76 – لقاء حول البنوك
لقاء حول البنوك
تأليف
أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) هل نجحت البنوك الإسلامية في أن تكون بديلاً عملياً ناجحاً عن البنوك التقليدية؟
(2) أنت ممن تصدوا بالتأليف في دراسة البنوك الإسلامية من جهة نشأتها وتاريخها، ومن جهة بحث عقودها ومعاملاتها بكل أنواعها في كتابكم (البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق)، والسؤال: إذا كانت العقود الحاكمة للتعامل المصرفي في الإسلام والتي فصلت القول فيها في كتابكم هي الإطار الذي تنحصر فيه حركة ونشاط البنوك الإسلامية المصرفية، فهل هذا الانحصار يضعف قدرة البنوك الإسلامية على المنافسة؟
(3) يوجد في كثير من المعاملات والعقود التي تجري في عالم المال والبنوك الكثير من الخلافات بين الفقهاء والعلماء، كما أشرت في كتابك ـ مثلاً ـ إلى مسألة الخصم من الكمبيالة والسند الإذني، ورأينا مجموعة من الباحثين والفقهاء يجيزون هذا الإجراء بأنواع مختلفة من الحجج والأدلة، ورأينا آخرين يمنعون منها مطلقاً، وآخرين يفصلون، بل إن الخلاف وصل في بعض الأحيان إلى مسألة جوهرية مثل بحث جواز أخذ العائد والفوائد على المدخرات تحت مختلفة أيضاً، والسؤال: مع هذه الاجتهادات المتنوعة، ما هي الخطوط العريضة التي تجعل هذا البنك إسلامياً، وذلك ليس بإسلامي؟
(4) كيف ترى تجربة فتح أقسام للتعامل الإسلامي في البنوك التقليدية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ج1: إيمان المسلم وصبره على الشدائد، وانتظاره للمثوبة الأخروية، كل ذلك يزيد من جده ونشاطه، وعطائه، ويضاعف من سعيه وكسبه، لأنه يؤمن إيماناً جازماً أنه إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
وقد ظل فترة من الزمن في حيرة من أمره وهو يصرف أموالاً استخلفه الله فيها، فهو متردد بين تنميتها وسط تيار المعاملات الربوية المتفشية، وبين حصرها في حدود ضيقة لا تحقق المردود الذي يطمع صاحب المال فيه.
وهنا كانت الصحوة والمبادرة من علماء متخصصين ومجتهدين في الاقتصاد الإسلامي، وكان ميلاد البنوك الإسلامية التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية تطبيقاً عملياً لما للبنوك من أثر فعال في الحياة الاقتصادية فجاءت هذه البنوك طوق نجاة لأموال غرقى في الحرام فهي دولة بين الأغنياء تارة وأضعافاً مضاعفة على الفقراء تارة أخرى، ولذا فالبنوك الإسلامية مهما قيل فيها وعنها إلا أنها انطلاقة مباركة للتصحيح، ويكف أنها لا تعلن محاربة الله ورسوله في أبواب الربا، أما القصور والملاحظات فلا يسلم منها أي منشأة اقتصادية على وجه الأرض إلا ما رحم ربك.
ج2: إذا توفرت الأموال بيد مجموعة من الناس فإنه ينبغي لهم أن يوظفوها في متطلبات المجتمع ومشاريعه الحيوية بحيث تعود عليهم بالنفع في ذواتهم، وبالتالي يعود النفع من بعدهم لمجتمعهم، ولذا فلابد من مراعاة الأسس التي يقوم عليها استثمار رأس المال في الإسلام، ومن أهمها:
(1) تحريم الربا في جميع المعاملات التجارية.
(2) عدم قصر التمويل على نوع معين، أو نشاط معين، أو قطاع معين، بل توظيف المال في كل مجالات يتاح بعيداً عما حرم الله.
(3) منع الاحتكار سواء على مستوى الأفراد، أو الهيئات، أو المؤسسات المصرفية.
(4) المشاركة في العمل، أو في رأس المال.
(5) اعتبار التمويل قرضاً تعبدياً، فإن حصل ربح وإلا فالأصل الاحتساب.
(6) إمهال المدين المعسر، وعدم التضييق عليه مهما كانت الحاجة لما عنده.
ومتى حققنا هذه الأسس، وبنينا عليها أي معاملة فلن نعدم لها مخرجاً شرعياً، فالعقود التي تحكم هذه كثيرة، وما على المتخصص إلا أن يخرج المعاملة على إحدى العقود الشرعية.
ج3: الله جل وعلا لم يجعل علينا في ديننا من حرج، وكلما ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير، وأي معاملة تجد عند الناس، بل أي نازلة تنزل بالمسلمين فلابد لها من حل وتخريج، ولكن هنا تتباين الأفهام، وتختلف المدارك، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خاطب صحابته خطاباً واضحاً جلياً، واستمعوه منه مباشرة، ومع ذلك اختلفوا في فهمه، فكيف ببعض القضايا والمستجدات في هذه الأوقات، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته: (ألا لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)، ففهم بعض الصحابة أن ذلك حث من الرسول صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الذهاب لبني قريظة، ومناجزتهم لنقضهم العهد، فأدوا الصلاة في وقتها وهم في الطريق إلى بني قريظة، وأخذ آخرون من الصحابة بحرفية النص، ولم يصلوا حتى وصلوا بني قريظة، وصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجميع لأنهم فعلوا ذلك عن اجتهاد، وهذا غاية ما يستطيعونه، وهكذا المعاملات بين الناس، فمتى توفرت في المنشأة التجارية الضوابط التالية فهنا تكون إسلامية، ويكون قربها وبعدها منها حسب قربها وبعدها من هذه الضوابط:
(1) ألا تخالف هذه المنشأة التجارية أحكام الشريعة الإسلامية بأي شكل من الأشكال.
(2) أن تكون قادرة على الحركة والنشاط حسب الواقع المعاش مع توخي الربح قدر الإمكان.
(3) أن يمكنها نظامها بوصفها ـ منشأة إسلامية ـ من ممارسة الدور الذي تتطلبه الحياة الاقتصادية.
وعلى هذه المنشأة أن تركز على مبدأ المشاركة بالربح، وكذا على موضوع الزكاة، وأي معاملة مستجدة تعرضها على هيئة متخصصة للنظر في إمكان قيام المنشأة بها من عدمه، أو تعديلها لتتفق مع الصيغة الشرعية.
ج4: التعامل الإسلامي ليس حكراً على منشأة معينة، أو جهة خاصة، أو بلد خاص، بل كل من طبق الإسلام بمفهومه العام والخاص فهو داخل ضمن هذا الإطار، وهذه الأقسام الإسلامية في البنوك التقليدية ينظر في مدى توافقها مع أحكام الشريعة من عدمه.
وعلى قدر هذا التوافق يكون النظر في شرعية هذه الأقسام، وعلى كل حال فأي معاملة صحيحة يجريها البنك التقليدي فنحن نحكم بصحتها وسلامتها وشرعيتها، ولو كان البنك يتعامل بالربا فلكل معاملة حكمها الخاص، وعلى الباحث وطالب العلم أن يدقق في المسائل التي تعرض عليه، وخصوصاً قضايا بين السيارات، والأراضي، والبيوت، ويتأكد من سلامة المعاملة من عدمه، ثم يحكم عليها.
ونحن نشجع أي منشأة تفتح أقساماً إسلامية مهما كانت نوايا أصحابها لأن في ذلك خيراً كثيراً، وسداً لباب من أبواب الشر، وفتح مجالات التعامل الشرعي بين الناس، وكل فرد يتعامل مع هذه الأقسام عليه أن يتحرى في معاملته، ويتأكد منها، وإن شك فيسأل أهل الاختصاص والنظر الشرعي، والله جلَّ وعلا يسدد كل طالب للخير ومتحرٍ للحلال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.