خطبة بعنوان: (من آداب النزهة والرحلات) بتاريخ 25-2-1430هـ
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه [أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً..] أحمده سبحانه حمداً يليق بعظمته، ويوافي آلاءه ونعمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أكثر من تدبر وتفكر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى سبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
عباد الله: لقد انتهت الدراسة، وكثير من الناس يعدون أنفسهم وأولادهم للاستفادة من إجازة نصف العام متنفساً لهم بعد عناء الامتحانات مع الأبناء والبنات.
ويتفاوت الناس في قضاء أوقاتهم خلال تلك الإجازة تفاوتاً كبيراً؛ وأغلبهم يعقدون العزم على شيء من الترويح عن النفس، والتوسعة على العيال، والبحث عن المتنزهات المناسبة القريبة منهم، أو البعيدة عن طريق السفر إليها، والبعض الآخر يفضلون الذهاب إلى البر ويرون في تلك الأسفار متنفساً يروحون به عن أنفسهم ويعبرون به عن فرحتهم، والبعض منهم يعزمون على السفر إلى الأماكن المقدسة لأداء العمرة، والاستفادة من تلك الإجازة في تحصيل الأجر والثواب مع تغيير الجو للأسرة.
وقد حض الإسلام على طلب الترويح عن النفس في حدود المباح، والنبي صلى الله عليه وسلم وجه بذلك فقال: (إن لجسدك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا.. فأعط كل ذي حق حقه)(رواه البخاري وغيره). فلا حرج على المسلم في الترويح عن نفسه وعن أهله دون إسراف أو تقتير، أو تفريط في طاعة الله أو وقوع في معصيته. والمسلم يستغل تلك النزهة أو الرحلة أو السفر في النظر والتدبر متفكراً متدبراً ومتأملاً في عجيب خلق الله وبديع كائناته، مما يزيده معرفة بربه، ويقيناً بعظمته وقدرتهً.
عباد الله: وعلى من أراد التنزه والسفر أن يتعلم شيئاً من آداب الرحلات والنزهة والسفر، لكي يكون على بصيرة بأمر دينه، ولكي لا يوقع نفسه فيما حرم الله، ومنها:
أولاً: استحضار النية الطيبة بالسفر والنزهة للتقوِّيَّ على طاعة الله تعالى، والتوسعةَ على العيال، وإدخالَ السرور عليهم، وإن تيسر له زيارة الحرمين الشريفين، فهو أولى وأكمل ليحصل بذلك على الأجر العظيم؛ وليكون سفرُه سفرَ طاعةٍ وبر.
ثانياً: الاستخارة في أمر تلك النزهة وهذا السفر، فإن الإنسان لا يدري ماذا يطرأ له من هذا السفر وتلك النزهة؟ أهو خير له أم لا؟.
ثالثاً: ومن عزم على السفر فليبدأ بالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وعليه أن يخرج من مظالم الخلق من ديون وغيرها، ويترك لأهله ما يلزمهم من نفقة ونحوها إن لم يكونوا معه.
رابعاً: الاستعداد للنزهة أو السفر استعداداً كاملاً، بحيث يأخذ فيه بجميع الاحتياطات اللازمة حفاظاً على سلامته وسلامة من معه.
خامساً: معلوم لدى الجميع أن السفر والنزهة في وقتنا الحاضر يختلف عنه في أزمنة مضت، فكل شيء الآن ميسرٌ، فيمكن لمن أراد السفر أن يركب السيارات، أو الطائرات، أو الفلك المواخر في البحر، ويذهب إلى أي اتجاه في العالم في أقل الأوقات، ومع توفر تلك الوسائل المريحة إلا أنه يجب على من أراد السفر أو التنزه الاحتماء بجناب الله، واللجوء إليه، وطلب تيسيره ولطفه، وعدم مبارزته بالمعاصي، والحرص على طاعته ومرضاته.
وهذا أمر يغفل عنه الكثير من المتنزهين والمسافرين، فالبعض يعرض عن مراقبة الله تعالى، ويخيل إليه أنه في بُعدٍ عن قبضة العظيم المتعال، ولذا تجد الذين ينوون نية سيئة بالسفر من أجل نيل الملذات والشهوات بعيداً عن أعين الناس يُحرمون التوفيق، ويصابون بالأكدار والمنغصات وضيق الصدر والعذاب النفسي الذي يحرمهم الطمأنينة والسعادة.
سادساً: على المسلم ألا يسافر وحده بل يكون معه رفقة، وألا ينسى في أول سفره دعاء السفر. وربما تُعرض للمتنزه والمسافر أمور كثيرة، ولكل منها أدعية مخصوصة، منها ما يكون عند ركوب الدابة، والتسبيح عند الانخفاض، والتكبير عند الارتفاع ونحو ذلك، والأفضل للمسلم أن يحمل معه كتاباً في الأذكار ليعينه على أن يكون متصلاً بالله تعالى، كما يستحب في حقه اصطحاب كتاب في أحكام السفر والنزهة ليكون على بصيرة بأموره.
سابعاً: عند اختيار المكان لجلوس العائلة لابد أن يكون ساتراً لهم ليتمكنوا من أخذ راحتهم والتعبير عن فرحتهم دون تشدد أو تساهل.
ومن السنة عند اختيار المكان والنزول فيه أن يقول المسلم ما ورد عند نزول منزل (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل عنه)(رواه مسلم)، فإنه يحفظ ــ بإذن الله ــ من سائر دواب الأرض وغيرها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ](الأنعام:185).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى جنته ورضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بـعـد:
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على فضله، والزموا أمره ونهيه، تفوزوا برضاه وتنالوا جنته
عباد الله: ومن آداب السفر والنزهة أيضاً:
ثامناً: عدم إيذاء المتنزهين، فبعض الناس يؤذي إخوانه في المتنزهات والأماكن العامة، عن طريق رفع صوت الغناء، أو بالقيادة المتهورة، أو بالتدخين، أو غير ذلك من الإيذاء المتعمد، وما يقع من بعض الشباب ــ هداهم الله ــ من التفحيط والتطعيس والمرور أمام النساء في البر والتعرّض لهن فجأة، وهذا عمل لا يليق بالمسلم أن يفعله، وليحذر من وقع في ذلك من قوله تعالى [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا](الأحزاب:58)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم)(رواه الطبراني، وحسنه الألباني في الصحيحة برقم2294)
ومن صور الإيذاء أيضاً التساهل في رمي المخلفات في الأماكن العامة، أو الطرقات أو الظل، أو موارد المياه العذبة ونحو ذلك.
ويقاس على ذلك رمي مخلّفات الأكل الورقية والبلاستيكية، وأقبح منه ما تفعله بعض النساء من رمي حفائظ الأطفال، وما أحسن إحراق تلك المخلفات قبل الارتحال من المكان ليسلم من أذاها من أتاها من إنسان أو حيوان.
وما أجمل أن يظهر المسلم بصورة الواعي الذي يقيم واجب الجوار في المتنزهات العامة فلا يؤذي مشاعر من يجلس بجواره، بل يبادر إلى غض بصره، وعدم التعرض لحرمات إخوانه من المسلمين.
وعلى المرأة المسلمة إذا خرجت للبر الاحتشام، وحفظُ حيائها، ومراقبةُ ربها، وعدمُ تبرجها بحضرة الرجال الأجانب، فالحجاب لا يرتبط بمكان أو زمان معين؛ بل هو أمرٌ من الله سبحانه وتعالى للنساء أن [يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ] (الأحزاب).
تاسعاً: على الذين يخرجون إلى البرِّ معرفةُ دخولِ الوقت، والحرصُ على الصلاة في وقتها، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال: (الصلاة على وقتها) (متفق عليه). ومما يُبشَّر به من خرج للبر أن في محافظته على الصلاة في ترحاله أجرًا عظيمًا، فقد قال رسول الله: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحدة خمسًا وعشرين درجة، فإذا صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة)(رواه أبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وابن حجر وحسنه ابن مفلح، وصححه الألباني في الصحيحة برقم3475). وكذا الأذان في الفلاة لقوله: (فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)(رواه البخاري). ومن المسائل المهمة أيضاً التأكد من القبلة والاجتهاد في ذلك، فإن اجتهد وصلّى وتحرّى القبلة فصلاته صحيحة، ولو اكتشف بعد الانتهاء من الصلاة أنه صلّى إلى غير القبلة فلا يعيد وصلاته صحيحة.
ووصيتي الأخيرة لإخواني وأخواتي الحرص على كل عمل صالح، والبعد عن كل عمل سيء، فالميزان يوم القيامة بالحسنات والسيئات، وصدق الله تعالى إذ يقول [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ](فصلت: 46).
وفق الله الجميع لكل ما يحب ويرضى.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال جل في علاه [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب
العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث، اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الموافق: 25-2-1430هـ