وداع رمضان وصدقة الفطر – خطبة الجمعة 28-9-1443هـ
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللَّهُ فلا مضلَ لهُ، ومنْ يضلِل فلا هاديَ لهُ. وأشْهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ وسلَّم تسليماً مزيدا، أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جلَّ وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].
أيُّها الصائمون: مضى شهرُ رمضانَ وكأنَّهُ طيفٌ عابرٌ، ولم يبقَ منه إلا سويعاتٌ قليلةٌ، وهو شاهدٌ علينا بما استودعناه فيه من أعمالِنا، رَبِحَ فيه مَنْ قدَّم لنفْسِه واجتهدَ، وخَسِرَ فيه من فرَّطَ وأساءَ وظلمْ، وإنَّ القلبَ ليحزنْ، والعينَ لتدمعْ، لوداعِ هذا الشهرِ المباركِ، فقد كانت بيوتُ اللهِ فيه تُعمرُ بالمصلينَ، والذاكرينَ، والتَّالينَ لكتابِ اللهِ، والقائمينَ والراكعينَ والساجدينَ والقانتينَ، والمخبتينَ والمتضرعينَ والمستغفرينَ.
أيُّها الصائمونَ: لقدْ أمرَكم اللهُ تعالى في نهايةِ شهرِكم بإخراجِ زكاةِ فطرتِكم، طهرةٌ للصائمِ من اللَّغوِ والرَّفثِ، وطعمةٌ للمساكينَ وشكرٌ للهِ تعالى على إكمالِ الصيامِ، فأدُّوها رَحمَكمُ اللهُ على الوجهِ المشروعِ طيبَةً بها نفوسُكم مِنْ أوسطِ ما تطعمونَ أهليِكم.
ومِنَ المسائِلِ المتعلِّقةِ بزكاةِ الفطرِ ما يأتي:
أولاً: أنَّها واجبةٌ على الكبيرِ والصغيرِ، والذكرِ والأنثى، والحرِّ والعبدِ.
ثانيًا: أَنْ تكونَ صاعًا مِنْ غالبِ قوتِ البلدِ، سواءٌ كانَ تمرًا أو برًّا أو شعيرًا أو زبيبًا أو أقطًا أو أرزًا، أي ما يعادلُ: ثلاثة كيلو جراماتٍ تقريبًا، ويجزئُ عن هذهِ الخمسةِ كلُّ شيءٍ يُقتَاتُ في البلدِ: الأرزُ والذرةُ والدُّخنُ وغيرُها.
ثالثًا: يُستحبُ إخراجُها عن الحملِ في بطنِ أمِّهِ إذا نُفختْ فيه الروحُ.
رابعًا: لا يجوزُ إخراجُها مالاً، لأنْه خلافُ سنةِ النبيِّ ﷺ الذي أَمَرَ بإخراجِها طعاماً وقدَّرهُ بالصاعِ.
خامسًا: أن يُخرجها المسلمُ عن نفسِه وعمَّن يقومُ بنفقتِه.
سادسًا: أَنْ يكونَ محلُّ إخراجِها البلدَ الذي وافاهُ تمامُ الشهرِ وهو فيه، ومَنْ كانَ في بلدٍ وعائلتُه في بلدٍ آخر فإنه يُخرجُ فطرتَهم في بلدِهم، ويخرجُ عن نفسِه في البلدِ الذي هو فيه، وإن عمَّدهم يُخرجونَ عنه وعنهم في بلدِهم جاز، وإن أخرجَ عنهم في بلدِه جاز.
سابعًا: تُعطى صدقةُ الفطرِ لفقراءِ البلدِ الذين تحلُّ لهم زكاة ُالمالِ، سواءٌ كانوا من أهلِ البلدِ أو من الفقراءِ القادمينَ عليه من بلدٍ آخرَ.
ثامنًا: يَجبُ على المسلمِ أن يعطي زكاةَ فطرهِ لمن يستحقُّها كي تجزئَهُ، ولا يصرفُها لفروعِه وأصولِه وزوجتِه ولا مَنْ تلزمُه نفقتُه.
تاسعًا: لا يجوزُ نقلُ صدقةِ الفطرِ إلى بلدٍ آخرَ إلا إذا لم يُوجدْ في بلدهِ فقراءُ من المسلمين، فإنَّه يرسلُها إلى فقراءِ أقربِ بلدٍ إليه، لأنَّ النبيَّ ﷺ أَمَرَ بإخراجِها إلى فقراءِ البلدِ الذي يُفطرُ فيه الصائمُ ليلةَ العيدٍ.
عاشرًا: السُّنةُ في وقتِ إخراجِها مِنْ بعدِ صلاةِ الفجرِ إلى وقتِ صلاةِ العيدِ، ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين.
أحد عشر: مَنْ فاتَه إخراجُها في يومِ العيدِ فإنَّه يخرجُها بعدَه قضاءً صدقةً مِنَ الصدقاتِ.
اثنا عشَرَ: أَنْ تُدفَع الزكاةُ في وقتِ الإخراجِ إلى المستَحقِّ أو إلى وكيلهِ، ولا يكفي أَنْ يجعلَها أمانةً عند شخصٍ ليس وكيلاً للمستَحقِ.
ثلاثةَ عشرَ: يجوزُ للفقيرِ أن يُخرجَ فطرتَه مما أُعطي مِنَ الصدقاتِ.
أربعةَ عشرَ: يجوزُ دفعُ صدقةِ الجماعةِ إلى فقيرٍ واحدٍ، ويجوزُ دفعُ صدقةِ الشخصِ الواحدِ إلى جماعةٍ من الفقراءِ.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[البقرة:185].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنون، واعلموا أنَّ نبيَّكم ﷺ أَمَرَ بأداءِ صلاةِ العيدِ في جماعةِ المسلمينَ، وأَمَرَ النساءَ والأطفالَ، حتَّى الحُيَّضَ منهنَّ بالخروجِ لها وشهودِ الصلاةِ والفرحِ بالعيدِ مع المسلمين؛ فعلى المسلمِ أَنْ يحرصَ على حضورِ الصلاةِ، فهي عبادةٌ جليلةٌ، ومناسبةٌ عظيمةٌ، لا ينبغي التفريطُ فيها، والنومُ عنَّها.
عبادَ اللهِ: ومما يُستَحبُّ لمنْ أرادَ الخروجَ لأداءِ صلاةِ العيدِ ما يأتي:
(1) أَنْ يغتسلَ ويَتطيَّبَ ويَلبسَ أحسنَ الثيابِ، أما النساءُ فيَخرجنَ إِلى الصلاةِ غيرَ متزيِّناتٍ ولا متطيِّباتٍ.
(2) أَنْ يُفطرَ على تمراتٍ قبلَ خُروجهِ لصلاةِ العيدِ.
(3) أَنْ يَذهبَ من طريقٍ ويَرجعَ من طريقٍ آخرَ، فعَنْ جَابِرٍ رضىَّ اللهُ عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِي إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) رواه البخاري (986).
(4) يُستَحبُّ اصطحابُ النساءِ والأطفالِ والصبيانِ دونَ استثناءٍ كما كانتْ سنتُه ﷺ.
(5) ليسَ من السنةِ التنفُّلُ قبلَ صلاةِ العيدِ أو بعدَها في مصلياتِ الأعيادِ؛ أما إذا أُدِّيتْ في المسجدِ فتؤدَّى تحيةُ المسجدِ.
(6) يُسَنُّ لمنْ فاتَتْهُ صلاةُ العيدِ أو فاتَه بعضُها: قضاؤُها على صفتِها؛ بأنْ يصلِّيهَا ركعتين بتكبيراتِها، وما فاتَه يُتمُّه على صفتِه.
(7) يبدأُ التكبيرُ من غروبِ شمسِ آخرِ يومٍ من رمضانَ إِلى خروجِ الإمامِ للصلاةِ، وصفتُه «اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ»، وكذلك بلفظِ: «اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ كبيرًا»، ويُسنُّ رفعُ الصوتِ بالتكبيرِ للرجالِ، أما النساءُ فتسرُّ بالتكبيرِ.
(8) يُستَحبُّ التهنئةُ بالعيدِ، فعن جُبيرِ بن نُفيرٍ قالَ: كانَ أصحابُ النبيِّ ﷺ إذا الْتَقَوْا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهم لبعضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنّا ومنكَ. قال الألباني في تمام المنة (354): إسناده صحيح.
أسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يتقبَّلَ منَّا ومنْكمْ الصيامَ والقيامَ والدعاءَ وصالحَ الأعمالِ، وأَنْ يجعلنَا وإيَّاكم فيه من المقبولينَ.
الَّلهم لا تجعلْ شَهْرَ رمضانَ يمضي إلّا وقد أَعْطيتَ كلّاً منَّا مرادَه، ومَلأَتَ قلبَه بفيضَِ كرمِك وحقَّقتَ له ما كانَ يأملُه، الَّلهم اجْعلْهُ سببًا في مغفرةِ ذنوبِنا، وماحياً لزلاتِنا، ومغيّراً لنفوسِنا، الُّلهم اجْعلنَا فيه مِمَّن شَمِلتْهمْ الرحمةُ وعمََّتهمْ المغفرةُ وفازوا بالعتقِ من النَّارِ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 28/9/1443هـ