤُوها بالتحيَّة والسلام.
الله أكبر ما استلَمُوا الحجر، وطافُوا بالبيت، وصلُّوا عند المقام.
الله أكبر ما تضرَّعوا بين الصفا والمروة ورفعوا أكفهم للكريم المنان
الله أكبر ما وقَفوا في صَعِيد عرفات، ورموا وحلَقُوا وتحلَّلوا ونحَرُوا وطافوا بالكعبة، فتمَّت لهم حجَّة الإسلام. الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
أيُّها المؤمنون، العيد في الإسلام أيامه كلها تعظيم وإجلال وتكبير. فإذا أذَّنا كبَّرنا الله، وإذا أقَمنا كبَّرنا الله، وإذا دخَلنا في الصلاة كبَّرنا الله، وإذا ذبَحنا كبَّرنا الله، وإذا وُلِد المولود كبَّرنا الله، وإذا جاء العيدُ بالتكبير استَقبَلناه وقلنا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. استجابة لنداء ربنا جل في علاه {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185].
عبادَ اللهِ: إِنَّ هذا اليومُ المباركَ يوم عيدٍ كريمٍ، وهو أفضلُ الأيَّامِ عند اللهِ، فهو يومُ النَّحرِ ويومُ الحجِّ الأكبرِ، وأيامُ التشريقِ، التي هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ جلَّ وعلا؛ قال ﷺ: (أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثُمَّ يَومُ القَرِّ) رواه أحمد (19098)، وأبو داود (1765)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1765). وقال ﷺ: (يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ) رواه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (3004)، وأحمد (17379) وصححه الألباني في الإرواء (4/130)، وقال ﷺ: (أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ)، وفي رواية (وَذِكرٍ اللهِ) رواه مسلم (1141).
وهذه الأيام لا يجوز صيامها حتى من عليه صيام أيام متتابعة يجب عليه أن يفطر ثم يواصل الصيام اعتبارا من اليوم الرابع عشر من ذي الحجة.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
أيُّها المؤمنونَ: ومن أجل العباداتِ وأعظمها في هذِه الأيامِ ما شَرَعَه لنا ربُّنا جلَّ وعلا من الصَّلاةِ وذبحِ الأضاحي ونحرِها، قال تعالى{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَرْ}[الكوثر:2]
وعن البراءِ بن عازبٍ رضي اللهُ عنهُ قالَ: خَطَبَنَا النَّبيُّ ﷺ يَومَ النَّحرِ فَقَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا..) رواه البخاري (965)، ومسلم (1961).
وعلى المسلم أن يختَارَ من الأضاحي أطيبَها وأسمنَها وأغلاهَا ثمنًا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، ثم ليسَمّ الله ويكبِّر، ومن كانَ مستطيعًا للذبحِ فليباشرْهُ بنفسِه، وَمَن كَانَ غيرَ مستطيعٍ فليوكِّلَ غيره. وأن يبادَر بالذبحِ بعد صلاةِ العيدِ مباشرةً، كما كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم يفعلُ ذلكَ، ثم يكونُ أوَّلَ ما يأكلُ يومَ العيدِ من أضحيتِه، ووقتُ الذَّبحِ يكونُ منْ بعدِ صلاةِ العيدِ لهذا اليومِ إِلى غروبِ شمسِ اليومِ الثَّالثِ عشرَ من أيَّامِ التَّشريق.
ويُشترطُ في الأضحية: أن تكونَ ملكًا للمُضحيِّ، أو مأذوناً له فيها، وأن تكونَ من الإبلِ أو البقرِ أو الغنمِ، وتبلغَ السنَّ المطلوبةَ شرعاً، فمن الإبلِ: ما تمَّ لهُ خمسُ سنواتٍ، ومنْ البقرِ: ما تَمَّ له سنتانِ، ومن الغنمِ: ما تمًّ له سنَةٌ، والجذعُ: ما تمَّ لهُ ستةُ أشهرٍ، وأن تكونَ سالمةً من العُيوبِ، قالَ ﷺ: (أَربَعٌ لا يُجزِينَ في الأَضَاحِي: العَورَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالعَرجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالعَجفَاءُ الَّتي لا تُنقِي)(رواه الترمذي (1497)، والنسائي (4371)، وأحمد (18697)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(886). ويلحقُ بهَا العمياءُ، ومقطوعةُ اليدينِ ، والرجلينِ ، والكسيحةُ.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
أيُّها المؤمنونَ: وتجزئُ الأضحيةُ الواحدةُ من الغنمِ عن الرجلِ وأهلِ بيتِه، ومن شاءَ من المسلمينَ، من حيٍّ أو ميّتٍ، ويجزيءُ سُبْعُ البعيرِ أو البقرةِ، عمَّا تجزئُ عنه الواحدةُ من الغنمِ، ولو اشتركَ سبعةُ أشخاصٍ يُضحُّونَ أو يهدونَ في بعيرٍ أو بقرةٍ أجزأهَمْ ذلك.
والأضحيةُ مشروعةٌ في حقٍّ الأحياءِ، ويجوزُ إشراكُ الأمواتِ فيهًا، أمَّا وَصايَا الأمواتِ الخاصةِ فيجبُ تنفيذُها، ولو لمْ يُضحِّ عن نفسِه، لأنَّه مأمور بذلك.
ولا يجوزُ بيعُ شيءٍ منها، ولا يُعطَي الجزَّارَ أجرتَه منهَا، ولا يرمي الرؤوسَ والمقادمَ وأطرافَ اليدينِ والرجلينِ والجلودَ والكروشَ. ومن كان عاجزًا عن شراءِ الأضحيةِ وليس عنده وفاءٌ فلا ينبغي أن يستدينَ لشرائِها.
والمشروع للمسلم في أضحيَّته أن يأكل ويُطعم، فإذا أخرج الثلث ووزعه للفقراء وأكل الثلثين مع أهل بيته؛ فلا بأس ولا حرج في ذلك، ولو أخرج أقلَّ من الثلث؛ كفى ذلك، وإن أعطى الفقراء أيضًا من جيرانه وأقاربه؛ فلا بأس، فالأمر في هذا واسعٌ.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على نعمة الإسلام والإيمان، ونعمة القرآن، ونعمة الأمن والأمان.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
أيُّها المؤمنونَ: ويستحب تهنئة المسلم بالعيد لمن حوله من والديه وأهله وأولاده وأقاربه وعامة المسلمين، فقد جَرى عليهَا عملُ الصحابةِ رضي الله عنهم، رويَ عن جُبير بن نُفير ــ رحمه اللهُ ــ أنَّه قال:(كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ)، فاحرصوا عليها، وبادروا إليها، واحتسبوا الأجر فيها، فنحنُ في أعظمِ عيدٍ لنَا.
وِمَن خَرَجَ إلى المُصلَّى لأداءِ صلاةِ العيدِ مِنْ طريقٍ فعليه أنْ يَرجعَ مِن طريقٍ آخَرَ، فقد كان:(النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ)(رواه البخاري (986).
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
أيُّها المؤمنونَ: ويُسَنُّ في هذهِ الأيَّامِ الفاضلةِ أن تكثروا مِنْ ذكرِ اللهِ جلَّ وعلا وتَّكبِيرِه وَتَّهلِيلِه وَتَّحمِيدِه، وهو من أفضل الأعمال في هذه الأيام وأحبها إلى الله، وما شُرع هذا العيد، وتلك المناسك إلا من أجل تعظيم الله وإجلاله وذكره وشكره، والتكبيرُ يكونُ جهرًا في أَدبَارِ الصَّلوَاتِ وَفي جَمِيعِ الأَوقَاتِ، إلى آخِر أيَّامِ التشريقِ.
وعليكُم بالمحافظةِ على أداءِ الفرائضِ في وقتِها، فهي من أفضل الأعمال وأجل القربات، والحرص على النوافل، وعليكم ببرِّ الوالدينِ والإحسان إليهما، وإدخال السرور والفرح على الأهل والأولاد، والحرص على صلةِ الأرحامِ، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الأضياف، وإطعام الطعامَ، والوفاء بحقوق العُمَّالِ.
وعليكم باجتناب المعاصيَ والفواحش والمنكراتِ، وجمِّلُوا هذا العِيدَ بِسلامةِ الصدرِ، وحسن التعامل، وإفشاءِ السَّلامِ، وإطعامِ الطَّعامِ، وصلةِ الأرحامِ، وتصالحوا وتصافحوا، وكونوا عباد الله إِخوَانًا.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
أيُّها المؤمنونَ: اتركوا الخصام والتدابر والتقاطع؛ وتمسكوا بالمسامحة والتقارب والتواصل والإحسان، فلا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ، ولا تباغضًوا ولا تحاسدُوا، وغُضُّوا أبصارَكم، واحفظوا جوارحَكم عن معاصي اللهِ تعالى.
ويا نساءَ المسلمينَ: اتَّقينَ اللهَ تعالى في أنفسكنَّ، فبصلاحكنَّ تصلُح الأسُر ويصلحُ المجتمعُ والأُمةُ، احرصن على طاعة اللهَ ورسولَه ، وحافظنَ على حياءِكنَّ وعفتِكُنَّ، وقمنَ بتربيةِ أولادِكن التربيةَ الحسنةَ التي يرتضيها ربكن، وتزوَّدنَ من العلمِ والعمل، وإذا أردتْنَّ الخروجَ من بيوتِكنَّ، فتمسكن بحجابكن وعفتكن، فأنتن مأجورات على كل عمل تقمن به طاعة لله، وأبشرن برحمة الله ومغفرته وجنته ورضوانه.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
أسأل الله تعالى أن يتقبلَ من الحجَّاجِ حجَّهمْ وعمرَتهم، وطوافَهم وسعيَهم، وجزىَ اللهُ ولاةَ أمرنَا خيرَ الجزاءِ على ما يبذلونَه لخدمة حجَّاج بيِّته الحرامِ وزُوارِ مسجدِ رسولِ اللهِ ﷺ.
والزموا طاعة ربكم، وطاعة رسوله ﷺ ، وطاعة ولاة أمركم، واشكروا نعمة الأمن والأمان وحافظوا عليها، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، تمسكوا بها وعضوا عليها، ومن شذ عنها شذ في النار.
تقبلَ اللهُ طاعتَكم، وجعلَه عيدًا مباركًا علينَا وعلى المسلمينَ.
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، وَللهِ الحَمدُ.
وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينَا محمد.
الجمعة: 10/12/1443هـ