خطبة بعنوان: (الحياء-2).
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جَّمل المؤمنين بالحياء وشوَّه الفاسقين بالوقاحة وقلة الحياء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل فيما صح عنه عند البخاري(الحياء لا يأتي إلا بخير) صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً
أمــا بـــعــد:
إخوة الإيمان وعدنا أن نكمل حديثنا عن الحياء الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء).
قال الماوردي رحمه الله (واعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه:
أحدهما حياؤه من الله بامتثال أوامره واجتناب زواجره.
والثاني حياؤه من الناس بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح.
والثالث حياؤه من نفسه بالعفة وصيانة الخلوات.
فمتى كمل حياء الإنسان من وجوهه الثلاثة كملت فيه أسباب الخير وانتفت عنه أسباب الشر وصار بالفضل مشهوراً وبالجميل مذكورا والعكس بالعكس أيها المؤمنون هناك صور ينبغي أن نحياها وتتكرر في مجالسنا وبين أفراد مجتمعانا لأنه صور رائعة تظهر جوانب الحياء وتزرع الفضيلة وبالتالي تختفي صور الرذيلة والوقاحة من المجتمع ويبقى آمنا مطمئنا كالبنيان يشد بعضه بعضا.
ومتى فقدت هذه الصور وحصل عكسها بدأ المجتمع يتفكك وتسوده الفوضى وذلك لقلة حياء أفراده وعظيم وقاحتهم ولقد سبرت حال المجتمع فوجدت من أكثر صور قلة الحياء انتشاراً مـا يلي:
1ـ قلة احترام الوالدين ورفع الصوت عليهما وعدم الأدب معهما في المجالس الخاصة والعامة وهذا والله من العقوق وقلة الحياء ودليل على عدم الصدق مع الله ومع أن عمله هذا دين سيكون الوفاء من أبنائه إلا أنه علامة على دناءته وفساد أخلاقه.
إن مما نسمع عنه في مجتمعنا أن الولد يأمر أمه بإعداد الشاي وصنع الطعام لضيوفه بل إن الحال يصل إلى أبعد من هذا إذ هناك من يتلفظ على أمه بألفاظ نابية إذا لم تكن الوليمة التي أعدها لضيوفه على المستوى المطلوب وهناك من الفتيات من تقبع خلف مكتبها تذاكر دروسها وأمها هي التي تخدمها وهذا والله صورة لاتنكاس المفاهيم.
2ـ ومن الصور المؤلمة لقلة الحياء عدم احترام المعلمين والمعلمات وترك الأدب معهم فتجد التلميذ يرفع صوته على معلمهُ ويسيء إليه ولا يقبل توجيهه وهذا من أسباب تدني المستوى التعليمي ولقد أدركنا وقتا كان التلاميذ يهابون مقابلة معليمهم وإذا ضمهم معهم مجلس فكأن على رؤوس التلاميذ الطير من المهابة والتقدير والاحترام لأساتذتهم.
3ـ ومن صور قلة الحياء التدخين وخصوصاً في الأماكن العامة. لأن التدخين كله شر وبلاء وفتنة لكن أن يتعدى ضرره إلى الآخرين فهذا إيغال في الوقاحة والبذاءة وفساد الأخلاق أرأيتم كيف يمد المدخن يده ليشعل سيجارته في مكان يجتمع فيه غيره كأماكن العمل وسيارات النقل الجماعي والقطارات والطائرات ألا يستحي أمثال هؤلاء من إيذاء مشاعر الناس ألا يحسبون للشيخ الطاعن في السن حسابه ألا يشعرون بتأذي العلماء والأخيار ولكنه سوء الخلق والعياذ بالله.
4ـ ومن صور قلة الحياء رفع الصوت بالأغاني ولا سيما في أماكن تجمع الناس وازدحامهم أرأيتم كيف يستقبح ذو الفطرة السليمة صنيع من يرفع صوت المذياع أو آلة التسجيل عند الإشارة المرورية أو في المواقف أو عند الأسواق أو في المحلات التجارية وهكذا الجار بالنسبة لجيرانه إذا رفع صوت الأغاني أو أعلن ــ الدش ــ أمام الناس فهذه الأمور محرمة في كل حال ولكنها مع المجاهرة تزيد قبحاً لأنه ا تدل على عدم الحياء.
5ـ ومن الصور الدالة على قلة الحياء التفحيط فعلاوة على كونه إسرافا وتبذيراً وإلقاء بالنفس للتهلكة إلا أنه دليل على قلة الحياء وفساد الخلق وكم جر هذا الداء على أصحابه وغيرهم من الشرور والمفاسد ومن كان لديه شك في هذا فليتصل بأجهزة المرور في أي مدينة ليرى الحقائق المذهلة.
6ـ ومن صور قلة الحياء المجاهرة بالمعاصي عموماً فالمعاصي محرمة ولكنها تزيد قبحاً وشناعة إذا جاهر بها أصحابها ولذا ثبت في الصحيح (كل أمتي معافى إلا المجاهرون).
أيها المؤمنون والمؤمنات علينا جميعا أن نتعاون في زرع الحياء في قلوب الآخرين وتحبيب هذا الخلق للناس وتنشئة البنين والبنات عليه لأنه إذا فقد حل محله أخلاق سيئة قد تعصف بالمجتمع وتذيقه ألوان العذاب وما أجمل ما قيل:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه *** فلا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنما *** يدل على وجه الكريم حياؤه
ولقد أبدع القائل /
إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء
اللهم ارزقنا حياء يكمل أخلاقنا ويزين أعمالنا ويدفع قدرنا في الدنيا والآخرة هذا واستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أمــــا بـــعـــد:
إخوة الإيمان إن الحياء والإيمان في قَرَن واحد إذا نزع أحدهما تبعه الآخر رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعاتب أخاه في الحياء فقال عليه الصلاة والسلام (دعه فإن الحياء من الإيمان).
وإن مما يعين على الحياء ويقويه حياة القلب وقلة الحياء من موت القلب فكلما كان القلب حياً كان الحياء أتم. والعكس بالعكس.
ومما يعين على الحياء ويقويه:
1ـ مراقبة الله: فمتى علم العبد أن الله مطلع عليه قريب منه أورثه هذا العلم حياءً منه.
2ـ شكر النعمة: يتولد الحياء من الله من التقلب في نعم الله التي لا تحصى فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصية الله.
3ـ استحضار فضائل الحياء وترديدها على القلب وطلب بلوغ أعلى درجات الحياء. وبالمقابل استحقار آثار قلة الحياء ليبتعد عنها وعن أصحابها.
4ـ المواظبة على الفرائض الله لأنه تقوي صلته بربه وبالتالي يستحي أن يراه خالقه المنعم عليه مقصراً في طاعته.
5ـ مخالطة الصالحين ورؤيتهم والاستفادة من أخلاقهم ولو لم يستفد من مجالسهم إلا أنه يستحي من فعل القبيح عندهم.
6ـ البعد عن مجالسة الأشرار وقليلي الحياء لأن مخالطتهم تورث الأخلاق الفاسدة وتبعد عن الأخلاق الفاضلة وصدق المعصوم صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير).
7ـ لزوم الصدق وتحريه لأنه يهدي إلى البر والحياء باب من أبواب البر.
8ـ تقوية الإيمان والحرص على الأسباب التي تعين على ذلك لأن المؤمن قريب من الله بعيد من الشيطان وإذا كان الشخص قريباً من الله عظم حياؤه منه.
9ـ مجاهدة النفس على الحياء وسؤال أهل الشأن عنه وإذا رأى شخصاً حيياً سأله عن الأسباب التي أوصلته إلى ذلك ليقتدي به ولو أن يتكلف الحياء ويجاهد نفسه عليه لأن الأخلاق الفاضلة تكتسب بالمجاهدة والقدوة.
10ـ استحضار حياء خير البشر صلى الله عليه وسلم وإكثار مطالعة سيرته ليستفيد من أخلاقه وشمائله بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام. وكذلك مطالعة سيرة أصحابه والاقتداء بهم فلقد ثبت عند البخاري كان النبي صلى الله عليه وسلم (أشـدُّّّّّّّّّّّّّ حياءً من العذراء في خدرها).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يصف أصحابه (وأصدقهم حياءً عثمان).
وثبت عن مسلم (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة).
هذا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صلي وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.