خطبة عيد الفطر بتاريخ 1-10-1432هـ
الخطبة الأولى:
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر،الله أكبر..لا إله إلا الله..الله أكبر،الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأراضين، ومالك يوم الدين، الحمد لله المتفرد بالعظمة والكبرياء
والعطاء والبقاء.
الحمد لله الذي امتن على عباده بعظيم فضله وعطائه وسخائه.
الحمد لله الذي بلّغ عباده شهر رمضان وأعانهم على صيامه وقيامه، ووعدهم بعظيم الأجر والثواب، والرحمة والرضوان.
الحمد لله حمداً كثيرا يليق بعظمته وجلاله.
الحمد لله الذي أتم علينا النعمة، وأكرمنا بعظيم المنة.
الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وآوانا وعافانا وهدانا ومن كل شيء أعطانا.
الحمد لله الذي أمدَّ في آجالنا، وبلغنا تمام شهرنا، فله الحمد كثيرا وله الشكر كثيرا، حمداً وثناء طيبين طاهرين إلى يوم الدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ {..الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }(طه: 50)؛ هدى العباد لما يصلحهم، وعلمهم ما ينفعهم، وتكفل بأرزاقهم.
فاعرفوا يا عباد الله فضله عليكم، واشكروا نعمته ومنته، وعظموه حق عظمته، واقدروه حق قدره، وأدوا ما أمركم به وفاء بعهده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}(فاطر: 3).
وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله؛ أرأف الناس على أمته، وأحرص عليهم من الوالد بولده، أنار الله لنا به السبيل، وهدانا به إلى صراطه المستقيم، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128)، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله ومن تبعه من صحابته وأتباعه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن الدنيا متاع، والآخرة خير وأبقى لمن اتقى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).
الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: كنا بالأمس القريب نستعد لاستقبال شهر رمضان، ونعدّ له العدة فرحين بنعمة الله علينا ببلوغه، وها نحن في هذا اليوم نودعه، ونتحسر على فراقه، فيا حسرة من خرج من رمضان ولم يغفر الله له، قال صلى الله عليه وسلم (.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..)(رواه الترمذي وأحمد).
فحق للعيون أن تدمع، وحق للقلوب أن تحزن، وحق للأكباد أن تتقطع، كيف لا وقد عشنا فيه خير عيشة، وأطيب حياة، ولقد كان بالنسبة لنا شهراً حبيباً، حوى بين جنباته الخير والبركة، والرحمة والمغفرة.
عشنا فيه بين تلاوة القرآن، والصيام، والقيام، والصدقة والدعاء، والبذل والعطاء، والتوبة والبكاء.
عباد الله: من أساء وفرط في رمضان فالفرصة أمامه ما دام في العمر بقية، وعليه بالتوبة والاستغفار والإكثار من العمل الصالح، ومن صدق مع الله تعالى بعد رمضان، وأحسن فيما بقي من عمره، غفر الله له ذنبه، وأبدل سيئاته حسنات، قال تعالى:{ إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(الفرقان: 70).
الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: هذا اليوم المبارك هو ــ يوم عيد الفطر ــ الذي شرعه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قَدِمَ المَدِينَةَ وكان لأهلها يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال:(مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قالُوا: كُنّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليّةِ، فقال رسولُ الله:(إنّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْر)(رواه أبو داود).
هذا العيد يا عباد الله مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره العظيمة، فهو شكر لله على تمام صيام الشهر، وفرصة لطرح المشاكل والمحن، ونسيان الهموم والغموم، وشعور بالسرور والحبور.
ها هو عيد الفطر المبارك قد حلَّ علينا بفرحته، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(يونس:58)، فكلنا نبتهج ونَأنسُ ونُسَرُّ ونَسْعدُ بمقدمِهِ، ونرجو أن تتحقق الفرحة الكبرى التي نسعد بها يوم الجزاء.
وهذا اليوم: يوم سرور للمؤمنين الصادقين، الذين حفظوا صيامهم، وصانوا ألسنتهم، وزكَّوا أنفسهم، وراقبوا ربهم، وبذلوا أموالهم.
هذا اليوم: يوم الفرح الحقيقي لمن صام وصلى، وتاب وأناب، وتطيب بطيب الصدق والصفاء، وتزين بزينة الإيمان، ومحاسن الأخلاق، فخرج من رمضان وقد فاز بعتق رقبته من النار.
عباد الله: وفي هذا اليوم العظيم أباح الله لعباده الترويح عن النفس بعد مجاهدتها لصيام شهر رمضان، لتنال حظها من الفرح والمرح واللعب والسرور.
ولكن ينبغي ألا ينسى الإنسان ربه في العيد، فليس العيد باباً يفتح للنفس لتجري وراء شهواتها وملذاتها دون قيود، بل جُعلَ لعبادة الله وذكره، فيقوم فيه المسلم بالتكبير والتهليل وأداء صلاة العيد والتقرب إلى الله عز وجل بصدقة الفطر وغيرها من الصدقات والهدايا التي تدخل السرور على الآخرين.
وقد شرعت فيه زكاة الفطر لتعطى للفقير ليشعر بفرحة العيد ويسعد بما يسعد به إخوانه الأغنياء، ويشعر برباط إخوة الإسلام والإيمان.
الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: ليحرص كل منّا في هذا اليوم المبارك على تصفية قلبه من الحسد والحقد والعداوة والبغضاء، ولنحرص على الصفح والتسامح والغفران، وليتذكر كل منا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(الحشر: 10).
واعلموا يا عباد الله أن العيد فرصة عظيمة لنا لنصل أرحامنا، وننال شرف الواصلين، الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)(رواه البخاري)، ومن نعمة الله تعالى علينا في هذه المحافظة ــ بل وفي سائر محافظات مملكتنا الحبيبة ــ أن كل أسرة من الأسر جعلت لها وقتاً مناسباً للاجتماع بباقي أفرادها، وهي فرصة عظيمة لتقوية أواصر التقارب والتحاب والتواد، والله جل وعلا يحب من عباده ذلك ويرغبهم فيه، وقد وعد الواصلين بالأجر العظيم والثواب الجزيل.
وعلينا أن نحرص على زيارة الجيران والإخوان، والأحباب، وبذل الهدية لهم حتى ولو كانوا أغنياء، وكذا عيادة المرضى وزيارتهم والدعاء لهم وإدخال السرور عليهم.
ونحرص كذلك على الاجتماع مع جيراننا وخاصة صباح يوم العيد للمشاركة في التهنئة والطعام، وعلينا بالتناصح والتواصي بالحق والخير، لقول الله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة: 71).
عباد الله: وإن من المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا خلال أيام العيد تلك الألعاب النارية التي تنتشر بين الأطفال، بل ربما بعض الشباب، وهي والله مشكلة خطيرة، يتعرض من خلالها أطفالنا لبعض الإصابات، فينبغي علينا أن نتقي الله في أولادنا وألا نترك لهم الحبل على الغارب، ليمسكوا بتلك الألعاب الخطرة، وعلى أصحاب المحلات أيضاً ألا يكونوا عونا على تلك الأمور، فكل بلاء أصاب أحداً من الناس كان في ذمة هؤلاء البائعين لتلك الألعاب الخطرة.
ونحمد الله أن هناك من الألعاب المباحة الشيء الكثير، فلنحرص على ما ينفعهم ولنبعد عنهم كل ما يضرهم، وكم من أسرة انقلب عيدها حزناً وأسى لما أصاب أولادهم من تلك الألعاب.
الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون: ها هي الفتن تضرب بأطنابها في كثير من الدول من حولنا، وقد عصمنا الله من كثير منها، وذلك بفضله أولاً وآخراً، ثم بلزوم المنهج الحق الذي تسير عليه بلادنا، فلابد من المحافظة على هذا الدين لأنه أساس البقاء للأمم، وبدونه يصيبها الهلاك والدمار، فعليكم يا عباد الله أن تتعظوا بما يدور من حولكم، وأن تحفظوا نعمة الله عليكم، وأن تشكروها، وأن تتواصوا فيما بينكم بالحق، وتتناهوا عن المنكر حتى لا يصيبنا ما أصاب غيرنا، قال تعالى { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}(النحل:112).
ها هي المملكة العربية السعودية تقف بفضل الله تعالى مع جميع بلدان العالم الإسلامي والعربي من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه بقدر استطاعتها، وهي تقوم بتلك المواقف تبعاً لأمر الله تعالى الذي أوصى المسلمين بالترابط والتواد والتواصل.
ولا أدل على ذلك من تلك الانجازات العظيمة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ ومنها تلك التوسعة الفريدة للحرم المكي من جهة الشمال، والتي تكفي لما يزيد عن المليون ومائتي ألف مصلي، وستبقى شاهدة عبر التاريخ، وسوف يلمس أثرها كل حاج ومعتمر، وهذا من تمام حرصه على ما ينفع البلاد والعباد، فنسأل الله تعالى أن يجازيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأن يمد في عمره على طاعته، وأن يمن عليه بالبطانة الصالحة التي تعينه على الخير وتذكره به.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ](يونس: 57، 58).
الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر..الله أكبر،الله أكبر..الله أكبر،الله أكبر..الله أكبر
الله أكبر، الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين، أكرمنا بعيد الفطر فرحة لنا بختام شهر الصيام والقيام، والصلاة والسلام على حبيبنا وأسوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن العيد فرحة ومنحة فاستغلوا ما أنعم الله به عليكم فيما يرضيه، وابتعدوا عما يسخطه ويغضبه، ولا تكونوا ممن قال الله فيهم {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً..} (النحل:92).
أيها المسلمون: علينا أن ندخل الفرح والسرور على أهلينا وأولادنا وذلك بالتوسعة عليهم في هذا اليوم المبارك بما أباحه الله لنا من الطيبات من الرزق واللباس والألعاب وغير ذلك، وأن نعينهم على محبة الخير وبذله، وأن ننهاهم عن كل ما يوصل إلى الشر وأهله.
وعلينا أن نكون قدوة لهم في ذلك، فيرون منا كيف نتعامل مع اليتيم، ومع الأرملة والمسكين والفقير وكيف نسبغ عليهم العطف والحنان، وكيف نساعدهم، ونقف معهم، ونمدهم بما يحتاجونه من ضروريات وغيرها ليشعروا بالسعادة التي نشعر بها في عيدنا.
وعلينا أيضاً أن نُظهِر الفرح والبشر والسرور لمن لقينا من إخواننا المسلمين في هذا اليوم المبارك وخاصة العمال الذين تركوا أوطانهم من أجل طلب الرزق، فلا أقل من أن نشعرهم بمودتنا وعطفنا، وأن نهنئهم بالعيد، لما روي عن حبيب بن عمر الأنصاري قال: حدثني أبي قال: لقيت واثلة يوم عيد فقلت: تقبّل اللّه منا ومنك، فقال: تقبل اللّه منا ومنك(رواه البيهقي).
واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أن إدخال السرور على المسلمين من أفضل الأعمال وخاصة من تعلمون حاجتهم إلى المواساة، قال صلى الله عليه وسلم (..أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا..)(رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، واعلموا أن ما أنفقتموه في سبيل الله يكون لكم ذخراً لكم عند الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون.
واعلموا ـ بارك الله فيكم وتقبل الله منا ومنكم ـ أن من علامات قبول طاعتكم لربكم الاستمرار على الطاعة بعدها، وأن مواسم الخير مستمرة ما دامت الدنيا باقية، فبعد رمضان، صيام الست من شوال، وبعد ذلك تدخل أشهر الحج العظيمة.
فاحرصوا بارك الله فيكم على اتباع الطاعة بالطاعة، واحذروا من الدنيا وزخرفها، فهي تشغل عن الدار الآخرة، فمن أراد الجنة بادر وسارع في طاعة الله تعالى، ومن غرس عملاً صالحاً وجد ثمرته يوم الجزاء الأكبر.
ومن فرط وضيع وغفل تحسر يوم لا تنفع الحسرة والندامة، والمؤمن الكيس هو الذي يجاهد نفسه في مرضات الله تعالى والبعد عن معاصيه، وأما العاجز المتواني فهو الذي يبيع آخرته بثمن بخس، قال تعالى { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(النساء: 71).
أيها المسلمون: من كان عليه قضاء أيام أفطرها من رمضان فليبادر بصيامها قبل صيام الست من شوال، لأن قضاء الواجب في ذمته، والمسلم لا يدري ما يطرأ له من العوارض، ولكن إذا أخر القضاء إلى أيام أخرى فلا حرج عليه لفعل عائشة رضي الله عنها ذلك.
وعليكم بصيام الست من شوال التي تلي شهر رمضان، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)(رواه مسلم)، فاحرصوا على صيامها متوالية عقب يوم الفطر، ولا حرج إن فرقها المسلم أو أخرها إلى أواخره، والأولى التعجيل بها قبل حصول العوارض.
أيها المسلمون: ومن الأخطاء الشائعة عند بعض الناس أنهم يخصصون يوم العيد لزيارة المقابر وهذا ليس عليه دليل، بل زيارة المقابر مشروعة في كل وقت وخاصة بالرجال دون النساء، والذي ينبغي الحرص عليه زيارة المرضى والمقعدين والمنومين في المشافي ـ شفى الله مرضانا ومرضى المسلمين ـ.
أيها المسلمون: ومن المصائب التي حلت بديار المسلمين تلك المجاعة التي نزلت بإخواننا في الصومال، فهم يعانون أشد المعاناة من الجفاف وقلة الزاد، فأين أخوة الإسلام، وأين القلوب الرقيقة التي تحب الإحسان، أين المنفقون؟ وأين الباذلون؟
فيجب علينا أن نقف معهم في شدتهم، وأن نبذل قصارى جهدنا في تفريج كرباتهم، فبادروا بالإحسان إلى إخوانكم وخاصة في تلك الأيام لندخل عليهم السرور والفرح، وتذكروا قول الله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: 71)، وتذكروا أيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)(رواه مسلم). وقد تيسرت ـ بفضل الله ـ سبل وصول المساعدات إليهم وفق مبادرة خادم الحرمين الشريفين ـ حفظ الله ـ ومن يدري لعل الله دفع عن هذه البلاد شروراً كثيرة بسبب بذلهم وإنفاقهم.
أسأل الله الكريم الحليم رب العرش العظيم أن يتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا وأن يتجاوز عن تقصيرنا وزللنا، وأن يوفقنا دائما لما فيه رضاه عنا، وأن يجعلنا ممن ختم له في هذا الشهر بالرحمة والرضوان والعتق من النيران.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صيامهم وقيامهم واستجب دعاءهم يا كريم.
اللهم اجعلنا ممن ختمت له الشهر بغفرانك والعتق من نيرانك، اللهم أعده علينا سنوات عديدة ونحن في صحة وعافية وستر يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم ارحم موتاهم، وتقبل
شهدائهم، واستر عوراتهم، وآمن روعاتهم، واكسوا عاريهم، وأطعم جائعهم، وعافي مبتلاهم، واشف مرضاهم.
اللهم أنزل عليهم نصرك القريب يا رحمن الدنيا والآخرة.
اللهم انتقم من الطغاة الجبابرة، والمتكبرين القياصرة الذي حاربوا دينك، وآذوا عبادك المسلمين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا متين.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شر أشرارهم.
اللهم اصرف عنا الغلا والوبا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وولاة أمرنا وعلمائنا، وسائر المسلمين.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}..
وعيدكم مبارك وتقبل الله منا ومنكم، وأعاده الله علينا وعليكم من بركات العيد، وأعاده الله على أمة الإسلام بالعز والنصر والتمكين، وصلى الله على نبينا محمد.
1/ 10/ 1432هـ