المخدرات أم الخبائث ورأس الشرور – خطبة الجمعة 13-6-1444هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَواتِ، أَحَلَّ لِعِبَادِهِ الطَّيِّبَات، وحَرَّمَ عليهم الخبائِثَ والمنكرات وحذَّرَهُم مِنَ المسكراتِ والموبِقَات، أحْمَدُهُ سبحانَهُ تَفَضَّلَ عَلى بني آدمَ بالعقلِ دونَ سائرِ المخلوقاتِ، لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ.
وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:
فاتّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
عِبَادَ اللهِ: مِنَ النِّعَمِ التي امتنَّ اللهُ عزّ وجلّ بِهَا على بني آدمَ، نعمةُ العقلٍِ، وهو مَنَاطُ التكليفِ، ومَحِلُّ الخطابِ والتَّشْرِيفِ، بِهِ تُدْرَكُ المصالِح، وتُدْرَأُ المفاسدُ، وهو إِحْدَى الضروراتِ الخمسِ التي جاءتْ الشريعةُ بحفظِهَا، وتحريمِ الاعتداءِ عليهَا.
أيُّهَا المؤمنونَ: وقَدْ حرَّمَت الشريعةُ الإسلاميةُ كلَّ مَا يَضُرُّ بالعقلِ، ومن ذلكَ تحريم المخدِّرات، قالَ تعالَى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الأعراف/ [157] وقالَ ﷺ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) أخرجه البخاري (7172) وهي مِفْتَاحُ الشُّرُور قال ﷺ: (لَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) أخرجه ابن ماجه (٢٧٣٣) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٧٣٣٩).
أيُّهَا المؤمنونَ: وتعاطِي المسكراتِ والمخدِّرَاتِ من أفعالِ الجاهليةِ قَدِيمًا وحَدِيثًا فقديمًا كانتْ الخمرُ التي أضاعتْ عقولَ وأوقاتَ الناس، حتى جاءَ الإسلامُ مُحَرِّرًا لعقولِهِم، ومُسْتَدْرِكًا لما بَقِيَ من طاقَتِهِمْ بقوله ﷺ: (ألا إن كلَّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) أخرجه مسلم (1218) وقد سَلِمَ منهَا بعض النَّاسِ؛ لِمَا عَلِمُوا مِنْ خُبْثِهَا، وعَدَمِ نَفْعِهَا، قِيلَ لأحَدِهِمْ في الجاهليةِ: لِمَ لا تَشْرَبُ الخَمْرَ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا بَآخِذٍ جَهْلِي بِيَدِي، فَأُدْخِله جَوْفِي، وَلا أَرْضَى أَنْْ أُصْبِحَ سَيِّدَ قَوْمٍ وَأُمْسِي سَفِيهَهُم.
وأمَّا حَدِيثًا، فقد ظهرَ مِنْ أنواعِ المخدِّرَات ما هو أَدْهَى وأمَرُّ، وأخْطَرُ وأَشَرُّ، لا يَذْهَبُ بالعَقْل فَقَطْ، بَل يُزْهِقُ الرُّوحَ، وَيُبْلِي الْجَسَدَ، وَيَخْلَعُ عَن المرْءِ إِدْرَاكَهُ، ويَسْلُبُهُ حِسَّهُ ويُورِثُهُ الْخِسَّةَ والذِّلَّةَ، وَمِنْ ذلك مَا يُسَمَّى بِمُخَدِّر الشَّابُو.
أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ مُخَدِّرَ الشَّابُو، وهو أقراصٌ كيميائية، بَلُّورِيَّةَ الشَّكْلِ، تُدَمِّرُ الجهازَ العصبيَّ للإنسانِ، وهُوَ بِدَايةُ النِّهَايةِ، يَهْرَبُ إليه بعضَ الشَّبَابِ للتَّخَلُّصِ مِن مشاعِرِ القلقِ والتَّوَتُّرِ-وخاصةً أيَّامَ الاختباراتِ؛ لِيَقَعُوا في شِرَاكِ الإدمانِ، فإذَا القلقُ يزدَادُ، والمتعةُ الزَّائِفَةُ، يَعْقُبُهَا مَشَقَّةٌ لاحِقَة، والنَّعِيمُ المزعومُ يَتْبَعُهُ شَقَاءٌ مَحْتُومٌ، فَيَلِجُ طَرِيقًا لا رُجْعَةَ فيهِ، ويُسَاقُ إلى مصيرٍ لا مَحِيدَ عَنْهُ، ونِهَايَةٍ لا خَلاصَ مِنْهَا.
وحول هذا الموضوع لي ثلاثُ رسائل:
رسالتي الأولى: أَهْمِسُ بها في مَسَامِعِ الشبابِ، بصَوْتِ الأبِ الحانِي، والأخِ النَّاصِحِ، فأقولُ: أيُّهَا الشَّبَابُ: اعلموا أنّكم عِمَادُ هذا الوطن، وزَهْرَةُ شبابِهِ، ونَهْضَةُ بِنَائِهِ بِعُقولِكُمْ تَرْسمونَ مُستقبلهُ، وبسواعِدِكُمْ تصنعونَ حَاضِرَهُ، أَيَلِيقُ بِكُمْ أَنْ تَلْقَوا رَبَّكُم جَلّ وعَلا بَعْدَ هذا التَّكْرِيمِ، وتِلْكَ المكانَةِ، وتَكُونُوا خِنْجَرًا مَسْمُومًا تُطْعَنُ بِهِ بلادُكُم؟!
أما سمعتم قولَ النبيِّ ﷺ: (إنَّ علَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبَالِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَما طِينَةُ الخَبَالِ؟ قالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) أخرجه مسلم (2002). ألَمْ تَرَوْا بأعينِكُم مصيرَ مَنْ سبقُوكُم فِي هذا الطريقِ؟ ألَمْ تُخِيفُكُم تِلْكَ الأجسامُ الهزيلةُ، والعيونُ الغائِرَةُ، والوَجَنَاتُ المتوَرِّمَةُ والعروقُ البارِزَةُ، والوجُوهُ البائسةُ العابسةُ؟! فاتّعِظُوا –رعاكم الله- فالسَّعِيدُ مَن وُعِظَ بِغَيْرِهِ، والشَّقِيُّ مَن وُعِظَ بِهِ غَيْرُهُ.
أعُوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلى تَوْفِيقِهِ وامْتِنَانِهِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، تَعظيمًا لشأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أما بــعــــدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ: وإليكم رِسَالَتِي الثَّانِية للآباءِ والأُمَّهَاتِ والمرَبِّينَ:
اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّ صلاحَ بيوتكم وذرِّيَاتِكُم، أسَاسُهُ صَلاحُكُمْ أنتم في أنْفُسِكُمْ، فَلا يستقيمُ الظِّلُّ والعودُ أَعْوَجُ، وهؤلاءِ الشبابُ أمانةٌ في أعناقِكُم، وهم خصومكم أمامَ ربِّكُم إِنْ فَرَّطْتُم في تربيتِهِم، وذُخْرٌ لكُمْ إنْ أَحْسَنْتُمْ رِعَايَتهم، تَقَرُّ أعيُنُكُمْ بصلاحِهِمْ في الحياةِ، وتَثْقُلُ بهم موازينكم بَعْدَ المماتِ، وتَنْتَفِعُ بهم البلادُ والعبادُ قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}التحريم: [6].
ورِسَالتِي الثَّالثة: لجميعِ فئاتِ المجتمع، والمقيمينَ على ثَرَى هذا الوطنِ المبارك: اعلموا أنَّ المخدَّرَاتِ أخطر أنواع الحروب المعاصرة، وأَعْتَى الأسلحة لإسقاطِ الدُّوَلِ مُنْذُ أنْ غُرِسَت بِذْرَتُها في بلادِ المسلمينِ بأيدِي أعداءِ الإسلامِ، الذينَ تَرَكُوا خلفَهُم رَبِيبَةً لَهُم، تسيرُ على نهجِهِمْ في ترويجِ المخدِّرَات بين شبابِ المسلمين، لكنَّنَا نَحْمَدُ اللهَ عزّ وجلّ على حِفْظِهِ لبلادِنَا أولًا، ثُمَّ الجهودَ المباركةِ مِنْ وليّ أمرِنَا خادِمَ الحرمينِ الشَّرِيفينِ، وسمو ولي عهدِهِ الأمين، في التَّصَدِّي لهذه السموم، ومنعِ انتشارِهَا، وكذا جهودُ رجالِ الجمارِكِ والموانِئِ والحُدُودِ، في منعِ دخولِهَا، وجهودُ رجال المكافحة في التَّصَدِّي لمرَوِّجِيهَا، وملاحقتهم.
فكونوا –رعاكم الله- صَمَّامَ أمانٍ لهذا الوطن، وانْتَظُموا خَلْفَ ولاةِ أمرِكُمْ وجنودِهِم من رجالِ الأمنِ، ورجال المكافحة، وغيرِهِم، في التَّصَدِّي لمروّجِي هذه السُّمُوم، بالإبلاغِ الفوريِّ عن هؤلاءِ، وفضحِهِم؛ لِتَسْلَمَ مِنْ كَيْدِهِم البلادَ والعبادَ.
حَفِظَ اللهُ شَبَابَنَا وبِلَادَنَا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، وَجَعَلَ كَيْدَ الْكَائِدِينَ فِي نُحُورِهِمْ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِ المسلمينَ لِلْحُكْمِ بكتابِكَ، والعملِ بسنَّةِ نبيِّكَ، اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وسموَّ وليِّ عهدِهِ لما فيه الخيرُ والصَّلاحُ واحْفَظْهُمْ من كلِّ سُوءٍ ومكروهٍ، واجْزِهِمْ عمَّا يُقَدِّمُونَ للإسلامِ والمسلمينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ.
اللهمَّ ارْبِطْ على قلوبِ رجالِ الأمنِ، الذين يُدَافِعُونَ عن الدِّينِ والمقدساتِ والأعراضِ والأموالِ واحفظهمْ من بين أيديهمِ ومن خلفهمِ، ونعوذُ بعظمتكَ أنْ يُغْتَالُوا من تَحْتِهِمْ.
اللهمَّ ارحَمْ هذا الجمعَ من المؤمنينَ، اللهمَّ استر عوراتِهِمْ، وآمِنْ روعاتِهِمْ وارفَعْ درجاتِهِمْ في الجنَّاتِ، واغفرْ لَهُم ولآبَائِهِمْ وأمَّهَاتِهِم، وأَصْلِحْ نيَّاتِهِمْ وذريَّاتِهِم واجمعنَا وإيَّاهُم ووالدِينَا وأزواجَنا وذريَّاتِنَا ومَنْ لَهُ حقٌّ علينَا في جنَّاتِ النعيمِ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56].
الجمعة: 1444/6/13هـ