خطبة بعنوان: (ما بعد رمضان وأحكام القضاء) بتاريخ 6- 10- 1433هـ
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي فضل مواسم الطاعة على غيرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل حياة المسلم كلها عبادة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أنزل عليه خالقه {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102).
عباد الله: لقد مرت علينا أيام فاضلة شريفة عاش فيها المسلمون لحظات سعيدة، تقلبوا فيها بين أنواع الطاعات والعبادات تقرباً لخالقهم سبحانه، تقلبوا بين الصيام والصلاة والصدقة والتلاوة لكتاب الله والبر والمرحمة.
عاشوا هذه الأيام وهم يتمنون ألا تنقضي لما يتمتعون به من الأنس والصفاء والسعادة الحقّة، لكنها الحياة تتقلب والزمن يتغير، ولا يدوم على حال، والمسلم التقي الصادق يستغل أيامه بالعمل الصالح مهما تنوعت المواسم واختلفت الأيام، فله في الرخاء عبادة وله في الشدة عبادة، وله في مواسم الخير عبادات، وله في كل حال عبادة، بل حياته كلها عبادة، وصدق الله العظيم {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام: 162).
والمؤمنون الأتقياء الصادقون هم الذين لا يزيدهم تقلب الأيام إلا تمسكاً وطاعة، ولا تزيدهم الليالي في ترددها إلا ثباتاً وصدقاً مع خالقهم وأنفسهم والناس أجمعين.
أولئك أيها المؤمنون هم الذين يواصلون الأعمال الصالحة، ويتمسكون بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة التي تجلب المودة والمحبة، وينالون بسببها الأجر والثواب، فتراحموا فيما بينكم، وأشيعوا المحبة والصفاء، وكونوا في شوال وغيره كما كنتم في رمضان، واحذروا من التقصير والتفريط، وتنافسوا في مجالات الخير كلها.
واعلموا أن مما يتأكد التنبيه عليه في مثل هذه الأيام ما يتعلق بصيام القضاء وصيام الست من شوال، ومن ذلك ما يأتي:
1ـ المبادرة في قضاء رمضان لأن المسلم لا يدري ما يعرض له، فمن أفطر بعذر شرعي كسفر أو مرض أو حيض أو نفاس للمرأة فعليه بالمبادرة براءة لذمته ولا سيما النساء، فالعوارض عندهن كثيرة.
2ـ الأولى تقديم قضاء رمضان على صيام النفل مطلقاً وبالأخص صيام الست من شوال حيث أن بعض من يرغبون صيامها يقدمونها على ما عليهم من القضاء لاسيما النساء اللاتي تطول مدة العادة عندهن، أو يكنَّ نُفَّس في رمضان فتحتاج إلى صيام القضاء مدة تزيد على شوال أو أكثره، وهؤلاء نقول لهن الأولى صيام القضاء ولو ترتب عليه عدم صيام ست من شوال، لكن لو قدّم المسلم والمسلمة صيام الست فنرجو ألا يكون فيه بأس حيث ثبت أن عائشة رضوان الله عليها كانت تؤخر القضاء إلى شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3ـ يتساهل بعض الناس في الفطر في القضاء وهذا أمر خطير، فصيام القضاء يحكي الأداء إلا أنه لا كفارة فيه لو حصل فيه جماع، فيحرم الفطر في صيام القضاء إلا من عذر يبيح الفطر في رمضان كالسفر والمرض والحيض والنفاس وما يحصل من بعض الإخوة والأخوات إذا حصلت مناسبة أو اجتماع في استراحة قالوا نفطر ونقضي مكانه يوماً، فهذا لا يجوز وعلى من وقع منه ذلك المبادرة إلى التوبة والاستغفار، وقضاء ما أفطر من أيام وعدم تكرار ذلك.
4ـ صيام القضاء لا يلزم فيه التتابع، بل لو صام أياماً متفرقة أو صام الاثنين والخميس أو أيام البيض بنية القضاء كفاه ذلك.
5ـ صيام القضاء يلزم له تبييت النية من الليل لأنه مثل صيام رمضان، وهو يختلف عن صيام النفل، والقاعدة عند أهل العلم أن كل صيام واجب فلابد من تبييت النية له قبل طلوع الفجر كصيام رمضان والقضاء والنذر والكفارة وغيرها.
6ـ ليس للمرأة صيام القضاء إذا منعها زوجها من ذلك، لكن إن صامت برضاه فلا يحل له أن يطلب منها الفطر، وإن حصل ذلك فلا تطيعه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وليس له أن يمنعها من صيام القضاء إذا لم يبق قبل رمضان إلا بعدد ما عليها من القضاء كأن يكون عليها سبعة أيام فإذا بقي أسبوع من شعبان وهي لم تصم فلا يحق لزوجها هنا أن يمنعها من الصيام وإن منعها فلا تطيعه.
وصدق الله العظيم { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (النساء:34).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واحرصوا على معرفة الأحكام الشرعية لتتقربوا إلى ربكم على هدي رسولكم صلى الله عليه وسلم.
واعلموا أن من أحكام القضاء وصيام ست من شوال ما يأتي:
7ـ لا يجوز جمع نية القضاء ونية ست من شوال لأن صيام القضاء يحتاج إلى نية مستقلة.
8ـ صيام ست من شوال لا يحتاج إلى نية من الليل في أصح قولي العلماء، وهكذا كل صيام نفل سواء كان معيناً أو مطلقاً، فإذا أصبح المسلم ولم يأكل ولم يشرب فله أن ينوي الصيام في أي وقت من النهار.
9ـ يجوز إفراد الجمعة إذا كان من صيام القضاء، وهكذا إذا كان من صيام ست من شوال، أو كان صيام عرفة، أو عاشوراء لأن النهي عن إفراده بالصوم طلباً لفضيلة هذا اليوم، أما إذا كان لسبب آخر فلا حرج إن شاء الله تعالى.
10ـ لا حرج على الزوج وزوجته أن يفطرا إذا كان صيامهم نفلاً، وطلب أحدهما من الآخر ذلك، أو حصلت مناسبة ودعيا إليها، ويصومان مكان هذا اليوم.
11ـ لا ينبغي بحال الصيام في السفر إذا كان نفلاً وشق ذلك على المسلم والمسلمة لأن الفطر في السفر مشروع إذا كان الصيام واجباً، فمن باب أولى إذا كان نفلاً.
12ـ صيام الست يجوز متتابعاً ومتفرقاً، والأمر في ذلك واسع ولله الحمد والمنة.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان، وارفع عنهم الظلم عاجلاً غير آجل، وفرج عنهم ما هم فيه من الضيق والهم والغم، اللهم عليك بمن ظلمهم، اللهم أطبق عليهم قبضتك وبطشك، ورجزك وعذابك، اللهم عليك بالظالمين المعتدين على بلاد المسلمين، فإنهم قد بغوا وطغوا، وأكثروا الفساد، اللهم صبَّ عليهم سوط عذابك، اللهم خالف بين رأيهم وكلمتهم، اللهم شتت شملهم، وفرق صفهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعجل بوعدك ونصرك المبين، فإننا على ثقة ويقين، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفقهم لكل خير، ويسره لهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، اللهم أصلح شبابنَا وبناتِنا، وأزواجَنا وذرياتِنا. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة).
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 6- 10- 1433هـ