140 – بحوث ومقالات في معاملة ولاة الأمر
140- بحوث ومقالات في معاملة ولاة الأمر – pdf
بحوث ومقالات
في معاملة ولاة الأمر
تأليف
أ.د/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
مفوض الإفتاء في منطقة القصيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فقد أجمع علماء أهل السنة والجماعة قاطبة على لزوم جماعة المسلمين ووجوب طاعة ولي الأمر والتحذير من مخالفته والخروج عليه، وألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وجعلوها من جملة مؤلفاتهم في باب العقائد.
ومنذ فترة بعيدة وأنا أكتب في هذه القضية – نظراً لما يترتب عليها من الفساد العريض على البلاد والعباد – لا سيما عند بوادر الفتن والأفكار المنحرفة وظهور نبتة التكفير، فاجتمع عندي مجموعة من المؤلفات بين بحث في مؤتمر أو لقاء أو مقال في صحيفة أو خطبة حول قضايا الإرهاب ومنهج أهل السنة في معاملة ولاة الأمور، فاقترح عليَّ بعض الإخوة أن تُجمع هذه الأبحاث والمقالات والخطب في كتاب واحد ليسهل اقتناؤها نظراً لكثرة الحاجة إليها. فاستحسنت الفكرة وجمعت ما كتبته حول هذا الموضوع، وأعددته للطباعة بعد مراجعة موضوعاته وتعديل ما رأيت تعديله.
وقد تم ترتيبه بأن جعلت الرسائل والأبحاث التي ألفت حول منهج أهل السنة في معاملة ولاة الأمور.
ثم اللقاءات والمقالات حول منهج أهل السنة والجماعة في معاملة ولاة الأمور.
وأخيراً:
أسأل الله سبحانه وتعالى أَن ينفع بهذا الكتاب؛ كما أسأله تعالى أن تكون أعمالي كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن تكون ذخرا لي عنده يوم ألقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الزلفي في: 1 /1 /1444هـ
أولاً: الأبحاث
منهج أهل السنة والجماعة
في مناصحة ولاة أمرهم
بحث مقدم لمؤتمر “النصيحة المنطلقات والأبعاد”
كلية الدعوة ــ جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض
27-28/1/1434هـ
المقدمة.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ] [آل عمران.: 102]، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً] [النساء: 1]، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً] [الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
لقد نظمت الشريعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وجعلت أساس ذلك قيام الحاكم نحو الرعية بما هو واجب عليه، وما هو مأمور به من الحكم بشريعة الله تعالى، والتزام منهج الشورى، وإقرار العدل، وكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم وفق الضوابط الشرعية وصيانة هذه الحريات من كل اعتداء.
وألزمت الشريعة الرعية في مقابل ما قام به الحاكم من الأمور المتقدمة، بما هو واجب عليهم من التزام طاعة أولي الأمر والصبر عليهم وعدم الخروج عليهم ما لم يأتوا بالكفر البواح الظاهر المعلوم من الدين بالضرورة.
وقيام ولاة الأمور بواجباتهم تجاه رعيتهم أمر من أمور الدين يثابون عليه، وقيام الرعية بواجبها نحو ولاة أمورهم هو من قبيل الطاعة لله تعالى.
ولقد قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المناصحة وأوجبته على جميع المسلمين حكاماً ومحكومين فعن تميم الداري رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا لِمَنْ قَالَ:(لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)([1]). وقال: (إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)([2]).
وقال أيضاً: (ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ) ([3]).
ولما كان حسن المناصحة لولاة أمور المسلمين من أصول استقرار المجتمع المسلم جاء هذا البحث الذي أوضحت فيه منهج أهل السنة والجماعة في المناصحة لولاة الأمور حيث ضل في هذا الجانب العظيم فئام من الناس.
وقد سميت هذا البحث بـ (منهج أهل السنة الجماعة في مناصحة ولاة أمورهم)، ويشتمل هذا البحث على سبعة مطالب:
المطلب الأول: بيان معنى النصيحة وخصائصها وأثرها على الفرد والجماعة.
المطلب الثاني: الفرق بين النصيحة والتعيير والغيبة.
المطلب الثالث: مفهوم النصيحة لولاة الأمور وشروطها.
المطلب الرابع: المظاهرات والفوضى ليست من النصيحة لولي الأمر.
المطلب الخامس: مذهب أهل السنة والجماعة في كيفية النصح لولاة الأمور.
المطلب السادس: صور وأمثلة في حياة السلف في كيفية النصح لولاة الأمور.
المطلب السابع: مشروعية الدعاء لولاة الأمور بالصلاح والرشاد.
الخاتمة: وهي خاتمة في خلاصة ما توصلت إليه في بحثي حول هدي سلفنا الصالح في مناصحة ولاة أمورهم.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث جميع المسلمين وأن يجعله هداية لمن شذ عن طريق سلفنا الصالح المستقيم وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم إنه سبحانه وتعالى سميع قريب مجيب.
المطلب الأول: بيان معنى النصيحة.
1ـ تعريف النصيحة: “الخلوص، ونَصَحَ الشيءُ: خَلَصَ. والناصحُ: الْخَالِصُ مِنَ الْعَسَلِ وَغَيْرِهِ. وَكُلُّ شيءٍ خَلَصَ، فَقَدْ نَصَحَ”([4]) .
قال ابن الأثير رحمه الله: “النَّصِيحَةُ: كَلِمَةٌ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةٍ ، هِيَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَلَيْسَ يُمكنُ أَنْ يُعَبَّر هَذَا الْمَعْنَى بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَجْمَع مَعْنَاهُ غَيْرَهَا”([5]) انتهى.
2- تعريف النصيحة في الاصطلاح: قال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في تعريف النصيحة: “هي كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وعملاً” ([6]).
وقال محمد بن نصر رحمه الله: “قال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة هي عناية القلب للمنصوح له كائناً كان”([7]).
وقال الخطابي رحمه الله: “النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، وأصل النصح في اللغة الخلوص، يقال نصحت العسل إذا خلصته من الشمع”([8]).
المطلب الثاني: الفرق بين النصيحة والتعيير والغيبة.
أولاً: الفرق بين النصيحة والتعيير:
سبق تعريف النصيحة لكن قد يحصل خلط بينها وبين التعيير فالتعيير المراد به أن يظهر السوء ويشيعه في قالب الناصح ويريد بذلك التوصل إلى غرض فاسد فمن الناس من يلبس غايته السيئة ثوب النصيحة قال تعالى حاكياً عن إبليس: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: 21].
قال ابن رجب رحمه الله:”ومن أظهر التعيير إظهار السوء وإشاعته في قالب الناصح، وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى فهو من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه في مواضع فإن الله تعالى ذم من أظهر فعلاً أو قولاً حسناً وأراد به التوصل إلى غرض فاسد يقصده في الباطن وعدَّ ذلك من خصال النفاق كما في سورة براءة التي هتك فيها المنافقين وفضحهم بأوصافهم الخبيثة: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107] . “([9]).
ثانياً: الفرق بين النصيحة والغيبة:
لقد جاءت نصوص السنة تبين بوضوح معنى الغيبة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟) قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ:(إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) ([10]).
قال النووي رحمه الله في تعريف الغيبة: “الغيبة هي ذكر المرء بما يكره سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه أو نفسه أو خلقه، أو ماله أو ولده أو زوجته أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكر به باللفظ أو بالإشارة أو بالرمز”([11]).
قلت: ومن الغيبة ما يجيء تعريضاً يفهم منه تصريحاً. فمن ذلك:
“أن يقال لشخص كيف حال فلان، فيقول الله يصلحه، الله يغفر لنا ونسأل الله العافية، نحمد الله الذي لم يبتلينا بالدخول على الظلمة، الله يتوب علينا وغير ذلك من الأمثلة وضابط ذلك كله هو تفهيمك المخاطب تنقص إنسان”([12]).
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله:”ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى تارة في قالب ديانة وصلاح، فيقول ليس عادة أن أذكر أحداً إلا بالخير، ولا أحب الغيبة ولا الكذب، وإنما أخبركم بأحواله ويقول: والله إنه مسكين أو رجل جيد. ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول. وقصده غير ما أظهر والله المستعان”([13]).
لكن مع القول بحرمة الغيبة إلا أن الشرع أباحها في ستة أمور.
الأول: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه ممن ظلمه فيقول ظلمني فلان، أو فعل بي كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك.
الثالث: الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان فهل له ذلك، وما طريقتي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها جرح المجروحين من الرواة، والشهود، والمصنفين وذلك جائز بالإجماع، بل واجب صوناً للشريعة.
ومنها الإخبار بعيبه عند مشاورته كأن يريد رجل زواج بنت رجل فيقول دعني أشاور فيسأل عنه رجلاً آخر فيخبره بعيب فيه، لا يقصد بذلك الإفساد ولا الإيذاء.
ومن ذلك أيضاً أن تجد متفقهاً يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علمــاً، وخفي عليه ضرره، فعليك نصيحته ببيان حاله قاصداً النصيحة.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالخمر وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف فإذا كان معروفاً بلقب كالأعمى والأعرج والأزرق والقصير والأقطع ونحوها جاز تعريفه به. ويحرم به تنقصاً ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى([14]).
وبهذا يتبين لنا أن ما يقع فيه الكثير من الناس من إظهار عيوب ولاة الأمور والأمراء وغيرهم ممن لهم ولايات هو من الغيبة المحرمة لعدم دخوله في هذه الستة المذكورات. وقد نظمها أحدهم في البيت التالي:
الذم ليس بغيبة في ستةٍ |
** | متظلمٍ ومُعرِّفٍ ومحـذرِ |
ولمظهر فسقاً ومستفتٍ ومَنْ | ** |
طلب الإعانة في إزالة منكرِ |
المطلب الثالث: مفهوم النصيحة لولاة الأمور.
النصح لولاة الأمور أمرٌ مهم, وهو أهم من النصح لعامتهم, فعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) ([15]).
فكرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات اهتماماً للمقام وإرشاداً للأمة أن يعلموا حق العلم أن الدين كله ـ من ظاهره وباطنه ـ منحصر في النصيحة، وهي القيام التام بهذه الحقوق الخمسة التي تشمل القيام بحقوق الله وحقوق كتابه وحقوق رسوله صلى الله عليه وسلم وحقوق جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم وطبقاتهم، فشمل ذلك الدين كله ولم يبق منه شيء إلا دخل في هذا الكلام الجامع المحيط.
ولا ينبغي أن تكون المناصحة للأفراد علانية أمام الملأ لأنها قد تؤدي إلى مفسدة أعظم، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير وكان يقال: “من أمر أخاه على رؤوس الملأ فقد عيره”([16]).
قال الخطابي رحمه الله حول هذا الحديث: “… من النصيحة لله سبحانه صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتابه: الإيمان والعمل بما فيه. والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه.
والنصيحة لأئمة المسلمين: أن يعطيهم في الحق وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم” ([17]).
وقال محمد بن نصر المروزي رحمه الله:”… قال بعض أهل العلم جماع تفسير النصيحة هي عناية القلب للمنصوح له كائناً من كان، وهي على وجهين: أحدهما فرض، والآخر نافلة فالنصيحة المفترضة لله هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض ومجانبة ما حرم، وأما النصيحة التي هي نافلة فهي إيثار محبته على محبة نفسه، وذلك أن يعرض له أمران: أحدهما لنفسه والآخر لربه. فيبدأ بما كان لربه ويؤخر ما كان لنفسه فهذا جملة تفسير النصيحة لله الفرض منه، وكذلك تفسير النافلة..”، إلى أن قال “وأما النصيحة لكتابه: فشدة حبه وتعظيم قدره إذ هو كلام الخالق وشدة الرغبة في فهمه وشدة العناية في تدبيره والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه أو يقوم له بعد ما يفهمه…
وأما النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فبذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته وبذل المال إذا أراده والمسارعة إلى محبته، وأما بعد وفاته فالعناية بطلب سنته والبحث عن أخلاقه وآدابه وتعظيم أمره ولزوم القيام به…
وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل. والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل، وأما النصيحة للمسلمين فأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم ويحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم وإن ضره ذلك في دنياه…”([18]).
وقال أبو عمر بن الصلاح رحمه الله: “… فالنصيحة لله تعالى: توحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال وتنزيهه عما يضادها ويخالفها، وتجنب معاصيه، والقيام بطاعته ومحابه بوصف الإخلاص والحب فيه والبغض فيه… والنصيحة لكتابه: الإيمان به وتعظيمه وتنزيهه وتلاوته حق تلاوته، والوقوف مع أوامره ونواهيه وتفهم علومه وأمثاله وتدبر آياته والدعاء إليه، وذب تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه. والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم قريب من ذلك: الإيمان به وبما جاء به وتوقيره وتبجيله والتمسك بطاعته وإحياء سنته واستنشار علومه ونشرها، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه ووالاها، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة آله وأصحابه ونحو ذلك والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك.
والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وما شابه ذلك”([19]).
وقال ابن رجب رحمه الله: “… وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين النصيحة فهذا يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل عليه السلام، وسمي ذلك كله ديناً، فإن النصح لله يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها وهو مقام الإحسان فلا يكمل النصح لله بدون ذلك…”([20]).
وقال ابن سعدي رحمه الله: “… أما النصيحة لله فهي القيام بحقه وعبوديته التامة، وعبوديته تعم ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان كلها وأعمال القلوب والجوارح وأقوال اللسان من الفروض والنوافل فعل المقدور منها، ونية القيام بما يعجز عنه….
وأما النصيحة لكتاب الله: فهي الإقبال بالكلية على تلاوته وتدبره وتعلم معانيه وتعليمها، والتخلق بأخلاقه وآدابه والعمل بأحكامه واجتناب نواهيه، والدعوة إلى ذلك، وأما النصيحة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو: الإيمان الكامل به وتعظيمه وتوقيره وتقديم محبته وأتباعه على الخلق كلهم، وتحقيق ذلك وتصديقه باتباعه ظاهراً. وباطناً في العقائد والأخلاق والأعمال. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران.: 31]. والحرص على تعلم سنته وتعليمها واستخراج معانيها وفوائدها الجليلة وهي شقيقة الكتاب.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاتهم: فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم، أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف وعدم الخروج عليهم وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم كل أحد بحسب حاله والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شراً وضرراً وفساداً كبيراً فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك، وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وبعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود فإن هذا مطلوب في حق كل أحد وبالأخص ولاة الأمور…”([21]).
وقال شيخنا الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: “… أما النصيحة لله فهي الإخلاص له وصدق القصد في طلب مرضاته بأن يكون الإنسان عبداً لله حقيقة راضياً بقضائه، قانعاً بعطائه، ممتثلاً لأوامره مجتنباً لنواهيه مخلصاً له في ذلك كله، لا يقصد به رياءً ولا سمعةً.
وأما النصيحة لكتاب الله فهي: تلاوته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره والذب عنه، وحمايته من تحريف المبطلين، وزيغ الملحدين، واعتقاد أنه كلام رب العالمين تكلم به وألقاه على جبريل فنزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فهو صدق الولاء لهم وإرشادهم لما فيه خير الأمة في دينها ودنياها، ومساعدتهم في إقامة ذلك، والسمع والطاعة لأوامرهم، مالم يأمروا بمعصية الله واعتقاد أنهم أئمة متبعون لما أمروا به لأن ضد ذلك هو الغش والعناد لأوامرهم والتفرق والفوضى التي لا نهاية لها ولأنه لو جاز لكل واحد أن يركب رأسه وأن يعتز برأيه ويعتقد أنه هو المسدد للصواب وهو الذي لا يدانيه أحد لزم من ذلك الفوضى والتفرق والتشتيت وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي:
أن تحب لهم ما تحب لنفسك وأن تفتح لهم أبواب الخير، وتحثهم عليها، وتغلق دونهم أبواب الشر وتحذرهم منها، وأن تبادل المؤمنين المودة والإخاء، وأن تنشر محاسنهم وتستر مساوئهم وتنصر مظلومهم بدفع الظلم عنه فمتى قام المجتمع على هذه الأسس النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم عاش عيشة راضية حميدة ومات ميتة حق سعيدة…”([22]).
هذه النقول الموثقة من العلماء الأعلام تبين أهمية النصيحة وكيفيتها واختلافها من شخص لآخر حسب الظروف والملابسات والأحوال والأشخاص، فما يناسب الأمير والعالم غير ما يناسب عامة الناس، وما يناسب القريب والصديق يختلف عما يناسب غيرهما، وما يناسب الصغير خلاف ما يناسب الكبير، وما يناسب من تكرر منه الأذى والمنكر يختلف تماماً عن الشخص الذي يحدث منه لأول مرة. وهكذا.
ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً وأكثره نفعاً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما يحدث منهم ولا ينبغي أن يكون ذلك من على المنابر وفي مجامع الناس لما في ذلك من إثارة للعامة وإشعال للفتنة، وهذا مسلك خاطئ ومخالف لما كان عليه العلماء العاملون مع ولاة الأمر في كل زمان ومكان يحكم فيه بالإسلام وسبيل المؤمنين في ذلك جمع قلوب الناس على ولاة الأمر والدعاء لهم بالخير والصلاح، وهذا منهج أهل السنة والجماعة.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: “… ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليهم أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير، وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى، وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن فلاناً يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم…”([23]).
ويقول في موضوع آخر: “… فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا بحدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور بالكلام الطيب والحكمة والأسلوب الحسن، حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن لا بالدفع والشدة ويناصحوا من ولاهم الله الأمر بشتى الطرق الطيبة السليمة مع الدعاء للحاكم في ظهر الغيب أن الله يهديه ويوفقه ويعينه على الخير…”([24]).
أما التشويش وإثارة البلبلة على المنابر والتشهير بالناس وتحجيم الأمور والمبالغة فيها وتهويلها والنقد العلني فليس ذلك من منهج أهل السنة لأن هذا المسلك يوغر الصدور ويثير العامة ويجعلهم يتحدثون في أمور لا علاقة لهم بها وكم جنت هذه الطريقة العقيمة على الناس لأنهم يخرجون من المسجد دون فائدة اللهم إلا إثارة العواطف التي لا فائدة من ورائها وإنما تضر البلاد والعباد.
وإن بلادنا ـ بلاد الحرمين الشريفين ـ مرت بتجارب من هذا القبيل حيث كثر في فترة ماضية من يشوشون ويثيرون العوام والشباب دون وعي بالمخاطر التي يؤدى إليها ذلك الأسلوب فحصل من المشاكل والعقبات ما الله به عليم ولا أدل على ذلك من جنوح بعض الشباب وتجنيهم على العلماء الصادقين وترديدهم كلام الأعداء الحاقدين الذين يريدون ببلادنا شراً.
إن أسلوب المناصحة الشرعي يؤدي ثمرته عاجلاً وعلى العكس الأسلوب الأهوج الأعوج ببذر بذرة الشر التي تتنامى حتى تكبر فتفسد على المجتمع أمنه وطمأنينته ومن أمثلة ذلك ما يصدر من النشرات التي تروج الكذب وتتهم الأبرياء ولم يسلم من شرها وزيفها حتى العلماء العاملين وولاة الأمور المخلصين فحري بك أخي القارئ أن تنتهج الأسلوب الأمثل وأن تكون عامل بناء وإصلاح وألا تنساق خلف الناعقين والداعين لهدم المجتمع بأساليب ما كرة خبيثة.
المطلب الرابع: المظاهرات والفوضى ليست من النصيحة لولي الأمر.
الأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان.
ويلحق بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شراً عظيماً على البلاد والعباد والدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم.
ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالنصيحة لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه، وفي خطبته، وفي مكاتباته، وفي جميع تصرفاته حول الدعوة، يحرص على الرفق مع كل أحد إلا من ظلم.
وليس هناك طريق أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة، وهم الأئمة، وقد صبروا، صبر نوح عليه السلام على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وصبر هود، وصبر صالح، وصبر شعيب، وصبر إبراهيم، وصبر لوط، وهكذا غيرهم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم. ([25]).
وهنا لابد من توضيح أمرين مهمين وهما:
الأول: التفريق بين الإصلاح وبين تكوين معارضة أو إثارة فتنة:
وهذه مسألة مهمة لا يميزها كثير من الناس أو كثير من الشباب خاصة: وهي أنه يجب التفريق بين الإصلاح وبين تكوين معارضة أو إثارة فتنة فتكوين معارضة شيء وإصلاح الأحوال شيء آخر، فمثلاً حينما يوجد في بلد من البلدان بلاد فساد أو يوجد خلل أو يوجد انحراف في أي مجال من المجالات فتغيير هذه الأمور وإصلاحها لا يكون بتأليب الناس وتهييجهم وتكوين معارضة في الداخل أو الخارج فإن هذا يثير فتنة، ويؤلب فريقاً من الناس في هذا المجتمع على ولاة أمورهم، فتأليب الناس، وتكوين معارضة، هذا عمل لا يجني إلاَّ ثمار الشر ، فالإصلاح شيء وتكوين معارضة شيء آخر، لا علاقة لهذا بهذا أبداً، ولا يمكن وباستقراء التاريخ ما عرف أن هذه الأمور من التأليب والفتن والخروج كونت إصلاحاً.
الثاني: التفريق في النصيحة بين حال الأمن وحال الخوف والحرب:
وهذا أيضاً أمر مهم في النصيحة لولاة أمور المسلمين أنه لابد من التفريق بين
حالين: بين حال الأمن والرخاء والاستتباب، وبين حال الخوف والحرب والفتن التي تقع في البلاد، ففي حال الحرب ليس من الحكمة أن نأتي إلى الولاة ونقول لهم: أصلحوا كذا، بدلوا كذا بكذا .. عدلوا كذا، غيروا كذا، فليس هذا وقته، وليس هذا من الحكمة أبداً، بل الذي ينبغي في مثل هذه الحال أن ينتظر حتى تنتهي الحرب، فإذا استقرت الأوضاع تتم المناصحة، أما في هذه اللحظة الخطيرة أعنى لحظة التقاء الصفين، والطائرات تقصف والصواريخ ترمي.
فهذا ليس من الحكمة وليس من الدين بأي حال من الأحوال، إنما يجب أن يتحين لهذه النصيحة وقت الرخاء ووقت الطمأنينة، أما في حالة الخوف والحرب والخطر والفتن فلا يكون ذلك فلكل مقام مقال فليس من الحكمة أن يغيب عن ذهن المغير أو الناصح أن يقدر للزمن وللظرف والمناسبة قدرها ومكانها.
المطلب الخامس: مذهب أهل السنة والجماعة في كيفية المناصحة لولاة الأمور.
وهذا هو أصل عنوان هذه الرسالة وهو مذهب أهل السنة والجماعة في كيفية النصح لولاة الأمور وذلك من خلال نصوص صحيحة صريحة نبه عليها أهل السنة حول مذهب أهل السنة والجماعة في كيفية النصح لولاة الأمور ، وإن تاريخ العلماء والحكام من سلف الأمة مملوء بالدروس النافعة الرائعة، والأمة أحوج ما تكون اليوم إلى الاتعاظ بهذه المواقف والاهتداء بهديها، لئلا تتجاذبها رياح الفتن وتغتالها غوائل الدهر، وتقع في المحذور الذي وقعت فيه فئات من الناس جهلت التاريخ المضيء لأمة الإسلام، وما كان عليه علماء الأمة من معاملة صادقة للحكام وحرص على الخير، وما كان عليه الحكام من تقدير للعلماء ورفع لمكانتهم.
وهذه حال أمة الإسلام، وهذا هو هدي سلفنا الصالح، وها هي بلاد الحرمين تنتهج هذا النهج ـ ولله الحمد والمنة ـ يتولى أمرها حكام مسلمون آمنوا بالله واليوم الآخر وحافظوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووقفوا عند حدودهما، والتزموا بأحكامهما، وحضروا المساجد مع الرعية، وفتحوا لهم الأبواب يكرمون الزائر ويحترمون العالم ويجلونه.
ويسمعون النصح والإرشاد بكل أدب واحترام وهذا ما جعل هذه البلاد تحذو حذو سلف الأمة في العلاقة بين الحكام والمحكومين عامة، وبين الحكام والعلماء خاصة، ولذا لا يوجد في عرف بلاد الحرمين ـ وهو عرف نابع من الإسلام ـ رجال دين ولا رجال دنيا، فكل مسلم هو رجل من رجال الإسلام، ومن يعتقد بالإسلام يسمى مسلماً، والمسلمون جميعاً أمام دين الإسلام سواء، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات : 13].
نعم إن محبة ولاة الأمر والنصح لهم دليل على الصدق والإخلاص، وهذا ديدن العلماء الصادقين في كل زمان مع ولاتهم الذين يحكمون بالكتاب والسنة، ونحن في بلاد الحرمين الشريفين نعيش في ظل الأمن وتحكيم الشرع المطهر فحق لولاتنا علينا السمع والطاعة والتعاون معهم في كل سبيل فيه الخير والمصلحة لهذه البلاد ومن يعيش على ثراها.
لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين: إحداهما: الخوارج والمعتزلة، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً.
والأخرى: الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة. وكلا الطائفتين بمعزلٍ عن الصواب، وبمنأى عن صريح السنة والكتاب. ووفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث – إلى عين الهدى والحق، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة، وكان عليها سلف هذه الأمة.
ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكراتٍ، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس، لما ينجم عن ذلك – غالباً – من تأليب العامة، وإثارة الرعاع، وإشعال الفتن.
وهذا ليس دأب أهل السنة والجماعة، بل سبيلهم ومنهجهم: جمع قلوب الناس على ولاتهم، والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية، والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من استئثارٍ بالمال أو ظلمٍ للعباد، مع قيامهم بمناصحة الولاة سراً، والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعلٍ، كالتحذير من الزنى عموماً، ومن الربا عموماً، ومن الظلم عموماً، ونحو ذلك.
وإذا كانت الأمة مطالبة في كل وقت أن تكون يداً واحدة وأن تتعاون كل فئات المجتمع على الخير والبر فإنها مطالبة في هذا الوقت أكثر لعظم الأخطار المحيطة بها. ولقد ذكرنا فيما مضى في هذا البحث طرفاً من أقوال أهل العلم من سلف هذه الأمة حول منهجهم في نصحهم لولاة أمورهم، ولأهمية هذا الأمر أذكر جملة من الآثار المروية في هذه المسألة التي هي من الدين بمكان، ومن خلال هذه النقول سيتبين للقارئ منهج أهل السنة والجماعة في نصحهم لولاة أمورهم فمن ذلك ما يلي:
1ـ جلد عياض بن غنم صاحب دارا حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم، فاعتذر إليه، ثم قال هشام: ألم تسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ أشدَّ النَّاسِ عذابًا يومَ القيامةِ أشدُّ النَّاسِ عذابًا للنَّاسِ في الدُّنيا”([26]). فقال عياض بن غنم: يا هشام بن حكيم، قد سمعنا ما سمعت، ورأينا ما رأيت، أولم تسمع رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: مَن أرادَ أنْ ينصَحَ لذي سُلْطانٍ بأَمْرٍ فلا يُبْدِ له علانِيةً، ولكنْ ليأخُذْ بيَدِه؛ فيخلُوَ به، فإنْ قبِلَ منه فذاكَ، وإلَّا كانَ قد أدَّى الذي عليه). وإنك لأنت يا هشام لأنت الجريء؛ إذ تجترئ على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان، فتكون قتيل سلطان الله “([27]).
2 ـ عن زياد بن كسيب العدوي قال: كُنتُ مع أبي بَكرةَ تَحتَ مِنبَرِ ابنِ عامِرٍ وهو يَخطُبُ، وعليه ثيابٌ رِقاقٌ، فقال أبو بِلالٍ: انظُروا إلى أميرِكم يَلبَسُ ثيابَ الفُسَّاقِ. فقال أبو بَكرةَ: اسكُتْ، سمِعتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: “مَن أهانَ سُلطانَ اللهِ في الأرضِ أهانَه اللهُ”([28]). وفي رواية بدون ذكر القصة ولفظه: “مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَهَانَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة”([29]).
3 ـ عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه” ([30]).
4ـ قال ابن مفلح رحمه الله: “ولا ينكر أحد على سلطان إلا وعظاً له وتخويفاً أو تحذيراً من العاقبة في الدنيا والآخرة فإنه يجب، ويحرم بغير ذلك، ذكره القاضي وغيره والمراد: ولم يخف منه بالتخويف والتحذير وإلا سقط وكان حكم ذلك كغيره “ ([31]).
5ـ قال ابن الجوزي رحمه الله: “الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين: التعريف والوعظ، فأما تخشين القول نحو: يا ظالم! يا من لا يخاف الله! فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شررها إلى الغير لم يجز وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء. قال: والذي أراه المنع من ذلك “([32])
6 ـ قال ابن النحاس رحمه الله: “ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد، بل يود لو كلمه سراً ونصحه خفية، من غير ثالث لهما” ([33]).
7 ـ قال سعيد بن جمهان رحمه الله:”أتيت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه وهو محجوب البصرة، فسلمت عليه: قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جمهان. قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت قتلته الأزارقة. قال: لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله ج أنهم كلاب النار: قال: قلت الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال كلا، بل، الخوارج كلها. قال: قلت فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم قال فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه” ([34]).
8 ـ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “أيتها الرعية إن لنا عليكم حقاً: النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير “ ([35]).
9 ـ وذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر. فقال: “إن كنت فاعلاً ولابد ففيما بينك وبينه” ([36]).
10ـ قال النووي رحمه الله: “وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخروج عليهم وتآلف قلوب الناس لطاعتهم..” ([37]).
11ـ قال الشوكاني رحمه الله:”ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله.
وقد قدمنا في أول كتاب السير: أنه لا يجوز الخروج على الأئمة، وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر الكفر البواح. والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة. ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ويعصيه في معصية الله. فإنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق”([38]). ا.هـ
12 ـ قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: “من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الشيخ ……… المحترم سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية، وليس شرطها ألا يقع منها زلل والعاقل، بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد وإفتاء بين المتخاصمين. ونصيحة الأمير والمأمور بالسر، وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين.
ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك والقاضية على فكرك والحاكمة على تصرفاتك، بل في السر قم بواجب النصيحة وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها، وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين، ولم تفعل ذلك أصلاً إلا أنها غير معصومة فقط، فأنت كن وإياها أخوين أحدهما مبين واعظ ناصح، والآخر باذل ما يجب عليه كاف عن ما ليس له، إن أحسن دعا له بالخير ونشط عليه وإن قصر عومل بما أسلفت لك. ولا يظهر عليك عند الرعية ولاسيما المتظلمين بالباطل عتبك على الأمير وانتقادك إياه، لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء وغير ما تعبدت به، إنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه وأن تكون جامع شمل، لا مشتت، مؤلف لا منفر، واذكر وصية النبي ج لمعاذ وأبي موسى (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا). أو كما قال رحمه الله وأنا لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك وللأمير ولكافة الجماعة ولإمام المسلمين والله ولي التوفيق. والسلام عليكم”([39])ا.هـ
13ـ قال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:” إن من حقوق الرعاة على رعيتهم أن يناصحوهم ويرشدوهم، وأن لا يجعلوا من خطئهم إذا أخطئوا سلماً للقدح فيهم ونشر عيوبهم بين الناس، فإن ذلك يوجب التنفير عنهم وكراهتهم وكراهة ما يقومون به من أعمال وإن كانت حقا، ويوجب عدم السمع والطاعة لهم، وإن من الواجب على كل ناصح وخصوصًا من ينصح ولاة الأمور أن يستعمل الحكمة في نصيحته ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن رأى ممن ينصحه من ولاة الأمور قبولا للحق وانقيادا له فذلك، وإلا فليتثبت في الأمر وليتحقق من وقوع الخطأ منه وإصراره عليه ثم ليرفعه إلى من فوقه إن كان في ذلك مصلحة وإزالة للظلم، كما كان السلف الصالح يشكون ولاتهم إلى من فوقهم إذا رأوهم قد سلكوا ما لا ينبغي أن يسلكوه “ ([40]).
14ـ سئل شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر وما منهج السلف في نقد الولاة؟ فقال ج :”ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع ، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذي يتصلون به حتى يوجه إلى الخير وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل ، فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن فلاناً يفعلها، لا حاكم ولا غير حاكم . ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه ، قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تنكر على عثمان، قال: أنكر عليه عند الناس؟! لكن أنكر عليه بيني وبينه، ولا أفتح باب شر على الناس. ولما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرة، تمت الفتنة القتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً، حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه، نسأل الله العافية”([41]).
وسئل أيضاً رحمه الله: عندما تقع بعض السلبيات أو المنكرات في المجتمع فما السبيل الأمثل -في نظر سماحتكم نحو معالجة هذه السلبيات وإنكار المنكرات؟ الجواب: السبيل أوضحه الله عز وجلّ حيث يقول:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ..}[التوبة : 71]، ويقول أيضاً:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104]، ويقول أيضاً:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}[النحل: 125]، ويقول سبحانه:{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر 1: 3]، هذا هو السبيل وهو التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والنصيحة ودعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الحسن والكلمات الطيبة والرفق حتى يعم الخير ويكثر وحتى يزول الشر ويندثر وهذا هو المطلوب من الجميع من الدولة ومن العلماء ومن أهل الخير ومن أعيان الناس ومن العامة كل بحسب طاقته ولكن بتحري العبارات الطيبة والأسلوب الحسن حتى يحصل الخير ويزول الشر، فالنصح يكون بالأسلوب الحسن والكتابة المفيدة والمشافهة المفيدة ، وليس من النصح التشهير بعيوب الناس، ولا بانتقاد الدولة على المنابر ونحوها، لكن النصح أن تسعى بكل ما يزيل الشر ويثبت الخير بالطرق الحكيمة وبالوسائل التي يرضاها الله عز وجل”([42]).
15ـ سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هو المنهج الصحيح في المناصحة وخاصة مناصحة الحاكم أهو التشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة؟ أم مناصحتهم بالسر؟ أرجو توضيح المنهج السلفي في هذه المسألة؟
الجواب: “العصمة ليست لأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم فالحكام بشر يخطئون ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين ولكن لا نتخذ أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم حتى وإن جاروا وإن ظلموا حتى وإن عصوا ما لم يرتكبوا كفراً بواحاً كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان عندهم معاص وعندهم جور وظلم فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة ووحدة المسلمين وحماية لبلاد المسلمين وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة أعظم من المنكر الذي هم عليه لأنه يحصل ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم ما دام هذا المنكر دون الكفر ودون الشرك.
ولا نقول أنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء لا… بل تعالج ولكن تعالج بالطريقة السليمة بالمناصحة لهم سراً والكتابة لهم سراً. وليست بالكتابة التي تكتب بالإنترنت أو غيره ويوقّع عليها جمع كثير وتوزع على الناس فهذا لا يجوز لأنه تشهير، هذا مثل الكلام على المنابر، بل أشد فإن الكلام ممكن أن ينسى ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي فليس هذا من الحق. قال صلى الله عليه وسلم:(الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) ([43]). وفي الحديث:(إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)([44])، وأولى من يقوم بالنصيحة لولاة الأمر هم: العلماء وأصحاب الرأي والمشورة أهل الحل والعقد قال تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..}[النساء : 83]، فليس كل أحد من الناس يصلح لهذا الأمر وليس الترويج للأخطاء والتشهير بها من النصيحة في شيء ولا هو من منهج السلف الصالح وإن كان قصد صاحبها حسناً وطيباً وهو إنكار المنكر بزعمه لكن ما فعله أشد منكراً وقد يكون إنكار المنكر منكراً إذا كان على غير الطريقة التي شرعها الله ورسوله ج فهو منكر لأنه لم يتبع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم الشرعية التي رسمها حيث قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) ([45]). فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الناس على ثلاثة أقسام : منهم من يستطيع أن يزيل المنكر بيده وهو صاحب السلطة ولي الأمر أو من وكل إليه الأمر من الهيئات والأمراء والقادة . وقسم ينكر المنكر بلسانه وهو من ليس له سلطة وعنده قدرة على البيان. وقسم ينكر المنكر بقلبه وهو من ليس له سلطة وليس عنده قدرة على البيان”([46]).
16ـ سئلت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء: ما حكم الدعاء على الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله؟ فكان الجواب: “تدعو له بالهداية والتوفيق وأن يجعل الله على يده إصلاح رعيته فيحكم بينهم بشريعة الله”([47]).
17ـ جاء في “الدرر السنية في الأجوبة النجدية” رسالة للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن محمد بن سليم، رحمهم الله جميعاً قولهم: “وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام، فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس. واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين” ([48]). اهـ .
المطلب السادس: صور وأمثلة في حياة السلف في كيفية النصح لولاة الأمور.
1ـ صورة من تعامل شيخ الإسلام بن تيمية مع السلطان الملك الناصر:
يعتبر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله أحد الأعلام الذين خلد الزمان ذكرهم وأصبح الناس يتتلمذون عليهم على مر العصور وتعاقب الأيام ذلك أنه اجتمعت لهذا العالم صفات لم تجتمع في أحد من أهل عصره فهو الذكي الألمعي وهو الكاتب العبقري وهو الخطيب المصقع وهو الباحث المنقب وهو العالم المطلع الذي درس أقوال السابقين وقد أنضجها الزمان وصقلتها التجارب وفحصتها الاختبارات فنفذت بصيرته إلى لبها وتغلغل في أعماقها وتعرف أسرارها وفحص الروايات ووازن بين الآراء المختلفة وطبقها على عصوره مع إدراك للكليات الجامعة والفروق البديعة والتقاسيم الدقيقة وربط للجزئيات وجمع للأشتات المتفرقة ووضعها في نسق واحد([49]).
لقد كانت لهذا العالم مواقف في غاية الأهمية ملؤها الحزم والشدة في ضوء النصوص الشرعية الثابتة بيَّض بهذه المواقف وجه الإسلام أمام أعدائه من اليهود والنصارى والتتار والملحدين والزنادقة والجهمية المعطلة والمبتدعة وعباد الموتى وغيرهم فقد صمد لهؤلاء جميعاً وآتاه الله من قوة اليقين وشجاعة القلب والنفس وقوة الحجة ما أخرسهم وقطع ألسنتهم وسود وجوههم حتى استعانوا عليه بالزور والافتراء والتحريف لقوله ووصلوا في هذا الجو الجاهل إلى بعض ما أرادوا من حبسه وهذا أمر معروف مشهور، لكن بعض المنتسبين للدعوة في زماننا هذا ولغاية في النفوس يحور هذا الأمر ويقول إن سجن شيخ الإسلام ابن تيمية حدث بسبب مخالفته للسلطان وأن موقفه كان سياسياً بحتاً لأن هؤلاء المنتسبين للدعوة يتعلقون بكل شيء يمت للسياسة والمخالفات السياسية لكن المطلع المنصف المتجرد على سيرة شيخ الإسلام يعرف ما حدث لهذا العالم من تسلط الفرق الضالة والمذاهب المنحرفة أهل الأهواء ويتبين له بجلاء موقف الشيخ منهم ذلك الموقف الصلب المتشدد الذي يقوم على قرع الحجة بالحجة وهدم الباطل من أساسه ومما يؤكد لنا أن موقفه لم يكن سياسياً إطلاقاً تلك الرسالة التي تقطر أدباً وتفيض محبة ومودة للسلطان الملك الناصر الذي سجن الشيخ وهذه الرسالة ذكرها تلميذه الشيخ ابن عبد الهادي رحمه الله في ترجمته لشيخه قال فيها.
“بسم الله الرحمن الرحيم، من الداعي أحمد بن تيمية إلى السلطان الملك الناصر سلطان المسلمين ومن أيد الله في دولته الدين وأعز به عباده المؤمنين وقمع فيها الكفار والمنافقين والخوارج المارقين نصر الله به الإسلام وأصلح له وبه أمور الخاصة والعامة وأحيّا به معالم الإيمان وأقام به شرائع القرآن وأذل به أهل الكفر والفسق والعصيان سلام عليكم ورحمة الله وبركاته… أما بعد:
فقد صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأنعم الله على السلطان وعلى المؤمنين في دولته نعماً لم تعهد في القرون الخالية وجدد الإسلام في أيامه تجديداً بانت فضيلته على الدول الماضية وتحقق في ولايته خبر الصادق المصدوق أفضل الأولين والآخرين الذي أخبر فيه عن تجديد الدين في رؤوس المئين والله تعالى يوزعه والمسلمين شكر هذه النعم العظيمة في الدنيا والدين ويتمها بتمام النصر على سائر الأعداء المارقين وذلك أن السلطان ـ أتم الله نعمته ـ حصل للأمة بيمن ولايته وحسن نيته وصحة إسلامه وعقيدته وبركة إيمانه ومعرفته وفضل همته وشجاعته وثمرة تعظيمه للدين وشريعته ونتيجة اتباعه لكتاب الله وحكمته ما هو شبيه بما كان يجري في أيام الخلفاء الراشدين وما كان يقصده الأئمة العادلون من جهاد أعداء الله المارقين عن الدين”([50]).
وهي رسالة مطولة تفيض حباً ومودة وولاءً للسلطان.
وهذه الرسالة تكشف الحقيقة وتبين الموقف بجلاء فهل يعي الغافلون وينتبه المخدوعون، نرجو ذلك ونتمناه.
2ـ صورة من تعامل الإمام أحمد مع ظلم الحاكم:
اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك – ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك، وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح برٌّ، أو يُستراح من فاجر. وقال: ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار.
وقال المروذي رحمه الله: سمعتُ أبا عبد الله يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكاراً شديداً، وقال في رواية إسماعيل بن سعيد: الكف لأنا نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما صلوا فلا). خلافا للمتكلّمين في جواز قتالهم كالبغاة قال القاضي: والفرق بينهما من جهة الظّاهر والمعنى، أما الظاهر فإن اللّه تعالى أمر بقتال البغاة بقوله تعالى: {وإن طائفتان}. وفي مسألتنا أمر بالكفّ عن الأئمة بالأخبار المذكورة، وأما المعنى فإن الخوارج يقاتلون بالإمام وفي مسألتنا يحصل قتالهم بغير إمام فلم يجز كما لم يجز الجهاد بغير إمام” انتهى كلامه ([51]).
3ـ صورة من وصية السلف ونصحهم لأبنائهم في كيفية التعامل مع ولاة أمورهم:
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه لابنه:” يا بني احفظ عني ما أوصيك به: إمامٌ عدلٌ خيرٌ من مطرٍ وابلٍ، وأسدٌ حطوم خيرٌ من إمام ظلوم، وإمام ظلومٌ غشوم خيرٌ من فتنةٍ تدوم” ([52]).
4ـ صورة من وعظ السلف بحضور الخليفة:
وعظ ابن الجوزي رحمه الله في سنة أربع وسبعين وخمس مئة بحضور الخليفة المستضيء بأمر الله وقال: لو أني مثلتُ بين يدي السدةِ الشريفة لقلت: يا أمير المؤمنين، كُن لله سبحانه مع حاجتك إليه، كما كان لك مع غناه عنك؛ إنه لم يجعل أحداً فوقك، فلا ترضَ أن يكون أحدٌ أشكر له منك، فتصدق أمير المؤمنين بصدقات، وأطلق محبوسين ([53]).
5ـ صور من تهدئة السلف غضب الحكام:
أراد المنصور خراب المدينة لإطباق أهلها على حربه مع محمد بن عبد الله بن حسن، فقال له جعفر بن محمد: “يا أمير المؤمنين، إن سليمان عليه الصلاة والسلام أُعطي فشكر، وإن أيوب عليه الصلاة والسلام ابتلي فصبر، وإن يوسف عليه الصلاة والسلام قدر فغفر، وقد جعلك الله عز وجل من نسل الذين يعفون ويصفحون فطفئ غضبه وسكت” ([54])
وقال ابن عقيل رحمه الله في “الفنون”: قال بعض أهل العلم قولاً بمحضرٍ من السلطان، فأخذ السلطان في الاحتداد عليه، وأخذ بعض من حضر يترفقُ ويسكنُ غضبه، ولم يكُ محله بحيث يشفع في مثل ذلك العالم، فالتفت العالمُ فقال للشافع: يا هذا، غضبُ هذا الصدر، وكلامه إياي بما يشق أحبُّ إلي من شفاعتك إليه، فإن غضبه لا يغُضُّ مني وهو سلطاني، وشفاعتك هي غضاضةٌ علي ، فأفحم الشافع، وأرضى السلطان”([55]).
6ـ صورة من مناصحة السلف للخارجين على الحاكم:
كتب المهلب بن أبي صفرة إلى ابن الأشعث يحذره، وينهاه عن الخروج على إمامه وقال: ” إنّك يا ابن الأشعث قد وضعت رجلك في ركاب طويل، أبق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، اللّه اللّه، انظر لنفسك فلا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها، والبيعة فلا تنكثها، فإن قلت: أخاف الناس على نفسي، فاللّه أحق أن تخافه من الناس، فلا تعرضها للّه في سفك الدماء، أو استحلال محرم، والسلام عليك”([56]).
7ـ صور من ندمهم عند خروجهم على ولاة أمورهم:
من ذلك ندم الإمام الشعبي رحمه الله لخروجه على الحجاج لما هرب ابن الأشعث بعد أن أثار فتنة أهلكت الحرث والنسل فقتل من أتباعه من قتل، وأسر كثير منهم، فقتلهم الحجاج بن يوسف، وهرب من بقي منهم.
ومنهم عامر الشعبي رحمه الله الإمام الثقة ، فقد أمر الحجاج أن يؤتى بالشعبي : وكان الشعبي من جملة من صار إلى مسلم بن قتيبة فكتب إلى مسلم: أن ابعث لي بالشعبي، قال الشعبي: “فلما دخلت عليه سلمت عليه بالإمرة ثم قلت: أيها الأمير إن الناس قد أمروني أن أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق، وايم الله لا أقول في هذا المقام إلا الحق كائنا في ذلك ما كان، قد والله تمردنا عليك، وخرجنا وجهدنا كل الجهد فما آلونا، فما كنا بالأقوياء الفجرة، ولا بالأتقياء البررة، ولقد نصرك الله علينا وأظفرك بنا فإن سطوت فبذنوبنا وما جرت إليك أيدينا، وإن عفوت عنا فبحلمك، وبعد فلك الحجة علينا.
فقال الحجاج: أنت والله يا شعبي أحب إلي ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا ثم يقول: ما فعلت ولا شهدت، قد أمنت عندنا يا شعبي. قال: فانصرفت فلما مشيت قليلا قال: هلم يا شعبي، قال: فوجل لذلك قلبي، ثم ذكرت قوله قد أمنت يا شعبي فاطمأنت نفسي، فقال: كيف وجدت الناس بعدنا يا شعبي؟ – قال: وكان لي مكرما قبل الخروج عليه – فقلت: أصلح الله الأمير، قد اكتحلت بعدك السهر، واستوعرت السهل، واستوخمت الجناب، واستجلست الخوف، واستحليت الهم، وفقدت صالح الإخوان، ولم أجد من الأمير خلفا. قال انصرف يا شعبي، فانصرفت” ([57]).
فهذا هو حال السلف الصالح ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في نصحهم لولاة أمورهم فهل من معتبر، وهل من سائر على طريقتهم، فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.
المطلب السابع: مشروعية الدعاء لولاة الأمور بالصلاح والرشاد.
من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يدعون لولاة أمورهم بالصلاح والتوفيق
والسداد، وهو شعار معروف عند أهل السنة والجماعة ومن نظر إلى مؤلفات علماء أهل السنة يجد أن هذا الأمر منصوص عليه في كتبهم وذلك لأنه بهداية ولاة أمورهم تنتظم مصالحهم، وتجتمع كلمتهم، وتؤمن سبلهم، وتقام صلاتهم، ويجاهد عدوهم، وبدون هدايتهم تتعطل الأحكام، وتعم الفوضى ويختل الأمن، ويكثر السلب والنهب، وأنواع الاعتداء، ولا يأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
ولقد أعتنى علماء المسلمين بهذه القضية ـ الدعاء لولاة الأمر ـ عناية واضحة وتجلت في صور ناصعة رائعة منها:
أولاً: إيداع الأمر بالدعاء لولاة الأمر في مختصرات العقائد السلفية التي يطالب المسلم باعتقاد ما فيها لكونه مبنياً على الحجج الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأئمة، وسيأتي نماذج من ذلك إن شاء الله.
ثانياً: تخصيص بعض علماء الإسلام مؤلفاً في ذلك.
فقد ألف الإمام العلامة يحيى بن منصور الحراني الحنبلي رحمه الله ـ المعروف بابن الحبشي ـ كتاباً سماه: (دعائم الإسلام في وجوب الدعاء للإمام).
ثالثاً: جعل بعض العلماء المحققين علامة من كان سنياً سلفياً: الدعاء لولاة الأمر، وعكسه من كان مبتدعاً ضالاً، دعا على ولاة الأمر.
قال العلامة البربهاري رحمه الله: “وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سنة – إن شاء الله –” ([58]). ا هـ
فأنت ترى هذا الاهتمام القوي من السلف بالدعاء لولاة الأمر واضحاً جلياً وهم في ذلك متبعون، سالمون من الهوى، مقدمون لنصوص الشريعة على حظوظ النفس وما تهوى. وهذه جملة مما جاء عن أهل السنة المرضيين في دعوتهم إلى الدعاء لولاة أمورهم فمن ذلك.
1- أخرج الخلال عن أبي مسلم الخولاني رحمه الله أنه قال عن الأمير : “إنه مؤمر عليك مثلك، فإن اهتدى فاحمد الله، وإن عمل بغير ذلك، فادع له بالهدى، ولا تخالفه فتضل”([59]).
2- عن عبد الصمد بن يزيد البغدادي رحمه الله ـ ولقبه مردويه ـ، قال: “سمعت الفضيل بن عياض يقول: “لو أن لي دعوة مستجابة، ما صيرتها إلا في إمام، قيل: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال: متى صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام عمت، فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد … فقبل ابن المبارك جبهته وقال : يا معلم الخير من يحسن هذا غيرك؟”([60]).
3ـ عن حنبل، أن الإمام أحمد رحمه الله قال عن الإمام: “وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد، وأرى ذلك واجباً علي” ([61]).
4ـ عن أبي بكر المروذي رحمه الله، قال: “سمعت أبا عبد الله، وذكر الخليفة المتوكل رحمه الله فقال: إني لأدعو له بالصلاح والعافية. وقال: لئن حدث به حدث، لتنظرن ما يحل بالإسلام” ([62]).
5- وقال أبو عثمان الصابوني رحمه الله: “ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إِمام براً كان أو فاجراً ويرون جهاد الكفرة معهم وإِن كانوا جَوَرة فجرة ويرون الدعاء لهم بالإِصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية” ([63]).
6- وقال البربهاري رحمه الله: “فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين” ([64]). ا هـ.
7- وقال الآجري رحمه الله: “وقد ذكرت من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذاهب الخوارج ولم ير رأيهم فصبر على جور الأئمة … ودعا للولاة بالصلاح وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين فصلى خلفهم الجمعة والعيدين. فمن كان هذا وصفه، كان على الصراط المستقيم ـ إن شاء اللهـ”([65]).اهـ.
8ـ قال ابن عبد البر رحمه الله “إن لم يتمكن من نصح السلطان، فالصبر والدعاء فإنهم كانوا ـ أي الصحابة ـ ينهون عن سب الأمراء وكان السلف رحمهم الله يعدون الاشتغال بسب الولاة والدعاء عليهم من الأمور المحدثة” ([66]).
9ـ سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عمن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر فقال: “هذا من جهله، وعدم بصيرته، لأن الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات، ومن النصيحة لله ولعباده، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن دوساً عصت وهم كفار قال: اللهم اهد دوساً وائت بهم فهداهم الله وأتوه مسلمين. فالمؤمن يدعو للناس بالخير، والسلطان أولى من يدعى له؛ لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء، ومن أهم النصح: أن يوفق للحق وأن يعان عليه، وأن يصلح الله له البطانة، وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء، فالدعاء له بالتوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل وصلاح البطانة من أهم المهمات، ومن أفضل القربات، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان، ويروى ذلك عن الفضيل بن عياض رحمه الله..” ([67]).
“فحقيق على كل رعية أن ترغب إلى الله – تعالى – في إصلاح السلطان، وأن تبذل له نصحه، وتحضه بصالح دعائها، فإن في صلاحه صلاح العباد والبلاد وفي فساده فساد البلاد والعباد “ ([68]).
ومشروعية الدعاء للولاة عامة كلهم للعادل منهم والظالم فلا يدعى على ظالمهم بل يدعى له بالهداية فقد نقل ابن المنير المالكي رحمه الله: “عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم فقيل له: أتدعو له وهو ظالم؟ فقال: إي – والله -، أدعو له إن ما يدفع الله ببقائه أعظم مما يدفع بزواله” ([69]). ا هـ.
وعن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الواعظ الزاهد أنه قال – بعد روايته لحديث تميم الداري – مرفوعاً – :(الدين النصيحة)، قال: “فانصح للسلطان، وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا، صلح العباد بصلاحهم. وإياك أن تدعوا عليهم باللعنة، فيزدادوا شراً ويزداد البلاء على المسلمين، ولكن أدعو لهم بالتوبة، فيتركوا الشر، فيرتفع البلاء عن المؤمنين”([70])اهـ.
فحق على كل مؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، أن يدعو لهم بالهداية والتوفيق إلى طاعة الله تعالى، والسير في مرضاته، لأن نفع ذلك يعود على كل مؤمن بالخير في الدين والدنيا.
نسأل الله تعالى أن يصلح ولاة أمورنا وأن يهدينا وإياهم إلى الصراط المستقيم.
الخاتمة
بعد نهاية هذا البحث يطيب لي أن أجمل ما ورد فيه بهذه الخاتمة فأقول وبالله التوفيق:
لقد تضمن هذا البحث عقيدة السلف في مناصحة ولاة أمورهم، بعيداً عن الغلو المذموم والتفريط المشؤوم، فاشتمل هذا البحث على ما يلي:
(1) أن منهج أهل السنة والجماعة في المناصحة للعام والخاص كل حسب مكانته ومنزلته مع مراعاة الظروف والملابسات وأسلوب المناصحة الشرعي يؤدي ثمرته عاجلاً وعلى العكس الأسلوب الأهوج الأعوج يبذر بذرة الشر التي تتنامى حتى تكبر فتفسد على المجتمع أمنه وطمأنينته.
(2) أن أسلوب التشويش والإثارة وذكر الأخطاء على المنابر أسلوب غير شرعي لأنه تعيير وليس بنصيحة وكم من شخص نصح بالسر فأثمر ذلك استجابة فورية والعكس صحيح فكم من أشخاص عنف عليهم في أسلوب المناصحة فأحدث ذلك ردة فعل عندهم وزادهم ذلك صلفا وعناداً فلم يستجيبوا وهنا يبوء هذا الناصح بإثمهم.
(3) أن النصيحة إذا كانت لولاة الأمر فينبغي أن تأخذ طابع السرية التامة لأن هؤلاء لهم ولاية على الناس ولهم مكانة عظيمة في قلوبهم فإذا تمت مناصحتهم علانية وأعلنت هفواتهم فإن ذلك يقلل من مكانتهم في أعين الناس وبالتالي تقل هيبتهم ويقل احترامهم.
(4) ثبتت النصوص الصحيحة الصريحة التي تفيد وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله وعدم إثارة الفتن مهما كان الدافع لها والحرص على الجماعة ولزومها والنهي عن الفرقة لأن فيها خذلان الأمة وضعفها وهذا هو منهج سلف الأمة الذي ساروا عليه وأكدوه فيما نقل عنهم فمن كان في رقبته بيعة لولي الأمر وجب عليه أن يحافظ عليها وأن يؤدي حقوقها وأن يشكر الله جل وعلا الذي أنعم عليه بنعمة الإسلام وتحكيم شرع الله في هذه البلاد المباركة، فكم من المسلمين حرموا هذه النعمة العظيمة في بلادهم وأصبحوا ينظرون لبلاد الحرمين ـ بلاد التوحيد ـ على أنها المثل الذي يحتذى في هذا الجانب، وهذا من فضل الله ومنته على بلادنا فنحمده ونشكره على هذه النعمة ونسأله المزيد من فضله.
(5) أنه لا يجوز شرعاً أن توجد في هذه البلاد أحزاب سياسية أو حزبيات دينية يكون ولاؤها لغير ولاة الأمر لأن في أعناق المسلمين بيعة شرعية لا يجوز المساس بها أو عمل ما يناقضها وقيام هذه الأحزاب أو تلك الحزبيات أو الجماعات التي تعطي ولاءها للأعداء خارج هذه البلاد كل ذلك يناقض ما في رقبة المسلم من البيعة الشرعية لولي الأمر.
(6) لا تجوز شرعاً المظاهرات لأنها شر؛ فهي تؤدي إلى الفوضى وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على الأبدان وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما يكون فيها نساء أحياناً فهي منكر ولا خير فيها.
(7) أن سب الأمراء والحكام من خلال المنابر أو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة حرام منصوص على تحريمه، بدلالة السنة وأقوال سلف الأمة. وهي نواة الخروج على ولاة الأمر، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً.
(8) أن السلف الصالح علموا قدر ولاة الأمور ولذلك لم يتركوهم وحدهم بل وقفوا بجانبهم، بالدعاء لهم وبنصحهم وإرشادهم بما فيه صلاح العباد عاجلاً وآجلاً ولذا تعددت صورهم في النصح لهم فحري بكل متبع لآثارهم أن يسير على منهجهم فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.
(9) أن الدعاء لولاة الأمر، شعار في عقيدة أهل السنة والجماعة بل هو علامة يتميز بها أهل السنة عن غيرهم من أهل البدع.
(10) أنه لا بد من الأدب مع العلماء واحترامهم وبيان محاسنهم، وأن ذلك من حقوق الولاة عليهم، وأن الواجب علينا معاشر المسلمين تجاه علمائنا وهم تاج علماء الأمة الإسلامية في هذا الزمان أن نصدر عن أقوالهم ولا سيما في قضايا الأمة العامة وما يهمها في أمر دينها ودنياها ولا سيما ونحن نرى مؤامرات الأعداء تحيط بنا من كل حدب وصوب كل همهم تفريق صف الأمة وتوهين قوتها والسعي لإبعاد الشباب عن علماءهم.
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين، وأن يبعد عنهم بطانة السوء، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثانياً: المقالات
(المقال الأول)
منهج أهل السنة والجماعة
في معاملة ولاة أمرهم (1)
جريدة الرياض 21/ 1/ 1417هـ
أمر الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بامتثال أمرهما الواجب والمستحب واجتناب نهيهما، وأمر بطاعة أولي الأمر وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكام والمفتين.
فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله، ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
أما نصوص الكتاب التي تأمر بذلك فمنها:
1- قول الله تعالى: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، أورد الطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أولي الأمر هم الأمراء) ثم قال الطبري في تفسيره (8/502).: (أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة) وقال ابن كثير: في تفسيره (2/345). (الظاهر – والله أعلم أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء).
وجه الاستدلال من هذه الآية: أن الله سبحانه أوجب على المسلمين طاعة أولي الأمر منهم وهم الأئمة، والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر، لأن الله تعالى لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده، فدل على أن إيجاد إمام للمسلمين واجب عليهم.
2- ومن الأدلة أيضًا قول الله تعالى مخاطبًا الرسول صلى الله عليه وسلم: {فَاحْكُم بيْنهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ…}[المائدة: 83]، وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بيْنهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يفْتِنُوكَ عَن بعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49].
جاءت هذه الآية تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين المسلمين بما أمر الله – عزَّ وجلَّ-، ومن المعلوم أنَّ خطاب النبي صلى الله عليه وسلم هو خطابٌ لأمته ما لم يرد تخصيص، وإنَّ الأمر بالحكم بما أنزل الله يتوجب وجود إمامٍ يلي أمور المسلمين، وإنَّ الأمر باتخاذ إمامٍ يلي أمر المسلمين، يوجب على المسلمين طاعته.
3- ومن الأدلة أيضًا قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].
وجه الاستدلال من هذه الآية: أن الله سبحانه بيَّن مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن أتى بعدهم من أتباعهم أن يقيموا العدل بين الناس على وفق ما في الكتاب المنزل، وأن ينصروا ذلك ، وهذا لا يأتي لأتباع الرسل إلا بنصرة ولاة الأمر وطاعتهم وعدم الاختلاف عليهم.
أما نصوص السنة التي تأمر بذلك فمنها:
1 – عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أحَبَّ وكَرِهَ، إلَّا أنْ يؤْمَرَ بمَعْصِيَةٍ، فإنْ أُمِرَ بمَعْصِيَةٍ، فلا سَمْعَ ولا طاعَةَ.”. رواه البخاري (2955)، ومسلم (1839).
2 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عَلَيْكَ السَّمْعَ والطَّاعَةَ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ، ومَنْشَطِكَ ومَكْرَهِكَ، وأَثرَةٍ عَلَيْكَ.” رواه مسلم (1836).
3 – عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسْمَعُوا وأَطِيعُوا، وإنِ اسْتُعْمِلَ علَيْكُم عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ”رواه البخاري (7142)، ومسلم (2473).
4 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن أطاعَنِي فقَدْ أطاعَ اللَّهَ، ومَن عَصانِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن أطاعَ أمِيرِي فقَدْ أطاعَنِي، ومَن عَصَى أمِيرِي فقَدْ عَصانِي..” رواه البخاري (7137)، ومسلم (1853).
5 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” مَن خَلَعَ يَدًا مِن طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن مَاتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً” رواه مسلم (1851).
6 – عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن كَرِهَ مِن أمِيرِهِ شيئًا فَلْيَصْبِرْ، فإنَّه مَن خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْرًا ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً. ” رواه البخاري (7053)، ومسلم (1849).
7 – وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَن أهان السُّلطانَ أهانَهُ اللهُ” رواه الترمذي (2225)، وقال: حديث حسن.
8 – وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ” رواه مسلم (55).
هذه النصوص الصحيحة الصريحة تفيد بمجموعها وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله، وعدم إثارة الفتن مهما كان الدافع لها، والحرص على الجماعة ولزومها، والنهي عن الفرقة لأن فيها خذلان الأمة وضعفها، وهذا هو منهج سلف الأمة الذي ساروا عليه وأكدوه فيما نقل عنهم من كلام حول النصوص السابقة، ومن ذلك ما يأتي:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في السياسة الشرعية ص (184).:”يجب أن يعرف أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من الحاجة إلى رأس…”.
وقال في موضع آخر في السياسة الشرعية ص(185): “ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك، ولهذا كان السلف كالفضل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان”.
ويقول في موضع آخر في نفس الكتاب ص (186): “فالواجب اتخاذ الإمارة دينًا وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات”.
ويقول ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة: (1/72): “ولزوم جماعتهم هذا أيضاً مما يطهر القلب من الغل والغش فإن صاحبه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم، وهذا بخلاف من انحاز عنهم، واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذمّ لهم”.
نعم إن محبة ولاة الأمر والنصح لهم دليل على الصدق والإخلاص، وهذا ديدن العلماء الصادقين الناصحين في كل زمان مع ولاتهم الذين يحكمون بالكتاب والسنة.
ونحن في بلاد الحرمين الشريفين نعيش في ظل الأمن الوارف وتحكيم الشرع المطهر فحق لولاتنا علينا السمع والطاعة والتعاون معهم في كل سبيل فيه الخير والمصلحة لهذه البلاد ومن يعيش على ثراها.
ولعلمائنا علينا، وهم تاج علماء الأمة الإسلامية في هذا الزمان، أن نصدر عن أقوالهم ولا سيما في قضايا الأمة العامة وما يهمها في أمر دينها ودنياها، ولا سيما ونحن نرى مؤامرات الأعداء تحيط بنا من كل حدب وصوب، كل همهم تفريق صف الأمة وتوهين قوتها والسعي لإبعاد شبابها عن علمائهم.
وإذا كانت الأمة مطالبة في كل وقت أن تكون يداً واحدة وأن تتعاون كل فئات المجتمع على الخير والبر فإنها مطالبة في هذا الوقت أكثر لعظم الأخطار المحيطة بها، وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: “المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بيْنَ أَصَابِعِهِ” رواه البخاري (481).
وقوله صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى” رواه مسلم (2586).
إن من تمام شكر النعمة التي نعيش فيها أن نكون يداً واحدة متعاونين على الخير آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مبتعدين عنه عملاً بقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة، الآية 2].
ويوم أن تتعاون فئات المجتمع ويصدر الناس عن رأي علمائهم الكبار في الأمور العامة والقضايا المستجدة يتحقق بإذن الله الخير لهذا المجتمع، ويتم التمكين له في الأرض، ونتفيأ ظلال الأمن في ظل الحكم بشرع الله المطهر في هذه البلاد المباركة.
ولكي تتضح هذه النعمة ويعرف قدرها يحسن أن ندير أبصارنا إلى من حولنا من البلاد التي تعصف فيها رياح الفتن، ويسرح فيها الباطل، وتعشعش فيها الجريمة بكل أشكالها، ولا يأمن فيها الفرد على نفسه وماله وعرضه، بل لا يؤدي في كثير من الأحيان عبادته إلا بخفية خشية إيذائه من أهل الشر والضلال.
فحمداً لك اللهم على نعمة الإسلام والأمن في الأوطان، وأسأله سبحانه وتعالى أن يديم على هذه البلاد نعمة تحكيم شرع الله، وأن يحفظ لها ولاتها، وأن يزيدهم هدى وصلاحاً، وأن يجمع بهم كلمة المسلمين، وأن يأخذ بأيديهم لما فيه خير هذه البلاد وصلاح رعاياها.
كما أسأله سبحانه أن يوفق علماءنا ويسدد على طريق الخير خطاهم، وأن ينفعنا بعلمهم ويجمعنا بهم ووالدينا وأحبابنا في جنات النعيم.
(المقال الثاني)
منهج أهل السنة والجماعة
في معاملة ولاة أمرهم (2)
جريدة الرياض
28/ 1/ 1417هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإن منهج أهل السنة والجماعة مع ولاة أمرهم منهج وسط عدل يقوم على أساس الاتباع وعدم الابتداع والطاعة بالمعروف، وهذا مقتضى الأثر الذي تضافرت حوله النصوص الشرعية ، وقد أكد ذلك سلف هذه الأمة تطبيقاً عملياً لهذا المنهج. وهذه جملة من الآيات والأحاديث النبوية والآثار السلفية ، تشرح شيئاً مما ينبغي أن يعرفه المسلم عن أحكام معاملة ولاة أمر المسلمين في كل زمان ومكان. أسأل الله تعالى أن ينفع بها.
إن وجود الحكام للناس أمر لازم لزوم الماء للحياة، إذ لا سعادة للبشر إلا بهم، ولا عدل قائماً ولا حق ظاهراً إلا بسلطان الحكام، فالناس فوضى بدونهم، ولن يصلح الناس فوضى لا تقام فيهم أحكام الشرع، ولا تطبق عليهم حدود الإسلام ولا تنفذ أنظمته، ولا يأمن الناس على حياتهم، ولا تحقق رفاهية ولا يدفع عدو طامع مع هذه الفوضى، وقد عبر عن هذا المعنى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: ” إنَّما الإمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِن ورَائِهِ ويُتَّقَى به”رواه البخاري (2957)، ومسلم (1835).
ومن أجل ذلك بوأ الله للحكام مكاناً علياً، وأنزلهم منازل كريمة؛ فكانوا ظل الله في الأرض وأحبابه يوم القيامة، وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ ،…” رواه البخاري (1423) ومسلم (1031).
إن تاريخ العلماء والحكام من سلف الأمة حافل بمواقف الاستبصار ومواطن الذكرى، ومملوء بالدروس النافعة الرائعة، والأمة أحوج ما تكون اليوم إلى الاتعاظ بهذه المواقف والاهتداء بهديها لئلا تتجاذبها رياح الفتن، وتغتالها غوائل الدهر، وتقع في المحذور الذي وقعت فيه فئات من الناس جهلت التاريخ المضيء لأمة الإسلام وما كان عليه علماء الأمة من معاملة صادقة للحكام وحرص على الخير، وما كان عليه الحكام من تقدير للعلماء ورفع لمكانتهم.
وهذه حال أمة الإسلام، وهذا هو هدي سلفنا الصالح، ولذا شعرت الأمة خلال حقب التاريخ بالسعادة والرفاهية والأمن، وتحقق لها من الخير ما بوأها مكانة عالية مرموقة.
وها هي بلاد الحرمين تنهج هذا النهج ـ ولله الحمد والمنة ـ يتولى أمرها حكام مسلمون آمنوا بالله واليوم الآخر، وحافظوا على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووقفوا عند حدودهما والتزموا بأحكامهما. حضروا المساجد مع الرعية، وفتحوا لهم الأبواب، يكرمون الزائر، ويحترمون العالم ويجلونه، ويسمعون النصح والإرشاد بكل أدب واحترام وهذا ما حصل.
فهذه البلاد تحذو سلف الأمة في العلاقة بين الحكام والمحكومين عامة وبين الحكام والعلماء خاصة، ولذا لا يوجد في عرف بلاد الحرمين ـ وهو عرف نابع من الإسلام ـ رجال دين ولا رجال دنيا، فكل مسلم هو رجل من رجال الإسلام ومن يعتقد بالإسلام يسمى مسلماً، والمسلمون جميعاً أمام دين الإسلام سواء (..إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..)، لكن يوجد علماء ربانيون يوجهون الناس يعلمونهم ويدلونهم على الخير، والناس بلا علماءهم جهال تتخطفهم شياطين الإنس والجن من كل حدب وصوب وتعصف بهم الضلالات والأهواء من كل جانب، ومن هنا كان العلماء من نعم الله تعالى على أهل الأرض؛ فهم مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، وحجّة الله في أرضه.
بهم تمحق الضلالة من الأفكار، وتنقشع غيوم الشك من القلوب والنفوس؛ فهم غيظ الشيطان، وركيزة الإيمان، وقوام الأمة، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بهم في ظلمة الحياة في البر والبحر.
إن ما نعيشه في بلاد الحرمين الشريفين من نعمة الأمن والأمان والسلامة والإسلام مرده إلى تحكيم شرع الله، وما تقوم به هذه البلاد المباركة من جهود خيّرة تعود على المسلمين جميعاً ويأتي في طليعة ذلك العناية بالحرمين الشريفين والقيام على شئونهما، وبذل الأموال الطائلة على عمارتهما، وتيسير الوصول إليهما، وتأمين طريق الزائرين لهما في موسم الحج وفي سائر العام، وهذه نعمة تستوجب الشكر والدعاء لولاة أمرنا بالتوفيق والصلاح والفوز والفلاح والعزة والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن يحفظ الله على هذه البلاد نعمة الأمن والإيمان، وأن يزيدها عزاً وتمسكاً بشرعه القويم ووقوفاً في وجه الباطل وأهله والمفسدين في الأرض الذين لا يريدون لهذه البلاد الاستقرار والأمن والطمأنينة، ولكن الله غالب على أمره يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد.
(المقال الثالث)
من حقوق ولاة الأمر
(السمع والطاعة لهم)
جريدة الرياض 10/ 8/ 1417هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإن السمع والطاعة والولاء لولاة أمر المسلمين أصل من أصول العقيدة السلفية؛ إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا.
وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة.
يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: “لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان”، والسمع والطاعة لولي الأمر وحده وليس ذلك لأحد سواه كائناً من كان، فمن نزّل نفسه منزلة ولي الأمر الذي له القدرة والسلطان على سياسة الناس، فدعا جماعة للسمع والطاعة له أو أعطته تلك الجماعة بيعة تسمع وتطيع له بموجبها، وولي الأمر قائم ظاهر فقد حادَّ الله ورسوله وخالف نصوص الشريعة واتبع غير سبيل المؤمنين.
يقول سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: “لا يزال الناس بخير ما عظّموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم” تفسير القرطبي (5/260).
ومنهج أهل السنة والجماعة تعظيم أمر السلطان ما دام يعظم أمر الله ويتبع شرعه، وأما حصول الأخطاء والتقصير فهذا لا يسلم منه أحد ولم تسلم منه القرون المفضلة.
والذي ينبغي الحذر منه أن يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس.
كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها.
وكم من المصائب والمآسي التي حصلت لمجتمعات كثيرة بسبب هذا الأمر، ومتى حصل الخلل في المجتمع أوشك أن تضرب الفتنة أطنابها وبالتالي لا يستقيم للمجتمع بنيان ولا يقر له قرار.
وعلى العكس إذا فشت المحبة المتبادلة بين الراعي والرعية، وبين العامة وعلمائهم، وظهر الدعاء لولاة الأمور وللعلماء فإن ذلك من علامات خيرية الأمة وخيرية الأئمة.
وبناء على ذلك فلا يجوز الوقوع في أعراض الأمراء والعلماء والاشتغال بسبهم وذكر معايبهم لأن ذلك خطيئة كبيرة وجريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر وذمّ فاعلها وهي نواة الخروج على ولاة الأمر الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً.
ولا شك أن الوسائل لها أحكام المقاصد فكل نص في تحريم الخروج وذمّ أهله دليل على تحريم السب وذمّ فاعله.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”( رواه البخاري (6019)، ومسلم (48)، وفي الصحيحين أيضاً عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله: أي الإسلام أفضل؟ قال: “مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ” رواه البخاري (10)، ومسلم (40) .
نسأل الله جل وعلا أن يعصم ألسنتنا من الوقوع في أعراض الخلق وخصوصاً من له الحق من الولاة والعلماء والأساتذة وغيرهم، كما نسأله بمنه وكرمه أن يحفظ ولاة أمرنا وعلماءنا من كل سوء ومكروه، وأن يديم علينا نعمة الاستقرار والأمن في الأوطان، وأن يثبتنا على الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(المقال الرابع)
مفهوم النصيحة
وأثرها على الفرد والجماعة
جريدة المسلمون 12/ 12/ 1417هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :”الدِّينُ النَّصِيحَةُ” قُلْنَا لِمَنْ ؟ ، قال : “لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ” رواه مسلم (55).
كرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات اهتماماً للمقام وإرشاداً للأمة أن يعلموا حق العلم أن الدين كله ـ من ظاهره وباطنه ـ منحصر في النصيحة وهي القيام التام بهذه الحقوق الخمسة التي تشمل القيام بحقوق الله وحقوق رسوله وحقوق جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم وطبقاتهم، فشمل ذلك الدين كله ولم يبق منه شيء إلا دخل في هذا الكلام الجامع المحيط.
فطوبى للناصحين وما أعظم توفيقهم، وما أهدى طريقهم، لا تجد الناصح إلا مشتغلاً بغرض يؤديه وفي جهاد نفسه عن محارم ربه ونواهيه، وفي دعوة غيره إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وفي التخلق بالأخلاق الجميلة والآداب المستحسنة، إن رأى من أخيه خيراً أذاعه ونشره، وإن اطلع منه على عيب كتمه وستره، وليس من الإنصاف وفسحة الصدر رفض المشورة إن خالفت هواه بدعوى أن الآخرين في صدورهم شيء نحوه كما لا يحق للمستشار أن يسيء الظن إن رفضت مشورته.
شاور سواك إذا نابتك نائبه ** يوماً وإن كنت من أهل المشورات
ولا ينبغي أن تكون المناصحة للأفراد علانية أمام الملأ لئلا تؤدي إلى مفسدة أعظم.
قال الفضيل رحمه الله: “المؤمن يَسْتُرُ ويَنْصَحُ، والفاجرُ يهتك ويُعيِّرُ “. أنظر: جامع العلوم والحكم (1/ 236).
وقال بعضهم : “مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبخه”.
وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه ويحبون أن يكون سراً فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها، فشتان بين من قصده النصيحة وبين من مقصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة.
قال الخطابي رحمه الله حول هذا الحديث في معالم السنن (4/126): “من النصيحة لله سبحانه: صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتابه: الإيمان به والعمل بما فيه، والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم: التصديق بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنصيحة لأئمة المسلمين: أن يطيعهم في الحق وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم”.
وقال محمد بن نصر المروزي رحمه الله في تعظيم قدر الصلاة (2/691).: “قال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة: هي عناية القلب للمنصوح له كائناً من كان، وهي على وجهين: أحدهما فرض، والآخر نافلة، فالنصيحة المفترضة لله هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض ومجانبة ما حرم، وأما النصيحة التي هي نافلة فهي إيثار محبته على محبة نفسه وذلك أن يعرض له أمران: أحدهما لنفسه والآخر لربه، فيبدأ بما كان لربه ويؤخر ما كان لنفسه.
فهذه جملة تفسير النصيحة لله الفرض منه، وكذلك تفسير النافلة إلى أن قال: “وأما النصيحة لكتابه: فشدة حبه وتعظيم قدره، إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، وشدة العناية في تدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه أو يقوم به له بعد ما يفهمه، وأما النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فبذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته وبذل المال إذا أراد والمسارعة إلى محبته.
وأما بعد وفاته فالعناية بطلب سنته والبحث عن أخلاقه وآدابه وتعظيم أمره ولزوم القيام به.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة اختراق الأمة عليهم والدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل.
وأما النصيحة للمسلمين: بأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم وإن ضره ذلك في دنياه”.
وقال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم (1/ 236) :”وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين النصيحة، فهذا يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل عليه السلام وسمى ذلك كله ديناً، فإن النصح لله يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها وهو مقام الإحسان فلا يكمل النصح لله بدون ذلك”.
وقال ابن سعدي رحمه الله: “أما النصيحة لله فهي القيام بحقه وعبوديته التامة، وعبوديته تعم ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان كلها وأعمال القلوب والجوارح وأقوال اللسان من الفروض والنوافل وفعل المقدور منها، ونية القيام بما يعجز عنه.
وأما النصيحة لكتابه: فهي الإقبال بالكلية على تلاوته وتدبره وتعلم معانيه وتعليمها والتخلق بأخلاقه وآدابه، والعمل بأحكامه واجتناب نواهيه والدعوة إلى ذلك.
وأما النصيحة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو: الإيمان الكامل به وتعظيمه وتوقيره وتقديم محبته واتباعه على الخلق كلهم، وتحقيق ذلك وتصديقه باتباعه ظاهراً وباطناً في العقائد والأخلاق والأعمال، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، والحرص على تعلم سنته وتعليمها واستخراج معانيها وفوائدها الجليلة وهي شقيقة الكتاب.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاتهم: فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم ووجوب طاعتهم بالمعروف وعدم الخروج عليهم وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله وبذل ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم كل أحد بحسب حاله، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم واجتناب سبهم والقدح فيهم، وإشاعة مثالبهم فإن في ذلك شراً وضرراً وفساداً كبيراً فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك. وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وبعبارة تليق بالمقام، ويحصل بها المقصود فإن هذا مطلوب في حق كل أحد وبالأخص ولاة الأمر، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير وذلك علامة الصدق والإخلاص.
واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم إني نصحتهم وقلت وقلت، فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص وفيه أضرار أخرى معروفة، وأما النصيحة لعامة المسلمين فقد وضحها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ” لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”.
هذه النقول الموثقة من العلماء الأعلام تبين أهمية النصيحة وكيفيتها واختلافها من شخص لآخر حسب الظروف والملابسات والأحوال والأشخاص فما يناسب الأمير والعالم غير ما يناسب عامة الناس، وما يناسب القريب والصديق يختلف عما يناسب غيرهما، وما يناسب الصغير خلاف ما يناسب الكبير، وما يناسب من تكرر منه الأذى والمنكر يختلف تماماً عن الشخص الذي يحدث منه لأول مرة وهكذا.
ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً وأكثره نفعاً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما يحدث منهم ولا ينبغي أن يكون ذلك من على المنابر وفي مجامع الناس، لما في ذلك من إثارة للعامة وإشعال للفتنة.
وهذا مسلك خاطئ ومخالف لما كان عليه العالمون مع ولاة الأمر في كل زمان ومكان يحكم فيه بالإسلام، وسبيل المؤمنين في ذلك جمع قلوب الناس على ولاة الأمر والدعاء لهم بالخير والصلاح، وهذا منهج أهل السنة والجماعة القيام بالمناصحة لكن بضوابطها الشرعية، وحسب مقتضيات الأحوال وما يناسب الأشخاص، فيحذر الناصح من المنكرات عموماً دون تخصيص فاعل كالتحذير من الزنى عموماً، ومن الربا عموماً، ومن الظلم عموماً، ونحو ذلك.
وليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة ومن في حكمهم من العلماء ومن له مسؤولية وذكر ذلك في المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى والتشرد وإثارة العامة، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين الولاة والكتابة إليهم أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون بهم حتى يوجهوا إلى الخير. وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفى إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلانا يفعلها، وأما التشويش وإثارة البلبلة على المنابر والتشهير بالناس وتضخيم الأمور والمبالغة فيها وتهويلها والنقد العلني فليس ذلك من منهج أهل السنة لأن هذا المسلك يوغر الصدور ويثير العامة ويجعلهم يتحدثون في أمور لا علاقة لهم بها، وكم جنت هذه الطريقة العقيمة على الناس لأنهم يخرجون من المسجد دون فائدة اللهم إلا إثارة العواطف التي لا فائدة من ورائها وإنما تضر البلاد والعباد.
وإن بلادنا ـ بلاد الحرمين الشريفين ـ مرت بتجارب من هذا القبيل حيث كثر في فترة ماضية من يشوشون ويثيرون العوام والشباب دون وعي بالمخاطر التي يؤدى إليها ذلك الأسلوب فحصل من المشاكل والعقبات ما الله به عليم، ولا أدل على ذلك من جنوح بعض الشباب وتجنيهم على العلماء الصادقين وترديدهم كلام الأعداء الحاقدين الذين يريدون ببلادنا شراً.
إن أسلوب المناصحة الشرعي يؤدي ثمرته عاجلاً وعلى العكس الأسلوب الأهوج الأعوج يبذر بذرة الشر التي تتنامى حتى تكبر فتفسد على المجتمع أمنه وطمأنينته.
ومن أمثلة ذلك ما يصدر من النشرات التي تروج الكذب وتتهم الأبرياء ولم يسلم من شرها وزيفها حتى العلماء العاملون وولاة الأمر المخلصون.
فحري بك أخي القارئ أن تنهج الأسلوب الأمثل، وأن تكون عامل بناء وإصلاح، وألا تنساق خلف الناعقين والداعين لهدم المجتمع بأساليب ما كرة خبيثة.
أسأل الله أن يحمي بلادنا ومقدساتنا وولاة أمرنا وعلماءنا من كل سوء ومكروه، وأن يديم نعمة الأمن والاستقرار في ظل الحكم بشريعة الله، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.
وختاماً:
فما ذكرته هو نماذج من الوحيين، وكلام سلف الأمة المتقدمين والتابعين لهم بإحسان من العلماء الراسخين في تقرير أصل من أصول أهل السنة والجماعة، وبيان حقوق ولاة الأمر ولزوم طاعتهم عقيدة ومنهجاً، ومن خلال هذه النصوص لا يسع الناظر المتجرد فيها إلا التسليم والانقياد، ولزوم الجادة، تعبداً لله تعالى بهذا الأصل العظيم، الذي سار عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
فهرس الكتاب
م | الموضــــوع | الصفحة |
1 | مقدمة الكتاب. | |
2 | أولاً: الأبحاث: | |
3 | بحث بعنوان: (منهج أهل السنة والجماعة في مناصحة ولاة أمرهم). | |
4 | المقدمة. | |
5 | المطلب الأول: معنى النصيحة في اللغة والاصطلاح. | |
6 | المطلب الثاني: الفرق بين النصيحة والتعيير والغيبة. | |
7 | المطلب الثالث: مفهوم النصيحة لولاة الأمور. | |
8 | المطلب الرابع: المظاهرات والفوضى ليست من النصيحة لولي الأمر. | |
9 | •التفريق بين الإصلاح وبين تكوين معارضة أو إثارة فتنة. | |
10 | •التفريق في النصيحة بين حال الأمن وحال الخوف والحرب. | |
11 | المطلب الخامس: مذهب أهل السنة والجماعة في كيفية المناصحة لولاة الأمور. | |
12 | المطلب السادس: صور وأمثلة في حياة السلف في كيفية النصح لولاة الأمور | |
13 | 1ـ صورة من تعامل شيخ الإسلام بن تيمية مع السلطان الملك الناصر. | |
14 | 2ـ صورة من تعامل الإمام أحمد مع ظلم الحاكم: | |
15 | 3ـ صورة من وصية السلف ونصحهم لأبنائهم في كيفية التعامل مع ولاة أمورهم: | |
16 | 4ـ صورة من وعظ السلف بحضور الخليفة: | |
17 | 5ـ صور من تهدئة السلف غضب الحكام: | |
18 | 6ـ صورة من مناصحة السلف للخارجين على الحاكم: | |
19 | 7ـ صور من ندمهم عند خروجهم على ولاة أمورهم: | |
20 | المطلب السابع: مشروعية الدعاء لولاة الأمور بالصلاح والرشاد: | |
21 | الخاتمة. | |
22 | ثانياً: المقالات: | |
23 | المقال الأول: منهج أهل السنة والجماعة في معاملة ولاة أمرهم (1). | |
24 | المقال الثاني: منهج أهل السنة والجماعة في معاملة ولاة أمرهم (2). | |
25 | المقال الثالث: من حقوق ولاة الأمر السمع والطاعة لهم. | |
26 | المقال الرابع: مفهوم النصيحة وأثرها على الفرد والجماعة. | |
27 | فهرس الموضوعات. |
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([2]) رواه مالك في الموطأ، في مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8334)، وأحمد (2 327)، وصححه الألباني، في الصحيحة برقم (685).
([3]) رواه ابن ماجه (230)، وصححه الألباني، في صحيح الجامع برقم (2309).
([4]) انظر: لسان العرب (2/ 615).
([6]) صيانة صحيح مسلم، ص (223-224).
([7]) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي، ص (79).
([8]) معالم السنن للخطابي (4/125).
([9]) الفرق بين النصيحة والتعيير، ص (10).
([11]) الأذكار، النووي، ص (188) بتصرف.
([12]) انظر في ذلك: الأذكار للنووي، ص (290-291).
([13]) مجموع الفتاوى (28/237-238).
([14]) شرح النووي على مسلم ( 16/ 143).
([16]) الفرق بين النصيحة والتعبير لابن رجب، ص (39).
([17]) معالم السنن للخطابي (7 /247).
([18]) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن ناصر المروزي (2/ 693-694).
([19]) جامع العلوم والحكم (1/193-194).
([20]) جامع العلوم والحكم (1/188).
([21]) المجموعة الكاملة (1/398).
([22]) حقوق الراعي والرعية مجموعة للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ص(6، 7، 8).
([23]) من فتوى للشيخ مطبوعة ضمن رسالة حقوق الراعي والرعية، ص (27).
([24]) مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري، ص (27، 28).
([25]) انظر: فتوى سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (6/418).
([26]) رواه أحمد (16865)، والحاكم في المستدرك (5269)، والبيهقي في شعب الإيمان (7469)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (998).
([27]) رواه أحمد (15333)، وصححه الألباني في ظلال الجنة:(2/521-522).
([28]) رواه الترمذي (2224)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2029) .
([29]) رواه أحمد (20433)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/376).
([31]) الآداب الشرعية (1/195-197).
([32]) الآداب الشرعية (1/176).
([33]) تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الهالكين، ص (64).
([34]) رواه أحمد (19415) واللفظ له، وابن ماجه (174) بنحوه مختصرا، وحسنه الألباني في تخريج السنة (2/523).
([36]) جامع العلوم والحكم (1/225).
([39]) فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ (12/190).
([40]) الضياء اللامع من الخطب الجوامع (2/216).
([41]) كلمة ألقاها سماحة الشيخ في اللقاء المفتوح بجدة في فندق ماريوت مساء الأربعاء: 25/7/1412 هـ ونشرت في الصحف المحلية ومنها المدينة يوم السبت: 28/7/1414 هـ.
([42]) مجموع فتاوى ومقالات لسماحة الشيخ أبن باز (7/131).
([44]) رواه مالك في الموطأ، في مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة (8334)، وأحمد (2 327)، وصححه الألباني، في الصحيحة برقم (685).
([46]) الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة، ص (99 – 100 ).
([47]) فتاوى اللجنة الدائمة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/791).
([48]) الدرر السنية في الكتب النجدية (3/119).
([49]) أنظر: ابن تيمية حياته وعصره آراءه وفقهه، لأبي زهرة، ص (5).
([50]) انظر هذه الرسالة: في مجموع الفتاوى (28 /398).
([51]) الآداب الشرعية (1/237).
([52]) الآداب الشرعية (1/238).
([53]) الآداب الشرعية (1/239).
([54]) الآداب الشرعية (1/248).
([55]) الآداب الشرعية (1/249).
([56]) البداية والنهاية لابن كثير (12/308).
([57]) البداية والنهاية لابن كثير (12/342).
([58]) شرح السنة، ص (113- 114 ).
([60]) حلية الأولياء (8/91) وأخرجه ابن عساكر من طريق أبي يعلي، عن عبد الصمد (48/445).
([61]) ذكر شيخ الإسلام أن الفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل وغيرهما كانوا يقولون: (لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان ) ( الفتاوى ) ( 28/391 ).
([63]) عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص (92، 93).
([65]) الشريعة للآجري (1/371.)
([66]) التمهيد لابن عبد البر (21/287).
([67]) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (8/210).
([68]) سراج الملوك للطرطوشي، ص: (43).