عام دراسي جديد – خطبة الجمعة 28-1-1444هـ
الحمدُ للهِ الكريمِ المنّانِ، الرحيمِ الرحمنِ، عَلَّمَ القرآنَ، خلقَ الإنسانَ، عَلَّمَهُ البيانَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أفضلُ المرسلينَ، وإمامُ المعلمينَ، وقدوةُ المربينَ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أمَّا بعدُ:
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيُّهَا المؤمنونَ: اعلموا –رحمكم اللهُ-أنّ العلمَ ركيزةٌ من ركائزِ الإيمانِ باللهِ عزّ وجلّ، وطريقٌ لمعرفتِهِ سبحانَهُ، ولا أدلَّ على قيمةِ العلمِ ومكانتِهِ في الإسلامِ من ابتداءِ الوحيِ بالأمرِ بهِ، والحثِّ عليهِ، في قولِهِ تعالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلق (1-5).
فكانتْ أوّلُ بدايةٍ لرسالةِ النبيِّ ﷺ (اقرأ)، وأوّلُ تكليفٍ إلهيٍّ (اقرأ) لتؤكِّدَ أنَّ الإسلامَ رسالةٌ للعلمِ والفَهمِ، ورفعِ الأميَّةِ والجهلِ .
ولقدْ رفعَ اللهُ عزَّ وجلَّ مكانةَ العلمِ وأهلَهُ، قال تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة (11)، وحثَّ النبيُّ ﷺ على طلبِ العلمِ، والسعي في تحصيلِهِ، فقال ﷺ: (مَنْ سلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ عِلمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجنَّةِ) أخرجه مسلم (٢٦٩٩).
أيُّهَا المؤمنونَ: بعدَ غدٍ تفتحُ قِلاعُ العلمِ أبوابَها، وتُشْرِقُ محاضِنُ التربيةِ والتعليمِ فيتوجَّه إليَها أبناؤُنا وبناتُنا، يَحْدُوهُم الأملُ، ويقودُهُم الشَّغفُ، ويدفعُهُم الجِدُّ والإخلاصُ، بهممٍ عاليةٍ، وخطواتٍ راسخةٍ، نحوَ قاعاتِ الدّرسِ، ومقاعدِ الدِّرَاسَةِ.
وحولَ بدءِ العامِ الدراسيِ الجديد لي ثلاثُ رسائلَ، وهي كالتالي:
الرسالةُ الأولى: للمعلمينَ والمعلماتِ:
أيُّهَا المعلمونَ والمعلماتِ: اعلموا أنكم ورثةُ الأنبياءِِ، وحملةُ مشاعلِ العلمِ، وأصحابُ رسالةٍ ساميةٍ، ومسؤوليةٍ جسيمةٍ، وأنتمْ على ثغرٍ عظيمٍ من ثغورِ المسلمينَ، فأحسنُوا حراستَه، واعلموا أنّ الطلابَ هم مستقبلُ هذا البلد، وأنتمْ مَنْ تَضَعُونَ لَبِنَات هذا البناء، وأبشروا بالخيرِ إن أخلصتم النيّة، وبذلتم الجهد، قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ) أخرجه الترمذي (٢٦٨٥) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٤٢١٣) واقتدوا بالمعلم الأول ﷺ، قال معاويةُ رضي الله عنه: (ما رأيتُ معلمًا كرسولِ اللهِ ﷺ، ما كَهَرنِيْ، ولا ضَرَبَنِيْ، ولا شَتَمَنِي) وقال جرير بن عبدالله رضي الله عنه: (ما حجَبَني رَسولُ اللهِ ﷺ مُنذُ أسلَمتُ، ولا رَآني إلّا تبَسَّمَ في وَجهي) أخرجه البخاري (٣٠٣٥)، ومسلم (٢٤٧٥).
أيُّهَا المعلمونَ والمعلمات: يُقبِلُ عليكم بعد غدٍ أولياءُ الأمور، فيودعونكم فلذاتِ أكبادهم، فارفقوا بهم، وتودَّدُوا إليهم، واصبِرُوا عليهم، ابدأُوهم بالبشاشة وأَشْعِرُوهُم بالحفاوة، واعلموا أنّ أعينَ الطلابِ عليكم، تُسَجِّل كل تحركاتكم، وسكناتكم، وألفاظكم، ونظراتكم، وردود أفعالكم، فكونوا قدوة لهم في الأخلاق وعونًا لهم على الجدّ والاجتهاد، والتمسوا في الوسائلِ التعليميةِ ما يُسايرُ العصرَ ويَخْدِمُ الْفِكْرَ، فَيَسْهُلُ الدرسُ، وتَصِلُ المعلومةُ، دون خللٍ أو شطط.
وأبشروا ثم أبشروا بثمراتِ عطائِكُم، فأنتم تلمسونَ ذلك في الدنيا قبل الأخرة، فها هم طلابُ الأمس يتبوؤونَ مناصب َفي البلادِ، يُسَاهمونَ في بناءِ نهضةِ البلادِ في كلّ المجالات، بل أنتم أيُّهَا المعلمونَ، بالأمسِ كنتم على مقاعدِ الدّرسِ، والفضلُ للهِ ثمّ لمعلميكم فيما وصلتم إليه، فاحمدوا اللهَ، واشكروه على ما وصلتم إليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}الزمر (9).
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
أيُّهَا المؤمنون: ورسالتي الثانية لفلذات أكبادنا من الطلاب والطالبات:
أيُّهَا الطلابُ والطالبات: اعلموا أنكم أملُ الغد، ومستقبلُ هذا البلد، وسواعدُ بنائِه، وعواملُ نهضتِهِ، فكونوا على قدرِ المسؤولية، ولتكن نيتكم صادقة وخطواتكم راسخة، وبدايتكم جادة، واعلموا أن العلمَ خيرُ ما تُفنَى فيه الأعمارُ وتُقضَى فيه الأوقاتُ.
أيُّهَا الطلابُ والطالبات: اعلموا أن الوقتَ أشرفُ مطلوبٍ، وأعظمُ مفقودٍ، فضنّوا به واحرِصوا عليه، واحذروا من ضياعِهِ وصرفِهِ فيما لا ينفع، وقد كثرتْ في عصرنا الملهيات، وأعظمها بلاءً الجوال، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأصدقاء السوء وفضول الكلام، والسّهر، وكثرة الخروج لغير حاجة.
أيُّهَا الطلابُ والطالبات: أوصيكم باحترام المعلمِ، وتوقيره، ومعرفة حقّه، والاستفادة من علمه، والتواضع بين يديه، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (لَا يَعْرِفُ فَضْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا أَهْلُ الْفَضْلِ).
ورسالتي الأخيرة لأولياءِ الأمور من الأباء والأمهات والمربين:
اعلموا-رعاكم الله-أنّ الأمانة عظيمة، والمسؤولية كبيرة، قال ﷺ: (إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ، أحفظَ أم ضيَّعَ؟) رواه ابن حبان (1562)، وصححه الألباني (1636).
أيُّهَا الأباءُ والأمهات: مروا أبناءكم بالصلاة، واصبروا عليهم، ازرعوا فيهم العقيدة الصحيحة، كونوا عونًا لهم على فتن الدهر، بالنصح، والتوجيه، والمتابعة والدعاء، والترغيب، والترهيب.
صاحبوهم، واجلسوا معهم، وناقشوهم، واستمعوا لأفكارهم، فقوّموها، وصحِّحُوهَا قبل أن تكون سلوكًا عمليًا، تعجزون عن تغييره لاحقًا.
أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يجعلَ هذا العامَ الدراسيَّ، عامَ توفيقٍ، وتحصيلٍ، وبركةٍ، ورفعةٍ لبلادنا.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56].
الجمعة: 28-1-1444هـ