خطبة بعنوان: (فضل عشر ذي الحجة وحول وفاة الأمير سلطان) بتاريخ 1-12-1432هـ.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي أعظم وصية لمن عقلها وعاش ومات عليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102).
عباد الله: من فضل الله تعالى على عباده أن فضل بعض الأزمان والأماكن لتكون عوناً للمسلم على الجد والاجتهاد، والإكثار من العمل الصالح ليعظم أجره ويحظى بنصيب وافر من الثواب، فيتأهب للموت قبل قدومه ويتزود ليوم المعاد { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً …}(آل عمران:30).
فالسعيد من اغتنم مواسم الخير وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار، وينال بها نعيم الجنات.
أيها المؤمنون: لقد دخلت علينا أيام فاضلات، وهي عشر ذي الحجة التي
فضلها الله تعالى على غيرها من الأيام، وقد أقسم الله تعالى بها لعظم شأنها: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}(الفجر:1، 2). وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :(ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه، قالوا ولا الجهاد؟ قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء..)(رواه البخاري).
وشهد صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا بقوله: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفّر وجهه بالتراب)(رواه البزار،وابن حبان،وصححه الألباني).
وفيها يوم عرفة، ويوم النحر.
ولقد كان السلف رضوان الله عليهم جميعاً يجتهدون فيها بالعمل الصالح، لأنها تشتمل على أمهات العبادات من صلاة، وصيام، ودعاء، وبر، وصلة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وذكر، وتكبير.
عباد الله: علينا أن نستقبل تلك العشر بالفرح والسرور، والتوبة الصادقة، والعزم الجاد على اغتنامها، والبعد عن المعاصي والذنوب.
ومن الأعمال التي ينبغي أن نحرص عليها في هذه العشر المباركات:
أولاً: أداء مناسك الحج والعمرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)(متفق عليه)، ولكن لابد أن يكون ذلك بطريق نظامي فيأخذ تصريحاً لئلا يعرض نفسه وغيره للخطر.
ثانياً: الصيام: وهو داخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها لأن الله جل وعلا قد أضافه لنفسه لعظم شأنه وعلو قدره؛ (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)(متفق عليه). وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام العشر بمزيد عناية، وبين فضل صيامه، فقال صلى الله عليه وسلم (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)(رواه مسلم).وعلى ذلك فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة كلها؛ وإن صام بعضها فلا حرج.
ثالثاً: الصلاة: وذلك بالمحافظة عليها مع الجماعة، والإكثار من النوافل.
رابعاً: التكبير والتحميد والتهليل والذكر: لقوله صلى الله عليه وسلم (..فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)(رواه أحمد). ولقد كان ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.ويسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر. ويستحب لكل مسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي حيث لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبر كل واحد بمفرده. والتكبير ينقسم إلى قسمين: مطلق، ومقيد.
فأما المطلق: فيكون في ليلتي العيدين، وفي عشر ذي الحجة من وقت ثبوت دخول شهر ذي الحجة إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر.
والمقيد: يكون بعد كل فريضة، من فجر يوم عرفة ـ لغير الحاج ـ إلى عصر الثالث عشر من ذي الحجة. وللحاج من ظهر يوم النحر إلى عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لأن الحاج قبل ذلك مشغول بالتلبية. وصفته: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، وإن كبر ثلاثاً فلا بأس.
خامساً: الأضحية: وهي ما يذبح من بهيمة الأنعام تقرباً إلى الله تعالى من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق. لقوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، و(كان صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أقرنين أملحين)، وقد أوجبها بعض أهل العلم، والصحيح أنها سنة. وتجزيء الواحدة عن الرجل وأهل بيته.
وهي مشروعة في حق الأحياء لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وما يفعله بعض الناس من تقديم الأموات على الأحياء فهذا خطأ. وله أن يشرك في الثواب من شاء من الأموات في أضحيته أو أضحية مستقلة.
ومن شروطها: أن تكون من بهيمة الأنعام وأن تبلغ السن المطلوبة (ثني من المعز له سنة، جذع من الضأن له ستة أشهر، ثني من البقر له سنتان، ثني من الإبل له خمس سنوات)، وأن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء: (كالعور البين والعمى ـ والمرض البين ـ والعرج البين ـ والهزال المزيل للمخ)، وأن تكون ملكاً للمضحي ـ وألا يتعلق بها حق للغير كالمرهون والموروث قبل قسمته ـ وأن تذبح في الوقت من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس الثالث عشر.
وأفضل الأضاحي جنساً: الإبل، ثم البقر، إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سُبْع البُدنة، ثم سُبْع البقرة،والأفضل منها صفة ما توافرت فيه صفات التمام والكمال في بهيمة الأنعام، وهي معروفة لأهل الخبرة في هذا المجال، ومنها:(السمن ـ كثرة اللحم ـ كمال الخلقة ـ جمال المنظر ـ غلاء الثمن).
والمكروه من الأضاحي:(مقطوع الأذن والذنب، أو مشقوق الأذن طولاً أو عرضاً ـ مقطوع الإلية والضّرع، أو مقطوعة بعضهما، كحلمة الضرع _مثلاً_ ـ المجنونة: وهي التي تستدبر المرعى ـ فاقدة الأسنان ـ الجماء ومكسورة القرن).
وينبغي على المضحي: أن يأكل منها ويتصدق ويهدي.
وهنا أمور يحسن التنبيه عليها:
1_ إذا لم يثبت دخول الشهر ليلة الثلاثين فللمضحي أن يأخذ من شعره وأظفاره، لكن من أراد الاحتياط فله ذلك.
2_ من لم ينو الأضحية فأخذ من شعره وظفره، ثم بدا له بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر أن يضحي فعليه أن يمسك من حين ما نوى.
3_ لا يجوز للمضحي أن يأخذ من شعره وظفره وهو آثم، لكن لو أخذ من شعره وظفره فلا فدية عليه، ولكن عليه التوبة والاستغفار.
4_ لا أثر للتوكيل في المنع من أخذ الشعر والظفر والبشرة، فالذي يمنع من أخذها هو من أراد أن يضحي. أما الوكيل والوصي فلا يمتنعان.
5_ من أراد أن يُضحي وعقد العزم على الحج أو العمرة فلا يأخذ من شعره
وظفره عند الإحرام. أما الحلق أو التقصير للحج والعمرة فيجب ولو كان الحاج أو المعتمر سيضحي، لأن هذا التقصير أو الحلق نسك، فلا يشمله النهي عن أخذ الشعر والظفر.
6_ لا حرج أن تذبح المرأة الأضحية، وما يظنّه بعض العامة من عدم جواز ذبح المرأة فلا أصل له في الشرع.
* بعض الناس يكون عنده وصايا ويوفرها ويضحي من عنده، وهذا خطأ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:[وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ](الحج). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل في كتابه {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بالعروة الوثقى تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
عباد الله: لقد نزل خبر وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز على قلوب المواطنين والمقيمين وسائر المسلمين بالحزن والأسى لما له من مكانة ومحبة في قلوبهم، ولكن الذي يخفف ألمنا ومصابنا أن هذا أمر الله وقدره الذي لا معقب لحكمه، وأنه رحمه الله قدم كثيراً من الأعمال الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين.
وهو من الشخصيات البارزة في قيام هذه البلاد عزيزة شامخة على منهج الكتاب والسنة. وله من الأعمال الجليلة والمنجزات الكبيرة والمشاريع الخيرية والإنسانية الشيء الكثير، وقد جعله الله مفتاحاً لكثير من أبواب الخير والإحسان على أبناء هذا الوطن بخاصة وعلى أبناء الأمة الإسلامية بعامة.
ومنحه الله مزايا وصفات قلَّ أن تجدها في غيره بل هو قدوة لغيره فيها.
لقد كانت حياته سجلاً حافلاً بالكرم والخير والعطاء والسخاء، كان قلباً مفتوحاً مليئاً بالرحمة والإحسان نسأل الله أن يجعل ذلك رفعة في درجته عند الله وأن يسبل عليه سحائب الرحمة والرضوان وأن يجعله في نعيم الجنان، وأن يجمعنا وإياه ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة.
وقد أثلج صدورنا ما صدر ليلة البارحة من تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد لما له من مكانة في قلوبنا، فهو رجل الأمن الول، والحارس للأعراض، والذّاب عن أجهزة الحسبة، فله في كل باب خير يد مشهودة. فنسأل الله أن يعينه ويسدده، ويحقق على يديه الخير لهذه البلاد وشعبها، وأن يجعله عضداً قوياً لأخيه خادم الحرمين الشريفين، وأن يكون خير خلف لخير سلف.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:56). اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وخليلك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعبث العابثين، واصرف عنا وعن
المسلمين جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام. اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات. اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صالح أعمالهم، واستجب دعاءهم يا كريم. اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان.
اللهم أنج المستضعفين والمظلومين يا جبار السموات والأراضين.
اللهم يسر على الحجيج حجهم، وتقبل اللهم منا ومنهم.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد.
عباد الله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90). فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
في:1-12-1432هـ