وداع رمضان وأحكام صيام القضاء وست من شوال – خطبة الجمعة 1-10-1444هـ
الحمدُ للهِ الذي أَنْزَلَ الشَّرْعَ فَيَسَّرَهُ وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ، الْخَلَائِقُ فِي أَرْضِهِ يَسِيحُونَ، وَوفْقَ إِرَادَتِهِ وَعِلْمِهِ يَسِيرُونَ {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يس: [40]
وأشْهَدُ ألّا إِلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ، أرسله رحمة للعالمين، وهداية للمؤمنين، وإرشادًا للتائهين، ونذيرًا للعاصين صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ إلى يوم الدين، أمَّــا بَعْـدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} آل عمران: [102].
أيُّهَا المُؤمنونَ: هَا هُوَ شَهْرُكُمْ قَد اضْمَحَلَّ هِلَالُهُ، وخَفَتَتْ أَنْوَارُهُ، وقُوِّضَتْ خِيَامُهُ، انْقَضَى رمضَانُ وهو شَاهِدٌ لكُمْ أوْ عَلَيْكُمْ بمَا أَوْدَعْتُمُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ فمنْ أَوْدَعَهُ عَمَلًا صَالِحًا، فَلْيُبْشِرْ بِالْجَزَاءِ، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا، ولْيَعْلَمْ أنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ومَنْ فَرَّطَ وقَصَّرَ في الدُّخُولِ مِنْ بابِ الصِّيَامِ، واسْتِثْمَارِ رمضان، فَلْيَعْلَمْ أنَّ بَابَ التَّوْبَةِ أَعَمُّ وأَوْسَعُ، واللهُ يتوبُ على مَنْ تَابَ، قالَ تعالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} طه: [82].
أيُّهَا المؤمنونَ: وإنْ انْقَضَى شَهْرُ رمضَانَ، فإنَّ عملَ الْمُؤْمِنِ لا يَنْقَضِي قالَ تعالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} الحجر: [99] وقالَ النبيُّ ﷺ: (إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ. وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ) أخرجه مسلم (1631) قال الحسن البصري رحمه الله: (إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَل لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ) الزهد لابن المبارك (ص18)
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يُشْرَعُ للمسلمِ بَعْدَ رمَضَانَ، المُبَادَرَةُ إلَى قَضَاءِ الصِّيَامِ لِمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عُذْرٍ، وخَاصَّةً النِّسَاء، فالمسلمُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ ولَا يجوزُ تَأْجِيلُ القضاءِ إلَى رمضانَ آَخَر مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمَنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ على الرَّاجِحِ من كلام أهل العلم وهِيَ إِطْعَامُ مِسْكِين عنْ كُلِّ يَوْمٍ.
عِبَادَ اللهِ: وصومُ الْقَضَاءِ صَوْمٌ واجِبُ، يَلْزَمُ له تبييتُ النيةِ من الليلِ، ويحرمُ الفطرُ في قضاءِ رمضانَ إلا مِنْ عذرٍ يبيحُ الفطرَ كسفرٍ أو مرضٍ، ولا يلزمُ التَّتَابُعُ في القضاءِ، ومنْ تركَ القضاءَ حتَّى ماتَ؛ فإنْ كانَ مِنْ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ كمرضٍ استمرَّ بهِ حتَّى ماتَ، فليسَ عليهِ شيءٌ، أمَّا إنْ تركَ القضاءَ مِنْ غيرِ عذرٍ فماتَ؛ فيشرع لولِيِّهِ أنْ يُطْعِمَ عَنْهُ.
أيُّهَا المؤمنونَ: وممّا يشرعُ للمسلمِ بعدَ رمضانَ صِيَامُ ستَّةِ أيَّامٍ مِنْ شَوَّال قالَ النبيُّ ﷺ: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ) أخرجه مسلم (1164). ويجوزُ صيامُهَا متفرِّقَة ومتتابِعَة، ويُقَدَّمُ قضاءُ رمضانَ على صيامِ السِّتِّ من شوال، إلا إذا خَشِيَ انقضاء شوال كمن كان عليها أيام كثير من نفاس أو غيره، ولا يجوز الجمعُ بين نية القضاء والست من شوال في يوم واحد.
أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة: [184].
أقولُ قَوْلِي هَذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشُّكْرُ له على توفيقِهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ ألّا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، الدَّاعِي إلَى رضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ: واعلموا أنّ مِنْ أهمِّ الدروسِ التي يَسْتَقِيهَا المسلمُ مِنْ رمضانَ: المواظبةُ على الصَّوْمِ، وقيامِ الليلِ في سائِرِ الشُّهُورِ، قالَ الحَسَنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ: (إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، ولَا صِيَامِ النَّهَارِ، فاعْلَمْ أَنَّكَ مَحْرُومٌ، قَدْ كَبَّلَتْكَ الْخَطَايَا والذُّنُوبُ).
تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنْكُم صَالِحَ الْأَعْمَالِ، ورزقنَا وإيَّاكُم الإخلاصَ، ووفَّقَنَا وإيَّاكُمْ لكلِّ خَيْرٍ، ويسَّرَ لنَا كُلَّ رُشْدٍ، وصَرَفَ عنَّا كُلَّ مَكْرُوهٍ وشرٍّ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة 1444/10/1هـ