15- الإخلاص وأثره في قبول الأعمال
15- الإخلاص وأثره في قبول الأعمال – pdf
الإخلاص
وأثره في قبول الأعمال
تأليف
أ. د / عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
البداية
لا بد لكل عمل ليكون مقبولاً بإذن الله أن يتوفر فيه شرطان:
الأول: أن يكون خالصاً لله تعالى، وصدق الله العظيم [مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ].
الثاني: أن يكون صواباً على وفق ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(رواه مسلم).
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]([1]).
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]([2]).
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا]([3])، وبعد:
فتلبية لرغبة المجلس الأعلى للإعلام قمت بكتابة هذا البحث، بعنوان الإخلاص والفاعلية لما لهذا الأمر من أهمية خاصة، حيث أن الإخلاص هو أصل الدين، وبدونه لا تقبل الأعمال.
وصدق أحد العلماء وهو يقول:(وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلاَّ، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك…).
والناس اليوم على وجه الأرض على اختلاف عقائدهم، ودياناتهم، وتعدد رغباتهم يقومون بأعمال وتصرفات كثيرة، ظانين أنَّ فيها السعادة، ونسوا أو تناسوا أنَّ الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم وموافقاً لشرعه الحكيم .
وكأني أنظر إلى الناس وقد ضعفت عزيمتهم، وقلت فاعليتهم، وركنوا إلى الخمول والكسل، فأصبحوا محتاجين إلى شحنه تُقَوِّي عزيمتهم، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الصواب لقبول أعمالهم .
لذا عمدت إلى الكتابة في هذا البحث، علَّها أن تكون خطوة مباركة على طريق العلم .
وقد تحدثت في هذا البحث عن الإخلاص وأهميته، وعلاماته، وثمراته، ثم ذكرت نبذة مختصرة عن الرياء وعلاجه لما له من خطر عظيم على الأعمال. ثم عرجت بالحديث عن الفاعلية، وكيف يكون المسلم عنصراً فعالاً في المجتمع الذي يعيش فيه.
وفي الختام أزجي خالص شكري وتقديري للمجلس الأعلى للإعلام ممثلاً في رئيسه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود الذي أولاني هذه الثقة في الكتابة حول هذا الموضوع الهام.
وأسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
أبو محمد/عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الزلفي في ضحوة الاثنين: 25/ 3/ 1426هـ
الإخلاص ودوره في الفاعلية
تعريف الإخلاص لغة:
الإخلاص لغة : النجاة، خلص الشيء أي نجا وسلم من كل نشب. والمخلص الذي وحَّد الله تعالى خالصاً، ولذلك قيل لسورة قل هو الله أحد: سورة الإخلاص، لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله عز وجل. وكلمة الإخلاص هي كلمة التوحيد([4]).
وقيل الخالص: الذي زال عنه شوبه الذي كان فيه فصار صافياً([5]).
ويأتي الإخلاص بمعنى الاختصاص، فكما يقال: استخلص الشيء لنفسه أي استخص نفسه به، فكذلك إخلاص العمل لله، أن تخص به الله دون غيره([6]).
تعريف الإخلاص اصطلاحاً:
لقد ذكر العلماء معاني كثيرة للإخلاص، لكن أكثرها شمولاً هو قول أبي محمد سهل بن عبد الله التستري الذي يقول فيه: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركاته وسكناته في سرًه وعلانيته لله تعالى وحده، لا يمازجه شيء لا هوى ولا نفس، ولا دنيا([7]).
وقال غيره:
الإخلاص: إفراد الله تعالى بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو معنى آخر سوى التقرب إلى الله تعالى.
أدلة من القرآن والسنة تحث على الإخلاص
أولاً: من القرآن:
قال تعالى: [وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ]([8]).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: مخلصين له الدين، أي مخلصين له العبادة، ومنه قوله تعالى:[قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ]([9]) وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره ([10]).
ومعنى الآية: أي عبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، والميل عن الشرك وأهله، وإقام الصلاة، وإنفاق للمال في سبيل الله وهو الزكاة، فمن حقق هذه القواعد فقد حقق الإيمان، كما أمر به أهل الكتاب، وكما هو دين الله على الإطلاق، دين واحد،وعقيدة واحدة.
وقال تعالى: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ]([11]).
قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنَّ العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة([12]). ثم قرأ قوله تعالى: [فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً]([13])، وقال تعالى: [إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ]([14]).
وقال تعالى على لسان إبليس لعنه الله: [قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ]([15] ). وقال تعالى: [وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً]([16]). وهي الأعمال التي كانت على غير السنة، وأريد بها غير وجه الله([17]).
أحاديث من السنة تدعو إلى الإخلاص
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)([18]). قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: (على المسلم أن يستحضر النية ولابد له في جميع العبادات من ثلاثة أشياء:
1_ نية العبادة.
2_ أن تكون لله.
3_ أنه قام بها امتثالاً لأمر الله([19]).
وعلى المسلم أن يعلم أن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل. والعمل إذا كان لله تعالى قُبل، أمَّا ما كان لغير الله لا يحبط فحسب بل إنَّ صاحبه يلقى مصيراً مشيناً لأنه اتخذ مع الله شريكاً، وهذا ما يوضحه الحديث الذي رواه ضمرة عن أبي حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن الملائكة يرفعون عمل عبد من عباد الله فيستكثرونه ويزكونه حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه فيوحي الله تعالى إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إنَّ عبدي هذا لم يُخلص لي عمله فاكتبوه في سجين، ويصعدون بعمل عبد فيستقلونه ويحقرونه حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه فيوحي الله إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا أخلص لي عمله فاكتبوه في عليّين)([20]).
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم وإن قلت، فهذا القليل يضاعفه الله تعالى بفضله. قال تعالى: [وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً]([21]). ويرد الأعمال التي لا يبتغي بها وجهه وإن كثرت.
ومن الأحاديث التي تحث على الإخلاص من السنة الشريفة :
الحديث الذي رواه النسائي عن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له) فأعادها ثلاث مرات، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا شيء له) ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه. وقد جاءت أحاديث في السنة تبين فضل المخلصين ومنزلتهم وثوابهم منها:
ما رواه ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء)([22]). ومنها حديث سعد أبي وقاص الذي يقول له النبي صلى الله عليه وسلم فيه:(… إنك لن تُخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلاَّ ازددت به درجة ورفعة…)([23]).
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مات والله عنه راضٍ)([24]).
وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فرب حامل فقه غير فقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىءٍ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم)([25]).
وحديث أبي الدرداء يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل)([26]).
والمرء مجازى على ما نواه وما أكنه في صدره. فالله سبحانه وتعالى مُطَّلع على ما يخفيه العباد، وما يظهرونه قال تعالى:[أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور*وحصل ما في الصدور]([27]).
ويدل على ذلك أحاديث كثيرة منها:
ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)([28]).
قال فضيلة الشيخ محمد العثيمين في شرح هذا الحديث: ( قد تجد الرجلين يصليان في صف واحد مقتديين بإمام واحد، يكون بين صلاتهما كما بين المشرق والمغرب، لأن القلب مختلف، أحدهما قلبه غافل، بل ربما يكون مرائياً والعياذ بالله يريد الدنيا، والآخر قلبه حاضر يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم([29]).
وكما ذكرنا آنفا أن المرء يجازى بنيته، نرى عظيم رحمة الله تعالى تتجلى في الأحاديث الآتية: ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من هم بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كُتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف. ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب، وإن عملها كُتبت)([30]).
وعن معن بن يزيد رضي الله عنه قال: (… وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن)([31])([32]).
شروط قبول العمل الصالح
1_ أن يكون فاعله مسلماً، موحداً، لا يشرك بالله شيئاً، مؤمناً بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء خيره وشره من الله تعالى.
وقد اشترط الله سبحانه وتعالى شرط الإسلام في جميع العبادات لقبولها. قال تعالى:[وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ]([33]).
وأوضح الله سبحانه وتعالى أركان الإيمان فقال: [كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ]([34]).
لذا يبين الله سبحانه وتعالى أنه لا يقبل من غير المؤمنين، لأن غير المؤمنين كالمنافقين والكفار لا يعملون الأعمال إلا رياءً وسمعة.
قال تعالى: [وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ]([35]).
2_ أن يكون ذلك العمل خالصاً لله ولا يراد به إلا وجه الله والدار الآخرة فإذا اختل شرط الإخلاص، وقصد به غير الله تعالى أصبح العمل رياءً وشركاً. وهذا ما يوضحه الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:)رُبَّ صائم ليس من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس من قيامه إلا السهر)([36]).
فالصائم والمصلي إذا لن يبتغيا بعملهما وجه الله فلا ثواب لهما.
والله سبحانه وتعالى يميز الأعمال يوم القيامة فما كان لله تعالى قُبِل، وما كان لغير الله يُرمى في نار جهنم.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:)يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال: ميزوا منها ما كان لله عز وجل فيماز، ويرمى سائره في النَّار)([37]).
كما روي عن بعض الحكماء أنه قال: مثل من يعمل الطاعات للرياء والسمعة، كمثل رجل خرج إلى السوق، وملأ كيسه حصاة، فيقول الناس: ما أملأ كيس هذا الرجل، ولا منفعة له من عمله سوى مقالة الناس ولا ثواب له في الآخرة([38]). كما قال تعالى:[وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً]([39]).
3_ أن يكون العمل وفق ما جاء به الشرع الحكيم، في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتضى فعل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)([40]). وقال صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ)([41]).
علامات الإخلاص
إن للإخلاص علامات إذا وجدت في المسلم، عرف بها أنَّه مخلص منها:
1- استواء المدح والذم من العامة:
فالمسلم بعد قيامه بالعمل تجد أن مدح الناس له وذمهم إياه سواء، لأنه ينتظر الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، الذي ابتغى بوجهه الكريم هذا العمل. وهذا هو ميزان الإخلاص الذي توزن به الأعمال، ويتميز به بعضها عن بعض. فالخطيب مثلاً إذا نزل من المنبر، وصلَّى بالنَّاس، وانتهت الصلاة، ولم ينتظر أن يمدحه أحد من الناس، فذاك المخلص، بل يستوي عنده المدح والذم. لذا ترى حبات اللؤلؤ تنفرط من عقد لسانه الذكي قائلاً: يا أخي لا تشكرني أنا، ولكن اشكر الله عز وجل، الذي وفقني في المجيء إليكم، وأمدني بهذا العلم من عنده لأفقهكم في دينكم.
من هنا ترى أن المخلصين لا ينسبون ما هم فيه إلى أنفسهم، بل يرجعون الفضل كله إلى الله تعالى، ولا تُهمُّهم مقاييس البشر، بل هم يتضرعون إلى الله لأن يقبل منهم، ولكي لا تحبط أعمالهم، وأن يقيهم الله عز وجل نار جهنم يوم القيامة.
قال تعالى على لسان هؤلاء المخلصين:[إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ]([42]).
2- اقتضاء ثواب العمل في الآخرة:
بأن يريد المرء بهذا العمل، التقرب إلى الله تعالى،والفوز برضا الله تعالى عليه، ودخول الجنة بإذن الله تعالى، وَمنّه، وفضله. لأن الطريق الوحيد للفوز برحمة الله ورضوانه، هو إخلاص العمل لله وحده. وإن من أعظم ما يفعله المخلص أن يستر عمله عن الناس جميعاً. بل الأعظم من ذلك أن يسدي المعروف إلى من أساء إليه، ثم يستر هذا المعروف، مقتدياً بخلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه.
حكم العمل إذا خالطه مع الإخلاص شيء آخر
بادئ ذي بدء: العمل الذي يراد به وجه الله تعالى مقبول، بل هو سبب للثواب. قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ]([43]).
والعمل الذي لا يراد به إلا الرياء، فهو على صاحبه، وليس له، ويكون سبباً للعقاب. قال تعالى في حق المنافقين المرائين:[إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً]([44]). وهذان القسمان لا خلاف فيهما.
أما العمل المشوب الممتزج بشوب الرياء وحظوظ النفس، فهو الذي فيه نظر، وهل الجزاء عليه بالثواب؟ أم بالعقاب؟ أم أنه لا يقتضي هذا ولا ذاك؟
نقول وبالله التوفيق:
إن كان الباعث على العمل الإخلاص، وأنه قد سبق الرياء الذي عُرض للعبد بعد نيته المخلصة، فإن ثوابه على هذا العمل بقدر ما أخلص فيه. ويكون حكمه كمن قطع النية في أثناء العبادة وفسخها، فيترك استصحاب حكمها.
وإن كان البعث على العمل الرياء، ثم عرض له أن يحول نيته لله تعالى، فهذا لا يحتسب له الثواب على هذا العمل، إلا من وقت تحويله النية لله. فإن كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بما صح به أولها،وجبت الإعادة كالصلاة. ولا يجب الإعادة في عبادة كالحج، فربما أحرم عبدٌ لغير الله ثم قلب نيته لله عند الطواف أو الوقوف بعرفات، فهذا لا يقبل منه عمله.
أما إذا امتزج بالعمل مع الإخلاص حظ من حظوظ النفس،كالكسب المادي مثلاً، فإنه يثاب بقدر ما أخلص في هذا العمل، بل يضاعف الله تعالى الحسنة إلى عشر أمثالها،كالذي يخرج للحج ومعه تجارة فهذا يصح حجُّه، متى كان الحج هو المحرك الأصلي. قال تعالى: [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..]([45]).
وكالذي يغزو ويقصد الغزو، والغنيمة، على أن يكون قصد الغنيمة على سبيل التبع، يحصل له الثواب، ولكن ثوابه ليس كثواب من لا يلتفت إلى الغنيمة أصلاً([46]).
ثواب المخلصين في الدنيا والآخرة
بدأ الله سبحانه وتعالى حديثه في سورة ( النعم )([47]) عن عالم الملائكة، ثم عالم السماوات والأرض، ثم عالم البشر، ثم عالم الحيوان، ثم عالم النبات، ثم عالم الأفلاك، ثم عالم البحار، ثم ما في باطن الأرض من خيرات، ثم أخبر عباده أنهم لا يستطيعون أن يعدوا نعمه التي لا تحصى. وإن من نعمه سبحانه وتعالى في هذه السورة أنه يجازي عباده المخلصين بالخير في الدنيا، ويوفي لهم أجورهم في الآخرة.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر أربع آيات في تلك السورة: قال تعالى:[وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ]([48]).
وقال تعالى:[وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ]([49]).
وقال تعالى:[مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]([50] ).
وقال تعالى:[وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ]([51]).
وهذا يدل على عظيم رحمته سبحانه وتعالى، وكرمه لعباده، أنه يجازيهم بالخير في الدنيا، ويحسن لهم الجزاء أيضاً في الآخرة، المخلصين منهم خاصة، وقد ذكر لهم ذلك ليطمئنهم،ويثقوا فيما في يد الله أكثر من ثقتهم مما في أيديهم، عندما يعلمون أنهم سيوفون أجورهم التامة يوم القيامة ، بعدما أنعم الله عز وجل عليهم من خيره العظيم في الدنيا، قال تعالى:[وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..]([52] ).
ولقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضل المخلصين منها:
ما رواه ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء )([53]).
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم (من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة،ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة)([54]).
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً):.. ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك )([55]).
والعبد إذا تعلق بالدنيا وجعلها همه أعطته ظهرها، على العكس من الزاهد المخلص الذي يتعلق بالآخرة ويجعلها شغله الشاغل، يرى الدنيا وقد أتته راغمة، فسبحان الله على عظيم بلائه للعباد!!!
ويجسد تلك الحقيقة حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة)([56]).
وفي ثواب المخلصين يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه)فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله)([57]).
فالمخلصون معهم الله لأنهم يقصدون بأعمالهم وجه الله، ومن كان الله معه فلا يقدر عليه أحد، ومن ليس معه الله فلا ينفعه أحد.
وقد تحدث الإمام ابن تيمية رحمه الله عن الإخلاص مبيناً ثواب المخلصين ومنزلتهم عند الله تعالى، وسوء عاقبة المرائين فقال:( إذا كان العبد مخلصاً، اجتباه ربه فيحيي قلبه، واجتذبه إليه فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من حصول ضد ذلك بخلاف القلب الذي لم يخلص لله، فإنه في طلب وإرادة وحب مطلق، فيهوي ما يسنح له، ويتشبث بما يهواه كالغصن أيُّ نسيم من يعطفه أماله.
فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة، فيبقى أسيراً عبداً لمن لو اتخذه هو عبداً له كان ذلك عيباً، ونقصاً وذماً. وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة، فترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ويستعبده من يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق.
وتارة يستعبده الدرهم والدينار، وأمثال ذلك من الأمور التي تستعبد القلوب، والقلوب تهواها فيتخذ إلهه هواه، ويتبع هواه بغير هدى من الله.
ومن لم يكن خالصاً عبداً له قد صار قلبه معبداً لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، ويكون ذليلاً له، خاضعاً، وإلا استعبدته الكائنات، واستولت على قلبه الشياطين، وكان من الغاوين إخوان الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه)([58]).
بذلك نرى البون شاسعاً، والفرق كبيراً بين المخلص والمرائي، فهل شمر للإخلاص المشمرون؟ وأخذوا بينهم وبين مهالك الرياء التي ذكرت آنفاً وقاية، ليأمنوا من عذاب الله وغضبه يوم القيامة.
ثمرات الإخلاص
للإخلاص ثمرات كثيرة وفوائد جمَّة نذكر منها ما يلي:
1_ الإخلاص يوجد الدافع عند المسلم للعمل والمبادرة
فالمخلص يعلم أن الذي سيجازيه بالخير على عمله الله سبحانه وتعالى، لذا هو يسعى جاهداً لإرضاء الله تعالى، والفوز بالجنة يوم القيامة، فتجده يحب العمل ويبادر به، والذي يدفعه إلى ذلك هو الإخلاص. لأن الذي يجتهد في الطاعات، ولا تكون أعماله خالصة لوجه الله تعالى لم تنفعه أعماله بغير إخلاص، بل إن ذلك يُعدُّ اغتراراً منه. وفي هذا المعنى يقول أحد الحكماء([59]): من عمل سبعة دون سبعة لم ينتفع بما يعمل:
أولا: أن يعمل بالخوف دون الحذر، يقول: إني أخاف الله، ولا يحذر من الذنوب فلا ينفعه ذلك القول شيئاً.
ثانياً: أن يعمل بالرجاء دون الطلب، يقول: إني أرجو ثواب الله تعالى، ولا يطلبه بالأعمال الصالحة، فلا تنفعه مقالته شيئاً.
ثالثاً: النية دون القصد، كأن ينوي بقلبه أن يعمل بالطاعات والخيرات، ولا يقصد بنفسه لم تنفعه نيته شيئاً.
رابعاً: الدعاء دون الجهد، بمعنى أن يدعو الله تعالى أن يوفقه للخير ولا يجتهد هو في ذلك، لم ينفعه دعاؤه شيئاً، بل كان ينبغي عليه أن يسعى ويجتهد، ليوفقه الله تعالى، ويستجيب منه، قال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]([60]). أي الذين جاهدوا في طاعتنا وفي ديننا لنوفقنهم لذلك([61]).
خامساً: الاستغفار دون الندم يقول: أستغفر الله، ولا يندم على ما كان منه من الذنوب، لم ينفعه الاستغفار بغير الندامة.
سادساً: العلانية دون السريرة، أي يصلح أموره في العلانية ولا يصلحها في السر لم تنفعه علانيته شيئاً.
سابعاً: أن يعمل بالكد دون الإخلاص، فلا تنفعه أعماله بغير إخلاص. والمسلم لا يطلب الأجر إلا من الله تعالى. يقول الله تعالى مبيناً ذلك: [وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى]([62]).
فالداعي إلى الله مثلاً ليكون داعياً بحق، وليكون وارثاً نبوياً، وعالماً ربانياً،عليه أن يخلص في دعوته، لا يريد إلا نشرها في ربوع المعمورة واعتناق الناس للإسلام، اعتناقاً صحيحاً شاملاً من جميع جوانب الحياة. إذا رأى المنكر تغير وجهه وأنكره، لا يغضب لنفسه قط، بل يغضب للحق ويتمعر وجهه عندما تنتهك حرمات الله، فإذا به ينتصر للإسلام ابتغاء وجه الله، لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وليس من أجل الظهور، وحب المدح، وحظوظ النفس.
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما أسلم وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلَّمه الرسول ما له من حقوق وما عليه من واجبات تجاه هذا الدين الإسلامي الحنيف. ومن هذه الواجبات تبليغ دعوة الله عز وجل، والأخذ بأيدي الناس إلى طريق الهداية. فأخذ أبو بكر يبذل كل ما في وسعه تجاه هذا الأمر ولم يكن يبتغي من وراء ذلك رضا محمد صلى الله عليه وسلم بل كان يرجو رضا الله ورحمته. لذلك كان ثابت العقيدة، قوي الإيمان، يوم أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس قائلاً: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت([63]).
ثم تلا هذه الآية قال تعالى: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ]([64]).
بينما وقف عمر بن الخطاب في وسط الناس يقول: والله ما مات رسول الله. ونرى أن أبا بكر لم يقف هذا الموقف ويذكر هذا الكلام إلا انتصاراً للحق، ولكي يؤصل في نفوس الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، ونهاية كل بشر الموت، فلقد أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه بذلك في القرآن الكريم، قال تعالى:[إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ]([65]).
وقد ظهر هذا المعنى العظيم في موقف خالد بن الوليد عندما كان يبارز أحد الكفار في غزوة من الغزوات فكسر سيف الكافر، فلم يجد مفراً من خالد إلا أن بصق في وجهه فأدخل خالد رضي الله عنه سيفه في مغمده، فسأله بعض الجند لم فعلت ذلك؟ ولم تقتله، وقد بصق في وجهك!! فقال رضي الله عنه: (خشيت أن أقتله فأكون انتصرت لنفسي، ولم أنتصر لدين الله عز وجل).
فالمسلم مع الحق حيث كان، متجرداً عن كل هوى، أو تعصب ممقوت. يبتغي بجميع أعماله وجه الله تعالى. إن قام لله، وإن قعد قعد لله وبإرادة الله، وإن استعان استعان بالله، وإن سكن اطمأن بالله، وإن سأل سأل الله، وإن عمل عمل لله، وإن أعطى أعطى لله وعلم أن المال من الله رزقه به وأمره بإنفاقه في وجوه الخير. فاستيقاظه لصلاة الفجر رضا من الله، واستعداده بالوضوء للصلاة توفيق من الله، ودخول المسجد لأداء الصلاة رحمة من الله به. فالرجلان يخرجان من بيت واحد، يتجه أحدهما إلى المسجد، ويتجه الآخر إلى الملهى، ويترك العبادة، فالله عز وجل لا يختار لدينه إلا الأتقياء الأصفياء الذين يستحقون ذلك لأنهم يخلصون في جميع أعمالهم لله تعالى. كما يقول الله عز وجل:[ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ]([66]).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن مسعود: (..وإن الله ليعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه..)([67] ).
فعندما يتيقن المسلم أن عمله كله لله، وبتوفيق الله، سارع وبادر بالأعمال الطيبة وشارك في جميع أمر الخير، وتعاون مع الناس على البر، والتقوى، وسخَّر نفسه وماله وكل طاقته للعمل لدين الله تعالى، ورفع كلمة التوحيد عالية خفاقة في كل مكان. حيث تمكنت مبادئ. هذا الدين من قلبه، وعقله، وعلم أن مهمات هذا الدين: النية التي تحكم كل نشاط المسلم
يقول ابن القيم رحمه الله:(المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات، والعبادات، كما هي معتبرة في التقربات، والعبادات. فالقصد، والنية، والاعتقاد يجعل الشيء حلالاً، أو حراماً، وصحيحاً أو فاسداً، وطاعة أو معصية، كما أن القصد في العبادة: يجعلها واجبة، أو مستحبة، أو محرمة، أو صحيحة، أو فاسدة([68]).
وما يجذب المسلم إلى فعل الخير، ويجعله يبادر بالأعمال الصالحة إلا الإخلاص، لأنه يتمنى دائماً أن تكون جميع أعماله مقبولة. ويردد قول عمر رضي الله عنه وهو يقول: (اللهم اجعل عملي صالحاً واجعله لك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً)([69]).
2_ الإخلاص يفتح مجالات واسعة للعمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته مالاً ولم يؤته علماً فيقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الوزر سواء)([70] ).
فالمسلم ما دام أنه قد أسلم وجهه لله، وأخلص نيته لله، فإن حركاته وسكناته، ونومه، ويقظته، تحسب في ميزان حسناته لأنه ابتغى بها وجه الله تعالى.
ونرى في الحديث السابق ذلك المسلم الذي أخلص النية لله تعالى وتمنى أن يكون معه المال، لينفقه في سبيل الله، تقرباً لله، لا يبتغي به إلا وجه الله الأعلى، فهذا يؤجر على نيته الطيبة، وإن لم يقم بالعمل لعدم مقدرته عليه. كالذي ينوي الحج وليس معه النفقة فهذا مثاب بنيته بإذن الله تعالى.
قال بعض السلف: (إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي، وشربي، ونومي، ودخولي الخلاء، وفي كل ذلك، مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى، لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن، وفراغ القلب من مهمات الدين)([71]).
والناس يختلفون في نياتهم، فمنهم من يأكل اشتهاءً للطعام، وتلذذاً بصنوفه المختلفة، ومنهم من يأكل بنية التقوى على عبادة الله.
ومنهم من يرى صنبوراً مفتوحاً بأحد المساجد فيغلقه لأنه يأنف رؤيته مفتوحاً، بينما يغلقه آخر بنية الحفاظ على ثروات المسلمين والتي من أهمها الماء.
ومن المسلمين من يتزوج من أجل الرغبة الجنسية، والاستمتاع بامرأة جميلة، بينما يتزوج آخر من أجل أن يحصن نفسه، ويغض بصره، وينبت ولداً صالحاً يعبد الله عز وجل من بعده، فيكون بذلك قد أصاب السنة، وأكثر من نسل المسلمين، وحافظ على النوع البشري فيؤجر على إخلاصه في نيته هذه.
ومنهم من يتعلم، ويُحصَّل العلم الشرعي، ويحصل على الشهادات العلمية من أجل أن يذيع صيته، ويشتهر بين الناس. وترى آخر يتعلم، ويحصَّل العلم الشرعي من أجل أن يفقه الناس في دينهم، وينتشلهم من الجهل، إلى التبصر بأمور الدين والدنيا. وهكذا يستطيع المسلم أن يحول العادات إلى عبادات إذا ابتغى بها وجه الله تعالى. وبذا يتميز عن غيره، الذي يقوم بهذه العادات ولا مبتغى له ولا قصد له من وراء فعلها إلا هوى النفس وجمع الدنيا. فتنقلب معه الطاعات إلى معاص بفساد هذه النية. ولا ينال منها إلا الخسران المبين. بينما من يصلح نيته، ويخلص قلبه لله رب العالمين، ترفع له منزلة أعماله الدنيوية البحتة، إلى ان تصير أعمالاً صالحة مقبولة.
وبذلك إذا ابتغى المسلم بجميع أعماله وجه الله تعالى تفتحت أمامه مجالات واسعة للعمل، فتجده يجعل أكله، وشربه، ولبسه، ونومه، وحياته، وعمله، وتنزهه، ورحلاته، وعمله، علمه كله لله تعالى. حتى عندما يأتي أهله لأنه يمتثل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه:(..وفي بضع أحدكم صدقة..)([72]).
وحتى ما يجعله في فم امرأته، يبتغي به وجه الله فيؤجر على إخلاصه هذا. لأنه ابتغى بأعماله وجه الكريم الجواد، الذي يعطي ويمنح،ويجود،ويصفح،ابتغى بها وجه القادر على أن يثيبه ثواباً عظيماً على ما أخلص، فيتفضل عليه بأعظم نعمه عليه يوم القيامة،وهي الفوز برحمة الله ورضوانه.
ذلك المسلم الذي يضع نصب عينيه قول الله تعالى:[قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ]([73]). وبذلك يسعى المؤمن لأن يبتغي بكل عمل وجه الله تعالى لأنه يعلم أنه سيؤجر عليه مرَّات ومرَّات. سيؤجر عليه في حياته قال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]([74] ). ويؤجر عليه بعد موته قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علمٌ ينتفع به)([75]). ويظل عليه بعد موته هكذا إلى يوم القيامة، فيؤجر عليه الأجر التام الوافي.
قال تعالى [وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ]([76]).
وقال تعالى: [وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى]([77]).
وفي هذا المقام يقول الإمام السيوطي:
إذا مات ابن آدم ليس يجري | *** | عليه من فعل غير عشر |
علوم بثها ودعاء نجل | *** | وغرس النخل والصدقات تجري |
ورائه مصحف ورباط ثغر | *** | وحفر البئر أو إجراء نهر |
وبيت للغريب بناه يأوي | *** | إليه أو بناه محل ذكر |
وتعليم لقرآن كريم | *** | فخذها من أحاديث بحصر |
والإخلاص بالنسبة للمسلم يمثل سفينة النجاة، من الغرق في محيط النفاق، والشرك، والرياء، وحب المدح والثناء، وحبط الأعمال وبوارها.
فالداعي إلى الله مثلاً في عمله، ونشاطه، وكتابته، وخطابته، وجهاده، وصبره ومشاركته في كل ما يخدم دين الله عز وجل، أحوج ما يكون إلى الإخلاص، حتى لا تضيع أعماله هباءً منثوراً.
فمن أجل أن توجد أمامه مجالات كثيرة للعمل،فعليه أن يجدد النية عند كل عمل ويقوِّم القصد،ويصفي النفس.
فالإخلاص هو صمام الأمان للمؤمنين في حياتهم، به تزكو أعمالهم، وتضاعف جهودهم، وأجورهم، وتزداد فاعليتهم، ويشاركون في مجالات شتى في العمل، يريدون رفعة الإسلام وعزته.
وبالإخلاص، تكون الأقوال والأعمال، وتكون العبادة والطاعة، وبالإخلاص يكون التصديق بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم العمل بها، وبالإخلاص يكون التعليم، والتعلم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإنفاق في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله، والبذل، والعطاء، والتضحية، وصلة الرحم، وبالإخلاص يكون التحاب في الله والقيام بحقوق المسلم، والحفاظ عليها، وبالإخلاص تكون مراعاة حق الجار، ونصحه ومعاونته، والأخذ على يديه إذا فرَّط، والسؤال عنه، وغض البصر عن محارمه، وبالإخلاص تكون الرحمة والشفقة على المساكين، ومواساة الأيتام والأرامل، حتى أنك تفرغ من دلوك في دلو أخيك تؤجر على ذلك، بل الأعظم من ذلك أن تبسمك في وجه أخيك صدقة إذا ابتغيت بها وجه الله تعالى.
وهكذا يجد المسلم الميدان للعمل أمامه كبيراً، والمجالات واسعة، ومتعددة ومختلفة، وما عليه إلا أن يخلص، فإذا به تتفتح أمامه أبواب كثيرة للخير وبذلك يتحقق فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه)([78]).
فيصبح المسلم نواة كل خير، يساعد بكلتا يديه المحتاج، ويعطي الفقير، ويكون في خدمة الناس على أن يبدأ في ذلك بأهله. عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)([79]). ولا يكون له دافع من وراء ذلك إلا مرضاة الله وابتغاء وجه الكريم. فيكون في قمة سعادته عندما يرى أنه يمازح أهله ومع ذلك يؤجر على فعله هذا. والسلم يعلم تماماً المعيار والضابط الذي يقبل الله به الأعمال من العباد. لذلك هو يجتهد قدر طاقته أن تكون أعماله كلها خاصة لله تعالى لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم،وأرفع الناس عند الله منزلة المتواضعون،وأقرب الناس إلى الله في قبول الأعمال المتقون المخلصون،الذين تحدث الله عنهم في كتابه العزيز وخصهم بقبول الأعمال قال تعالى:[إنما يتقبل الله من المتقين]([80])، أي ممن اتقى الله وأخلص في فعله ذلك. روى ابن أبي حاتم عن ميمون بن أبي حمزة قال: (كنت جالساً عند أبي وائل، فدخل علينا رجل، يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ بن جبل، فقال له شقيق ابن سلمة: يا أبا عفيف، ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل؟ قال: بلى سمعته يقول: يحبس الناس في بقيع واحد، فينادي منادٍ: أين المتقون؟ فيقومون في كنف الرحمن، لا يحتجب الله منهم، ولا يستتر، قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك، وعبادة الأوثان، وأخلصوا العبادة، فيمرون إلى الجنة)([81]).
والآية السابقة تتحدث عن قابيل وهابيل ابني آدم، وإنما حسد قابيل أخاه هابيل وغضب عليه لقبول قربانه دونه، حيث كان الأتقى هو هابيل. يقول الله تعالى:[وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ]([82]).
إذن فقبول الأعمال لدى رب العالمين من العباد مقترن بالتقوى والإخلاص. والأتقياء هم الذين ابتغوا بأعمالهم وجه الله، وكانت أعمالهم موافقة للشرع أما الحسب والنسب والمال فلا قيمة لها في الإسلام لقبول الأعمال، فليست الأمور كما كان يتمنى كفار قريش وهم يقولون:[لولا نزل هذا القرآن على رجل من القرتين عظيم]([83]).
بل الأصل في ذلك كله قول الله تعالى: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم]([84]).
3_ الإخلاص يضمن ويكفل الاستمرارية
لكي يستمر إخلاص المرء ولا ينقطع، عليه أن يتخلص من الرياء، والمحمدة عند الناس، من ثم يبارك الله له في أعماله.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله)لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح، والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء على والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص)([85]).
والإخلاص عامل من عوامل الارتقاء الحضاري واستمراره، حيث أن القائمين على الأمور والولاة في كل مكان إذا أخلصوا في أعمالهم، وابتغوا بها وجه الله تعالى وكانوا في عمل دءوب من أجل خدمة الرعية، يبارك الله لهم في كل ما ملكهم من أسباب القوة، والحياة، والرزق، وأصبحت لهم كلمة تسمع لدى الأمم الأخرى،كلمة لها وزن وتقدر لدى الجميع، كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في صدر الإسلام.
والعمل المقبول رسم شروطه منهج الله تعالى وبين طريقته، وساحته، وميادين هذا العمل مهما قلت، أو ضاق نطاقها، فإن كل عمل نابع من الإيمان متصل بمنهج الله تعالى هو عبادة.
والعمل لا يعد صالحاً ولا مقبولاً،حتى ولو كان عبادة إلا عندما يكون خالصاً لوجه الله. فإذا توفَّر الإخلاص في أفعال المسلم كلها،ظهرت لديه روح الجهاد وأصبح يحب الجهاد في سبيل الله حباً عظيماً([86]).
ذلك الجهاد جهاد طويل لا يتوقف، جهاد في كل ميدان بل في أحلك الظروف والأحوال، كل عامل في ميدانه وفي نطاق عمله فعندما تتضافر الجهود، ويزداد البذل والعطاء والتضحية من الزارع في مزرعته، والتاجر في متجره، والصانع في مصنعه، والمدارس في معهده أو كليته، والخطيب في مسجده، والضابط في حراسته، والأمير في إمارته، والقاضي في محكمته، بإخلاص، وإتقان، ووعي، وحرص شديد، لا يتوقف العمل، بل يزداد وينمو، ويبارك الله لهم في كل ما يفعلون، وتستمر الجهود، ولا تعرف للانقطاع طريقاً، بسبب هذا الدافع القوي العجيب وهو الإخلاص.
وهؤلاء الجنود يعملون ليل نهار من أجل خدمة دينهم، ورفعة أمتهم،ورفع لواء التوحيد عالياً خفاقاً،فترى ثمرات ذلك نتائج طيبة،تلك النتائج تحققت في وجود عمل مدروس، مخطط، وفق منهج علمي، شرعي، صحيح. فالإخلاص يجعل طاقات المؤمنين تبذل، وتتحرك، وفاعليتهم تزداد، وتحركاتهم وآثارهم واضحة، في كل مكان، ومجال. يفرغون تلك الطاقات في عمل دءوب دون أن ينتظروا مكافأة من أجد من البشر، بل كل ما يسعون إليه، والفوز به هو رضوان الله تعالى عليهم.
لأن همهم الوحيد التقوى، والصلاح، والإخلاص، فهم أغنياء عن مسألة الناس، يتعففون السؤال، ويرضون بالقليل بما قدر لهم الرزاق ذو القوة المتين.
وهؤلاء المخلصون لا يتحركون كما ذكرنا آنفا، إلا بالعزيمة والنية، فبدون الإخلاص والنية تنهار العزيمة، لأنها نية العبادة، والإخلاص لله رب العالمين.
ونيات المخلصين نيات متجردة عن المصالح، والأمزجة الهوائية، والرغبات المعطلة، نية إخلاص وتجرد لربهم سبحانه وتعالى. فالنية هي أساس النهج والتخطيط السليم، وهي منطلق العزيمة، والطريق، والحافز إلى الهدف والغاية.
والتخطيط والعزيمة، والطريق الموصل للهدف، وهو طريق الله المستقيم هذه الأمور الثلاثة لها أهمية عظمى، في حياة كل من رفع شعار الإخلاص، وجعله من أساسيات حياته، يشترك فذلك الفرد، والأمة.
فالأمة التي تتحرك وتسير بدون نية، ولا تخطيط، ولا نهج علمي،ولا عزيمة، ولا سبيل يوصلها إلى أهدافها، وغايتها، هي أمة سرعان ما تسقط من حساب المجتمع الدولي ومن ثم تُزْوى عن الوجود شيئاً، حتى تتهاوى نهائياً.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ومثلٌ أعلى يحتذى به في التخطيط، والعزيمة، والسبل الموصلة إلى الأهداف، والأخذ بالأسباب الذي يعد من أعظم مظاهر الإيمان بالله تعالى.
فكما قيل: الأخذ بالأسباب من الإيمان بالله تعالى، لكن لا يعتمد عليها فالمؤمن عليه أن يعتمد على مسبب الأسباب وهو الله تعالى.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك الإطار الإيماني والنهج الرباني،في هجرته المباركة من مكة على المدينة المنورة.كما تقول كتب السير المعتمدة([87]).
أنه صلى الله عليه وسلم: أحكم التخطيط ونظم السير، وخادع الأعداء، وكان كل أمر يقوم به تراه منظماً تنظيماً دقيقاً، وما ترك أمراً من الأمور إلا وأعد له عدته، ووضع له خطة محكمة بتوفيق الله عز وجل. فاتفق مع أبي بكر الصديق على مكان اللقاء، وأحضر دليلاً للطريق، وجعل بينه وبين قريش مركزاً للمعلومات والإحصاء، واتُّفِقَ على من يحضر لهم الزاد، حتى يرحلون إلى بغيتهم من غار ثور. وكان ذلك كله في إطار منهج الله تعالى.
والإخلاص، والتخطيط السليم يجعلان جهود المسلم محفوظة، ولا تتبعثر بل يصبانها في مجرى واحد دفاق بالخير.
فها نحن نرى تقدماً عظيماً، ورقياً واضحاً، ونجاحاً لا مثيل له في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عصر خلفائه الراشدين.
والتخطيط السليم والعزيمة القوية لا يتحركان بمجرد الوعظ والإرشاد والاهتمام بالنواحي الإيمانية فقط، علماً بأن الوعظ والإرشاد له دوره المهم الواضح، إذا اهتم فيه بالجوانب الروحية لدى المسلم، وذلك بأن توجد محاضرات، ودروس علمية يتحدث فيها عن الفاعلية، وكيف يصل المسلم إلى مرحلة استشعار معية الله عز وجل، فيراقب الله في كل أعماله، ويعطي من خلال هذه المحاضرات شحنة إيمانية كبيرة، تجعله يتحرك في ميادين الحياة الواقعية بكل يسر وسهولة وبكل حماس، وفاعلية، وقوة لا تتوقف بإذن الله تعالى ويا حبذا لو عممت هذه المحاضرات على جميع المستويات، ويختار فيها الموضوعات التي ترقق القلوب، وتحفز النفوس للعمل لدين الله عز وجل، ولارتقاء حضارة هذه الأمة.
نقول: ومع أهمية الوعظ والإرشاد بمكان، لكنهما لا يكفيان لتحرك العزيمة القوية، والتخطيط السليم، بل لا بد من الشحنة الفعلية العملية المباشرة المحسوسة.
فإذا كان الوعظ والإرشاد هو الدافع الروحي، فإنَّ التدريب، والرعاية والتنظيم هو الدافع المادي للحركة، والعمل، والبناء، والتكوين، والمراقبة وتلك المراقبة والمتابعة من الرئيس للمرؤوس لا تتعارض والإخلاص، بل هي تزيد من فاعلية المسلم، وتجعله في إخلاص دائم وعمل مستمر لا ينقطع.
وإذا أردنا مهارة عالية، ومستوى فائقاً، وارتقاءً واضحاً، وتزداد فعلية أبناءنا في جميع ميادين الحياة، فإننا ننصح بالاهتمام بالتعليم الفني خاصة من جانب أبناءنا الطلاب ليتم تدريبهم على أعلى مستوى تكنولوجي حديث خاصة في مجال الصناعة.
وإننا في هذا البلد المبارك بلد الحرمين الشريفين،الذي يجمع بين الاهتمام بالأمور الشرعية، وبين الارتقاء بمظاهر الحياة العملية،ويتميز على سائر بلاد الدنيا في تحكيم شرع الله، نلحظ اهتماماً متميزاً في الصناعات والمصانع، وها هي الدولة تبذل بسخاء لمساعدة هذه المصانع على أداء رسالتها لكن الذي ينقصنا هو رغبة أبنائنا وشبابنا، وإقدامهم على المدارس الفنية وكلياتها، وهذا ما نتمنى أن يتحقق خلال الخطط القادمة إن شاء الله تعالى.
وعلى كل فيجب على المسلم أن يصحح الخطأ، ويستفيد منه، ويقوم خبرته وتجربته، ويصحح نيته بالتوبة، والرجوع واللجوء إلى الله تعالى دائماً.
والمسلم عندما يشارك في مجتمعه الذي يعيش فيه مشاركة فعالة ويجد خطأ من غيره، فعليه أن يقوم سريعاً بتصحيح هذا الخطأ، على أن لا يتتبع العورات، وأن ينصح بالحكمة والموعظة الحسنة، ويسدد ويقارب. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سددوا وقاربوا..)([88]).
والمسلم كلما أخلص في عبادته لله تعالى أقبل بالحفاظ على الفرائض، ثم النوافل، والازدياد منها، ثم هجر البدع، والمنكرات، والمخالفات، ثم تقرب إلى الله تعالى بكل ما يستطيع، وقام ليسد على إبليس الملعون جميع مداخله، إذا حاول ذات مرة أن يبعده عن العمل، بأن يثبط همته، ويضعف عزيمته، فإذا بهذا المسلم المخلص ينتصر عليه بفضل الله تعالى، باللجوء إليه سبحانه، والتحصن بالأذكار الشرعية، والاستعاذة بالله من هذا العدو المضل آخذاً بقول أحد الصالحين وهو يقول: (إذا أردت أن تتغلب وتنتصر على من يراك ولا تراه فاستعذ منه بالذي يراك ويراه).
فيحسن الظن بالله، ويتوكل عليه، ويزداد في العمل، ولا ينقطع عن فعل الخير، بل يستمر دائماً في طاعة الله وعبادته، وفي خدمة مجتمعه الذي يعيش فيه.
ولقد شبه الله سبحانه وتعالى المخلصين تشبيهاً كريماً، حيث شبههم بالجنة التي هي في بستان عالٍ، وأصابها مطرٌ شديد فآتت ثمرها ضعفين، فإن لم يصبها هذا المطر الشديد فهي لينة بمطرها السابق وهذا كافيها، فكذلك المؤمن لا يبور عمله أبداً، ويتقبله الله ويكثره ويضاعفه كل بحسب عمله، والله لا يخفى عليه من أعمال العباد شيء([89]). قال الله تعالى: [وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]([90]).
على الجانب الآخر شبه الله سبحانه وتعالى المرائين بالصخر الأملس، الذي عليه تراب ثم أصابه مطر شديد، فتركه أملساً يابساً، لم يبق عليه شيء من ذلك التراب. فكذلك أعمال المرائين تذهب سدى، وتضمحل عند الله، وإن ظهر لهم أعمال، فيما يرى الناس كالتراب([91] ).
فالمراءون ليس لهم من أعمالهم شيء، بل هم يتوقفون في أماكنهم ولا يتقدمون خطوة واحدة نحو عبادة صحيحة مقبولة. قال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ]([92]). هكذا يضيع عمل المرائي وتمحق منه البركة. على العكس من المسلم الموحد المخلص المحافظ على الأذكار، والأوراد النبوية في كل شيء، ينطق بها في بدء كل عمل، ويجدد النية ويصححها، هذا يبارك الله له في جميع أعماله. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل كلام أو ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر أو قال أقطع)([93] ).
لذلك نرى المخلص يستمر في أعماله الصالحة ولا ينقطع عنها، بل هو في سعادة عظيمة عندما يقوم بعمل في مرضاة الله تعالى، لأن جسد المؤمن هيأه الله تعالى للطاعة والعبادة، فلو ظل يعمل أكثر الوقت لكفاه. لأن الجسد ما دام في طاعة الله، ولا يبتغي بالعمل إلا وجه الله فإنه لا يكل ولا يتعب.
على العكس من ذلك العاصي أو الكافر فإن جوارحه تتمنى اللحظة التي ينام فيها،من أجل أن تستريح من الذنوب وتتوقف شيئاً ما عن المعصية.
إذن فالباعث على الأعمال، والدافع وراء حركة المرء له أهمية عظمى، وبالغة في استمرار الأعمال، وانقطاعها، وفي دناءتها، وعلوها، وفي الثواب والعقاب عليها، فليتحرَّ كل منا الإخلاص، لتستمر أعمال المرء إلى حين انتقاله إلى الدار الآخرة، فتنفعه هذه الأعمال الصالحة التي ابتغى بها وجه الله تعالى، في يوم لا ينفع مال ولا بنون.
4_ زيادة فاعلية المسلم لأن الدافع الأخروي للعمل أقوى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته من علَّم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورَّث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته)([94]).
فالمسلم عندما يتوفر لديه الإخلاص تزداد فاعليته، ويقبل على فعل الخير، لما يعلم من أهمية الإخلاص في قبول العمل،وما ينتظره من ثواب عظيم يوم القيامة، وهو المتمثل في الدافع الأخروي لأنه أقوى من الدافع الدنيوي، وهذا الدافع الأخروي هو الذي يحرك المسلم للعمل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد،ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه،ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال:إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)([95]).
ما أكثر أبواب الخير التي فتحها الله للمسلم، لتوصله إلى رحمة الله تعالى ويفوز بالنعيم المقيم، ويحظى بالدرجات العلى في الجنة.
وإذا كانت الدنيا تعج بحمى ملذاتها وشهواتها المتعددة، ومحاولة التزود من متعها الزائلة، فإن الجائزة الكبرى التي تنتظر المخلصين يوم القيامة أن يتفيئوا ظلال رحمة الله يوم القيامة، يوم أن تدنو الشمس من الرؤوس،قاب قوسين أو أقل من ذلك، فيكون حر شديد، وعرق كثير، فمن الناس من يأتيه العرق إلى عقبيه ومنهم من يلجمه العرق تلجيماً، ومنهم من يسبح فيه سباحة([96]).
فما أحوج الناس في يوم مثل هذا أن يكونوا في ظل عرش الرحمن يوم القيامة،فائزين برحمته التي وسعت كل شيء،ورضوانه الذي يعم به عباده المتقين. فإذا ما علم العبد هذا الدافع الأخروي،وهو النجاة من هذا الموقف العصيب يوم القيامة،الذي يتمنى فيه الكافر أن ينصرف من شمسه ولو إلى نار جهنم ([97]).
لسارع المؤمن للعمل، وبادر إليه، ونظر باهتمام شديد إلى الغاية من عمله، هل هو مخلص فيه؟ فيحمد الله تعالى أم غير ذلك؟ فيتوب إلى الله، ويستغفر عن هذا التقصير ويجدد نيته ويصلحها ويعقد بيعة صحيحة مع الله تعالى ليدخل زمرة المخلصين.
وفي الحديث السابق ذكره خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم سبعة من أصحاب الطاعات، يستمتعون بهذا الفضل المذكور في الحديث، وهو التنعم بظل الله يوم القيامة، وهؤلاء ممن زكت نفوسهم، واستقامت أحوالهم، وراقبوا ربَّهم في سرهم، وعلانيتهم، وأخلصوا أعمالهم، مبتغين بها وجه الكريم الجواد طامعين في الدافع الأخروي الذي حركهم للقيام بأعمالهم هذه، وهو أن يكونوا في كنف الله ورعايته. في يوم لا ناصر ولا معين إلا الله، ولا مَنْجى ولا ملتجأ إلاَّ إليه سبحانه.
وعلى المسلم أن يعلم أن كل خير يقوم به سيكتب له في ميزان حسناته يوم القيامة إذا ابتغى بهذا الخير وجه الله تعالى. يبين ذلك الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)([98]).
وكان الواحد من السلف يشكر أخاه أن أعانه على الحصول على الثواب من خلاله، أو القيام بطاعة، أو عبادة، تقربه من الله تعالى عن طريقه فيقول له: (جزى الله أخي عني خير الجزاء أن جعل لي من نفسه حظيرة لطاعة الله عز وجل).
5_ يمنع الإنسان من الشعور بالإعجاب ويشعره بالتقصير
قال ابن القيم رحمه الله )أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملة، وإن النية بمنزلة الرُّوح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح)([99]).
فإذا ما عرف المسلم الأحكام التي تتعلق بأعمال القلوب،أخذ يفتش في نفسه،ليرى هل هو مقصر أم لا؟
والذي يدفعه لذلك إخلاصه في العمل الذي يشعر الإنسان بتقصيره نحو خالقه، بالرغم من أنه يقوم على أوامر الله ويسارع في الخيرات، لكنه يخشى عدم القبول. قال تعالى:[ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ]([100] ).
هذا المسلم الذي يلتزم بما أمر الله به، ويخشى عدم القبول،ويحاسب نفسه دائماً، ليرقى بها إيمانياً،عن المستوى التي هي عليه. فإذا وصلت لمستوى أعلى منه،لم يقنع بذلك،بل هو يريد الأفضل،والأرقى،يريد أن يصل إلى مرحلة المخلصين. وهكذا تزداد فاعلية المسلم، ويستمر في تقدم بسبب هذا الإخلاص، الذي يمنع صاحبه من إعجابه بنفسه أو استكثار عمله،أو استصغار ذنبه،فهو يحاسب نفسه على الفرائض التي أمره الله بها،فإن تذكر أنَّ فيها نقصاً قام بقضائه، فإنه لا كفارة فيها إلا ذلك. ثم ينظر إلى ما نهاه الله عنه، فإن كان قد اقترف منها شيئاً،أسرع بالتوبة والأوبة إلى الغفار ثم ينظر هل هو قائم بالغاية التي من أجلها خلق الله العباد المتمثلة في قوله تعالى:[ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]([101]).
والمتمثلة أيضاً في قوله تعالى:[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ]([102]). فإن كان من المحافظين على طاعة الله وعبادته، ومن القائمين على تبليغ دين الله عز وجل، من المتعاونين على البر والتقوى، حَمد الله، وأرجع الفضل في ذلك كله لله وإن وجد تقصيراً اجتهد في إصلاحه.
ثم يتنزه بنفسه عن الفضول من الكلام، والفضول من الطعام والشراب، والفضول من الثياب، وغير ذلك.
ثم يسأل نفسه عند القيام بكل عمل،هل هذا العمل كان خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى؟ أم أنه أراد به محمدة الناس، ورياءهم، وثناءهم عليه؟ فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه. قال تعالى:[ وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى]([103]). ثم يسأل نفسه أيضاً كيف قام بهذا العمل؟ هل هو موافق لشرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبعيد عن البدع،والمنكرات وما حرَّم الله أم لا؟ هل روعي في هذا العمل أنه كان موافقاً للعقيدة الصحيحة التي لا يحول دونها أدنى مظاهر الشرك؟
هل اعتبر هذا المخلص الذي يحاسب نفسه من قوله تعالى: [لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً]([104]). ليت المرء يفكر في الآية السابقة ويعلم أن الصادقين سيسألون ويحاسبون عن صدقهم فما باله بالكاذبين!!
والذي يجعله يفكر في ذلك كله هو الإخلاص. إذن فالعبد كلما أخلص في عبادته وكان صادقاً مع نفسه، وجلس يحاسبها بصدق، شعر بالتقصير، وشعر أنه ليس على الحالة التي ترضي الله عنه، فقام ليصلح من أوضاعه، ويحسن من علاقته بربه. لأنه يخاف من الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وهذا الخوف الناتج من محاسبة النفس، يفيد المرء بفوائد عظيمة منها:([105]):
1_ الاطلاع على عيوب النفس، فإنه من لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى.
روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء أنه قال )لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشد لها مقتاً )([106]).
وقال أبو حفص (من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أوقاته كان مغروراً. ومن ينظر إليها باستحسان فقد أهلكها)([107]). لأن النفس داعية إلى المهالك، معينة للأعداء ناظرة إلى كل قبيح سائرة وراء كل سوء، عابثة بطبعها في المخالفات.
2_ معرفة حق الله عليه. فإن لم يعرف حق الله عليه، لا تكاد عبادته تنفعه، وهذه المعرفة تورثه الإزراء على نفسه، وتخلصه من العجب، فتفتح له أبواب كثيرة واسعة للعمل، والاجتهاد في العبادة ودافعه في ذلك كله أيضاً هو الإخلاص، لأنه دائماً في محاسبة نفسه وفي حق الله تعالى عليه، ويجتهد في تأديته على النحو الذي يرضي الله عنه، ومع ذلك هو يخشى عدم القبول، وإن كان يرجوا ثواب الله ورحمته.
أما المرائي فَلِمَ يحاسب نفسه؟ وَلِمَ يجلس مع نفسه في خلوة ليعرض أعماله على الكتاب والسنة؟وها هو قد رضي بثناء الناس ومحمدتهم له. وهذا النوع من الناس جاهل بربه، وبنفسه، ينظر في حقه على الله، ولا ينظر في حق الله عليه. فانقطع عن ربه، وحجب قلبه عن معرفة ما عليه لله، ومحبته والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره.
والإخلاص تجارة رابحة ليس فيها كساد،ولا خسارة،وما أعظم أن يكون البيع، والصفقات التجارية مع الكريم سبحانه وتعالى، الذي لا تنفد خزائنه أبداً، حتى أن من كرم الله على عباده أنه سبحانه يرزقهم ويملكهم أسباب القوة، ثم يحثهم على بذلها،ويحسن لهم في الجزاء، ويجزل لهم في عطائه. مع أن الله الرازق هو الذي رزق عباده ما بذلوه.
ونصوص هذه الصفقة وبنودها وشروطها نزل بها أمين الوحي جبريل عليه السلام من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بدستور المسلمين قال تعالى:[ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ]([108]).
6_ يعين المسلم على تجاوز العقبات التي قد تقف في وجهه
الإخلاص هو سبب نجاة العبد من مهالك كثيرة،بل أنه لا يستطيع أن يتغلب على الشيطان ويحصن نفسه منه إلا إذا كان مخلصاً في جميع أحواله، وفي جميع أعماله، ملتزماً بكل ما أمر الله، فيختاره الله، ويجتبيه من عباده بالحفظ من عدوه. قال الله تعالى مبيناً ذلك على لسان إبليس لعنه الله:[ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ]([109]) لأن هذا العدو الملعون هو الذي يحاول دائماً وأبداً أن يتسبب للعبد في إبطال أعمله، وهو الذي يدعوه إلى الرياء، والإخلاص هو المنجي له من ذلك.
والناظر إلى البلاء الذي وقع يه يوسف عليه السلام،وهو التعرض للفتنة،في وجود مغريات كثيرة،منها شبابه الذي يفيض بالحيوية والجنس،وحُسْنُ وجهه حيث أنه أعطي شطر الحسن، وهذا يجعل داعي الإغراء والإلحاح أشد،من ناحية امرأة العزيز،ومكان الحادث كان بعيداً عن أن يراه أحداً من أهله، أو أقاربه، فيفضح أمره. لكنه ثبت ثباتاً عظيماً في هذا الموقف العصيب فيرى الناظر لهذا البلاء أن يوسف عليه السلام قد نجاه الله سبحانه وتعالى، وكان سبب نجاته الإخلاص.
يقول الله حاكياً عن نجاة يوسف عليه السلام:[كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ]([110])، فهل يتعظ، ويعتبر، ويستفيد الشباب والفتيات من هذا الدرس العظيم وهذه العبرة الطيبة التي حدثت من يوسف عليه السلام؟.
أن من عباد الله عباداً لا يستطيعون غض البصر فقط، المأمور به شرعاً، ولا سبب لذلك إلا قلة التقوى، والإخلاص، والله الهادي إلى سواء الصراط.
والمسلم يستطيع أن يتوسل إلى الله عز وجل بما أخلص من أعماله، فيكون إخلاصه منجاة له من الكروب، والعقبات التي قد تقف في وجهه.
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(انطلق ثلاثة رهط فيمن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي في طلب شيء يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنَّا ما نحن فيهمن هذه الصخرة فانفرجت شيء لا يستطيعون الخروج، قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلىَّ فأردتها عن نفسها فامتنعت منِّي حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلِّي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفضي الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليَّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إلى أجري، فقلت له كل ما ترى من أجرك من الإبل، والبقر والغنم والرقيق، فقال يا عبد الله: لا تستهزئ بي!! فقلت:إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون)([111]).
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح هذا الحديث:(الإخلاص من أسباب تفريج الكربات لأن كل واحد منهم يقول:(اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه،أما الرياء والعياذ بالله والذي يعمل الأعمال رياءً وسمعة حتى يمدح عند الناس فإن هذا كالزبد يذهب جفاءً لا ينتفع منه صاحبه…)([112]).
فهؤلاء الثلاثة أخلصوا في أعمالهم، وابتغوا بها وجه الله سبحانه وتعالى وحده، وقضية التوحيد عندهم واضحة، توحيدهم لله توحيد خالص، متضمن محبة الله، وإجلاله، وتعظيمه، والخوف منه ورجاءه وحده سبحانه ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض وما يبين إنقاذ العبد من أي مكروه قد يقع فيه، لأن هذا التوحيد لا تشوبه شائبة شرك. لأن الشرك كلما كان في العبد أغلب من الإخلاص كانت ذنوبه أكثر، ووقوعه في المضايق والكربات أكثر.
لكن كلما كان الإخلاص أعظم كان العبد من الذنوب أبعد، وللمناجاة أقرب وأيسر.
7_ بالإخلاص تنصر الأمة
عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنَّه ظن أنَّ له فضلاً على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم)([113]). وصلاح الدين الأيوبي عندما كان يتفقد جنوده في إحدى المواقع الحربية، وجد بعضهم يقيم الليل فقال:(من هنا يأتي النصر)، ووجد بعضهم نائماً فقال:(من ها هنا نُؤتى).
8_ يشرح صدر صاحبه للإنفاق في سبيل الله
فالمخلص لا يخشى الفقر، ويعلم أن ما عند الله لا ينفد أبداً، لذلك هو ينفق ويبذل في وجوه الخير المختلفة، ويؤثرها بأعظم قدر مما ملكه الله من أسباب القوة، حتى وإن كان محتاجاً لما يبذل. قال تعالى:[وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]([114]).
9_ يحمل طالب العلم على الاجتهاد والمعلم على الحرص في الإيضاح
فكما يخلص التلميذ في حضوره لدروس العلم وأنه يتعلم ابتغاء وجه الله لينفع الناس في جميع أمور حياتهم. فكذلك يجعل الأستاذ يبذل كل ما في وسعه لإيضاح ما خفي عن التلميذ، ولا يبخل على الطلاب بما تسعه أفهامهم من المباحث المفيدة، ويكون الأستاذ حريصاً على أن يسلك في طريقه التدريس الأساليب التي تجدد نشاط تلاميذه وتحفزهم إلى التعمق في المسائل. وكلما أخلص العالم في عمله، وعمل بما عَلِم، علَّمه الله ما لم يعلم، ونفعه بما علَّمه، وصار علمه حُجة له لا عليه.
10_ يحمل صاحبه على تنظيم أعماله([115])
فالإسلام دين النظام، والانضباط، والدقة، والجمال.
فتجد المخلص يحافظ على وقته، ويستغله أفضل استغلال، ويصرفه كله في طاعة الله عز وجل. لأنه يعلم أنه سيسأل عنه يوم القيامة.
عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تزال قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟..)([116]).
11_ يجعل صاحبه في منزلة عظيمة عند الناس
فيحترمه الناس، ويوقرونه، ويجلونه، ويكون محبوباً لديهم. باش الوجه، حسن اللفظ، طيب الخلق. يقول الشاعر:
وأحسن وجه في الورى وجه مخلص *** لمن خلق الأشياء ربَّ ا لبشرية
وأيمن كف في الورى كف مخلص *** يريد رضا الخلاق نعم الإرادة([117] ).
12_ ينجو به المرء من عذاب الآخرة ويفوز بنعيم الجنة
فالمخلص عندما يتصدق لا يريد من وراء صدقته إلا رضا الله تعالى عليه،وأن ينجو بهذا العمل من العذاب يوم القيامة،لما فيه من هول شديد، وأمور عظام قال تعالى: [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)([118]).
13_ الإخلاص دواء لمرض البعد عن الله
قابل شخص الفضيل بن عياض فسأله قائلاً: يا أبا علي: هل لمرض البعد عن الله دواء؟ فقال له الفضيل بن عياض: يا هذا: عليك بعروق الإخلاص، وورق الصبر، وعصير التواضع، وضع هذا كله في إناء التقوى وصبَّ عليه ماء الخشية والخوف من الله عز وجل وأوقد عليه نار الحزن والبكاء والندم، وصفِّه بمصفاة المراقبة مع الله جل وعلا، وتناوله بكف الصدق، واشربه بكأس الاستغفار وتمضمض بالورع، وابعد عن الحرص والطمع، تشفَ من مرض البعد عن الله([119]).
قالوا في الإخلاص
تحدث الكثير من علماء المسلمين، والتابعين، والسلف الصالح عن الإخلاص وذكروا باقات طيبة من كلامهم الذي يفوح بالمسك في هذا الأصل.
وإليك باقة من كلامهم حول الإخلاص:
قال إبراهيم بن أدهم: ( الإخلاص صدق النية مع الله تعالى)([120]).
وقال سهل: (الإخلاص أن يكون سكون العبد، وحركاته لله خاصة)([121] ).
وقال آخر: (الإخلاص ما استتر عن الخلائق، وصفا عن العلائق)([122]).
وقال سفيان بن عيينة:(ما أخلص عبد لله أربعين يوماً إلا أنبت الله الحكمة في قلبه نباتاً، وأنطق لسانه بها وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها)([123]).
وقال الربيع بن خيثم: ( كل مالا يراد به وجه الله يضمحل)([124]).
وسئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟
فقال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق([125] ).
وقال أويس القرني رحمه الله: (وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما)([126]). وسئل سهل أي شيء أشد على النفس؟ فقال: (الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب)([127]).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:( فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس)([128]).
وقال الفضيل بن عياض: ( ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما)([129]).
وقيل: الإخلاص دوام المراقبة، ونسيان الحظوظ كلها([130] ).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: ( لا ينفع قول إلا بعمل،ولا ينفع قول ولا عمل إلا بنية، ولا ينفع قول ولا عمل ولا نية إلا بما وافق السنة)([131]).
وقال ا بن عبد الله التستري:(الإخلاص مسك مرصون في مسك القلب تنبه ريحه على حامله)([132] ).
الرياء وأثره على الأعمال
الرياء يمحق الأعمال الصالحة، ويفرغها من آثرها الطيبة، ويبطلها، ويتركها خواء، ويصيرها هباء منثورا. يأكل الحسنات، ويضيع على العبد كل سعيه أشد فتكاً على المسلم في أعماله من الذئب في الغنم، أخطر على المسلمين من فتنة المسيح الدجال، يورث المرائي في الدنيا الصغار، والذل والهوان، وفي الآخرة سخط الله عليه، والزج به إلى نار جهنم، لأنه ابتغى بعمله غير الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت سبيل تحب أن ينفق فيها إلاَّ أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم القي في النار)([133]).
فالعمل قد يبطل، مع أن صاحبه قد عقد له الإخلاص قبل القيام به، لكنه جاء بعد فترة من الزمن، وذكره أمام الناس، على سبيل المن والافتخار، فيبطل ثوابه في توه.
عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ الاتقاء على العمل أشد من العمل، وإن الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر يضعف أجره سبعين ضعفاً، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه، فيكتب علانية، ويمحى تضعيف أجره كله، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس الثانية، ويحب أن يذكر به ويحمد عليه فيمحى من العلانية، ويكتب رياءً، فاتقى الله امرؤٌ صان دينه، وإن الرياء شرك)([134]).
علاج الرياء
إذا ما أراد العبد أن يخرج من دائرة الرياء، فعليه أن يُقرَّ بفضل الله عليه، وتوفيقه له، وأن يخاف مقت الله وغضبه عليه يوم القيامة وأن يطالع ما في نفسه من عيوب، تقصير فيعالج ما فيها، وأن يعرف مداخل الرياء وخفاياه، فيتم له الاحتراز منها، وأن يكثر من العبادات غير المرئية، ويخفيها، ولا يذكرها لأحد، كقيام الليل، والصدقة سراً، والبكاء من خشية الله تعالى وأعماله مقبولة بإذن الله تعالى.
أمور لا تعد من الرياء:
وحتى لا يتلبس على الإنسان في أعماله شيء، فليعلم أن الأمور الآتية ليست من الرياء ومنها:
1_ثناء الناس عليه ومدحهم لعمله دون قصده. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:( أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن)([135] ).
2_ كتمان الذنوب: المؤمن المخلص الصادق هو الذي يستر على نفسه، ولا يهتك سترها، لأن الذي يذكر ذنوبه بحجة أن ذلك توبيخ للنفس، وتواضع، ليقال عنه أنه لا يزكي نفسه، فما ذلك إلا تلبيس من إبليس لعنه الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافاة إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد العمل بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان!! قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه([136]). فلا يظن أن كتمان الذنوب من الرياء.
3_ إظهار الطاعات: كالأعمال التعبدية التي لا يمكن إخفاؤها مثل الحج، والعمرة، والصلاة، والجمعة، والجهاد، لأنه ربما قصد من إظهارها خيراً فلا يعد رياءً. كأن يقصد بذلك تعليم جاهل، أو الأخذ بيد لاهٍ غافل إلى طريق الله رب العالمين. عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(الإسلام علانية والإيمان في القلب..)([137]).
4_ تحسين الهيئة: فالإسلام دين الطهارة، والنظافة، والجمال، والمسلم يمثل أمته، ودينه، ودعوته. فظهوره بهيئة طيبة في أحواله كلها في حدود لا تخالف الشرع ليس من الرياء أو الكبر.قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً، قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق، وغمط الناس)([138]).
دور المتابعة في الفاعلية
سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نموذج عملي للحركة والعمل والفاعلية: قال الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([139]).
المؤمن التقي المخلص هو الذي لا يعرف الكسل لجسده طريقاً، فهو يسعى ويجتهد، ولا تتوقف حركته التي يبتغي من ورائها عز أمته، ورفع راية التوحيد مقتدياً في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله تعالى عنه:[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]([140]).
وسنته الشريفة صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة فيها نماذج عظيمة تدعو إلى العمل، والفاعلية والحركة.
والله سبحانه وتعالى يدعونا إلى العمل، والبحث عن الرزق، في قوله تعالى: [فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]([141]).
وغير ذلك من الآيات: وإذا نظرنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته لوجدنا الكثير الكثير. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحداً فيعطيعه أو يمنعه)([142]).
وعن المقداد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما أكل أحدٌ طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)([143] ).
وقد عمل نبينا صلى الله عليه وسلم بحرفة رعي الغنم، وعمل بها من قبله الكثير من الأنبياء.
وحدث هذا عندما بدأ الرسول يستأنف حياة الكد والكدح،والعمل،بعد عودته من رحلته التجارية من الشام التي خرج فيها مع عمه أبي طالب. واختار الرسول حرفة الرعي، التي كان قد بدأها مع أخته في بني سعد، تلك الحرفة التي تعلم منها الصبر، والحلم، والأناة والرحمة، والرأفة، والعناية بالضعيف حتى يقوى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:)ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)([144]).
وكان يسيراً على الله عز وجل القادر على كل شيء أن يرزق النبي صلى الله عليه وسلم في بداية حياته بما يساعده على الترف، والراحة، ومظاهر العيش المترف المنعم بما يغنيه عن الكد، والتعب، ورعاية الأغنام سعياً وراء الرزق، حيث بدا له ما يلاقيه عمه أبو طالب من نصب بسبب ثقل عياله، ولكن حكمة الله تعالى تقتضي أن نعلم أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بعناء، ولقاء ما يقدمه لمجتمعه من خدمات الخير، ويساعدهم فيه. وأن شر المال ما أصابه الإنسان وهو مستلق على ظهره على فراش لين،لم يبذل فيه مجهوداً، ولم يقدم شيئاً ولو قليلاً ينتفع به مجتمعه.
وهكذا كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بين العمل في التجارة، ورعي الأغنام، وبين مساعدة المجتمع الذي يعيش فيه ليكون عنصراً فعالاً مفيداً لهذا المجتمع. أما بعد البعثة، فتضاعفت جهود النبي صلى الله عليه وسلم وحركته لأنه أصبح قدوة وأسوة للناس جميعاً فها هو صلوات الله وسلامه عليه يشارك أصحابه في حفر الخندق، يحمل معهم التراب على كتفه الشريف وكأنه يلبس ثوباً من تراب من كثرة العمل. ولما قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يخدمهم بنفسه، فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:( إنهم كانوا لأصحابي مكرمين وأنا أحب أن أكافيهم)([145]).
وهذا يدل على عظمة تواضعه صلى الله عليه وسلم وعلى حسن ضيافته وعلى مشاركته في كل شيء صغر أو كبر.
والرسول صلى الله عليه وسلم يريد من أمته أن تكون أمة عاملة، فإذا به يعلمهم أن عليهم العمل، والأخذ بالأسباب، أما النتيجة فعلى الله تعالى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)([146]).
والناظر لهذا الحديث من أول وهلة يتساءل إذا غرست هذه الفسيلة ومات الناس جميعاً بعد قيام الساعة فمن سيستفيد منها؟ هنا يعلمنا الرسول هذا الدرس العظيم، بأننا علينا العمل فقط، وليس علينا تحصيل النتائج لأننا لسنا مطالبين بها.
وهكذا كانت حياته صلوات الله وسلامه عليه مفعمة بالفاعلية، والعمل والحركة، حياة كانت موزعة بين الدعوة لدين الله، وتبليغها، والجهاد في سبيل الله، والقيام بين يدي الله في الصلاة ليلاً حتى تورمت قدماه وبين القيام بأعباء بيته كأب، وزوج ومرب، يقوم على خدمة أهله ويجالسهم ويمازحهم، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
وإن من فاعلية المسلم أن يخالط الناس ويأخذ بأيديهم إلى طريق الحق ويسع صدره لجهلهم. فيكون واسع الأفق، حسن التصرف، يشاركهم في أمورهم التعبدية ولا يكون في معزل عنهم، أو في منأى عن مسايرة العصر الذي يعيش فيه، فلا يكاد يدرك الحقائق أو البديهيات المسلَّم بها.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم إذا كان مخالطاً للناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)([147] ).
لقد أمر الإسلام بزيارة المريض، وتشميت العاطس، ونصر المظلوم، وصلة الرحم، وإبرار المقسم، وإجابة الداعي، واتباع الجنائز، فإذا ما شارك المسلم في هذه الأمور صار فعالاً في مجتمعه، وحصل على الخير، وأفاد الناس بأخلاقه الطيبة، واستفاد ودهم، وحبهم له، وحظى برضا الله رب العالمين.
أما إذا اعتزلهم فمن أين يأتيه الخير؟
ولقد ربى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته على هذه المعاني العظيمة،وحثهم على التفاني في العمل،ودعاهم إلى الإخلاص في أعمالهم.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمجرد أن نطق بالشهادتين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم ما عليه من واجبات تجاه هذا الدين، وما له من حقوق، انطلق يدعو إلى دين الله، ويأخذ بيد الضال إلى طريق الله، لم يحصل على الخير ويقصره على نفسه، بل دعا له، وأرشد إليه، فإذا به يسلم على يديه خمسة من العشرة المشهود لهم بالجنة([148]).
وإن مما يساعد في إنجاز الأعمال، الدقة في تنظيم الوقت، ومحاسبة النفس في كل دقيقة، هل صرفت هذه الدقيقة في طاعة الله أم لا؟ والذي ينظر إلى تاريخ الصحابة، والتابعين، والسلف الصالح يرى كيف كانوا يعيشون، ويرى ما قدموه لهذه الأمة من أعمال جليلة في سنوات قليلة، ما ذلك إلا لتقواهم، ودقتهم في تنظيم أوقاتهم، ومحافظتهم عليها فسجلوا بذلك صفحات بيضاء في جبين التاريخ، فهم رهبان بالليل، فرسان بالنهار.
فهرس الموضوعات
الموضوع | الصفحة |
البداية | |
مقدمة. | |
الإخلاص ودوره في الفاعلية. | |
تعريف الإخلاص لغة | |
تعريف الإخلاص اصطلاحاً | |
أدلة من القرآن والسنة تحث على الإخلاص. | |
أحاديث من السنة تحث على الإخلاص. | |
شروط قبول العمل الصالح. | |
علامات الإخلاص. | |
أولاً: من القرآن | |
1ـ استواء المدح والذم من العامة | |
2ـ اقتضاء ثواب العمل في الآخرة | |
حكم العمل إذا خالطه مع الإخلاص شيء آخر. | |
ثواب المخلصين في الدنيا والآخرة. | |
ثمرات الإخلاص. | |
1_ الإخلاص يوجد الدافع عند المسلم للعمل والمبادرة. | |
1_ الإخلاص يفتح مجالات واسعة للعمل. | |
3_ الإخلاص يضمن ويكفل الاستمرارية. | |
4_ زيادة فاعلية المسلم لأن الدافع للعمل الأخروي أقوى. | |
5_ يمنع الإنسان من الشعور بالإعجاب ويشعره بالتقصير . | |
6_ يعين المسلم على تجاوز العقبات التي قد تقف في وجهه. | |
7_ بالإخلاص تنصر الأمة. | |
8_ يشرح صدر صاحبه للإنفاق في سبيل الله. | |
9_ يحمل طالب العلم على الاجتهاد والمعلم على الحرص في الإيضاح . | |
10_ يحمل صاحبه على تنظيم أعماله. | |
11_ يجعل صاحبه في منزلة عظيمة عند الناس. | |
12_ ينجو به المرء من عذاب الآخرة ويفوز بنعيم الجنة. | |
13_ الإخلاص دواء لمرض البعد عن الله. | |
قالوا في الإخلاص. | |
الرياء وأثره على الأعمال. | |
علاج الرياء. | |
أمور لا تعد من الرياء. | |
1ـ ثناء الناس عليه ومدحهم لعمله دون قصده | |
2ـ كتمان الذنوب | |
3ـ إظهار الطاعات | |
4ـ تحسين الهيئة | |
دور المتابعة في الفاعلية. | |
فهرس الموضوعات. |
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة آل عمران الآية ( 102).
([3]) سورة الأحزاب الآية (70-71 ).
([4]) لسان العرب 7/26 باب الصاد فصل الخاء مادة خلص.
([5]) تاج العروس 9/272 باب الصاد فصل الخاء مادة خلص.
([6]) القاموس المحيط 2/301 باب الصاد فصل الخاء مادة خلص.
([7]) المجموع شرح المهذب 1/17.
([10]) سورة لأحكام القرآن للقرطبي20/144.
([11]) سورة الملك من الآية (2).
([13]) سورة الكهف من الآية (110).
([14]) سورة النساء الآية (146).
([16]) سورة الفرقان الآية (23).
([18]) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم (2/1515ح 1907)، والبخاري (1/2)كتاب كيف كان بدء الوحي باب كيف كان بدء الوحي.
([19]) شرح رياض الصالحين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1/ 10).
([21]) رواه النسائي (6/25) كتاب الجهاد باب من غزا يلتمس الأجر.
([22]) الترغيب للمنذري (1/54) وقال: رواه البيهقي.
([23]) رواه مسلم (2/1250 ح1628).
([24]) رواه ابن ماجه (1/27 ح70 ) وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه (ص7 برقم 12).
([25]) رواه ابن ماجه (1/84ح230) وصححه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه (1/44،45 برقم 187).
([26]) رواه النسائي (3/258) كتاب قيام الليل باب من أتى فراشه وهو ينوي القيام فنام وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/316 برقم 1686).
([27]) سورة العاديات الآية (9/10).
([28]) رواه مسلم (3/1987 ح2564) برقم (34 ) من الباب.
([29]) شرح رياض الصالحين (ص52).
([30]) رواه مسلم (1/118 ح130).
([31]) رواه البخاري (2/ 116) كتاب الزكاة باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر.
([32]) ومن أراد الاستفاضة في هذا الموضوع فليراجع كتاب شرح رياض الصالين في باب الإخلاص لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- إعداد وإخراج د. عبد الله الطيار.
([33]) سورة آل عمران الآية (85).
([34]) سورة البقرة من الآية (285).
([35]) سورة التوبة الآية (54).
([36]) رواه ابن ماجه (1/39 ح169) وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه(1/282 برقم 1371):حسن صحيح.
([37]) الترغيب والترهيب (1/55) وقال الحافظ المنذري: رواه البيهقي عن شهر بن حوشب عنه موقوفاً.
([39]) سورة الفرقان الآية (23).
([40]) رواه مسلم (2/1343، 1344 ح1718). برقم (18) في الباب.
([41]) رواه ابن ماجه (1/15،16ح42) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/13) برقم (40).
([42]) سورة الإنسان الآية (9،10).
([43]) سورة النحل الآية ( 128).
([44]) سورة النساء من الآية (145).
([45]) سورة الحج الآية (27) وجزءً من الآية ( 28).
([46]) بتصرف يسير من إعلام المعوقين (2/182).
([51]) سورة النحل الآية (122).
([52]) سورة آل عمران جزء من الآية (185).
([53]) سبق تخريجه ص(17) رقم (1).
([54]) الترغيب للمنذري (2/178). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/208، 209 ) رواه الطبراني في الأوسط وفيه جميل بن ميمونة ، وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ووثقه ابن حبان.
([55]) رواه مسلم (2/1250، 1251 ح1628) برقم (5) في الباب.
([56]) رواه ابن ماجه (2/1375 ح1405) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/393 برقم 3313).
([57]) إعلام الموقعين (2/178).
([58]) مجموعة فتاوى ابن تيمية (10/216).
([59]) تنبيه الغافلين للسمرقندي ( ص3 ، ص4).
([60]) سورة العنكبوت الآية(69).
([61]) تنبيه الغافلين للسمرقندي (ص4).
([63]) تهذيب السيرة لعبد السلام هارون (ص342، ص343).
([64]) سورة آل عمران الآية(144).
([66]) سورة الحج من الآية (75).
([67]) رواه الحاكم في المستدرك (4/447) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
([68]) إعلام الموقعين (3/108).
([69]) الزهد للإمام أحمد بن حنبل (ص118).
([70]) رواه ابن ماجه (2/1413 ح4228). وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/413) برقم (3406).
([72]) رواه مسلم (1/667، 668 ح1006).
([73]) سورة الأنعام الآيتان (162،163).
([75]) رواه مسلم (2/1255 ح1631).
([76]) سورة النحل من الآية (41).
([77]) سورة النجم الآيتان (39، 40).
([78]) رواه ابن ماجه (1/86، 87 ح237) وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/46 برقم 194).
([79]) رواه ابن ماجه (1/636 ح1977) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/334 برقم 1608).
[80])) سورة المائدة من الآية (27).
([81]) تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير(2/39).
([83]) سورة الزخرف الآية (31).
([84]) سورة الحجرات من الآية (13).
([86]) بتصرف يسير من لقاء المؤمنين (ص43) لعدنان النحوي.
([87]) انظر سيرة ابن هشام، ودلائل النبوة للبيهقي.
([88]) رواه البخاري ومسلم وهو بالبخاري (7/182) كتاب الرقاق باب القصد والمداومة على العمل.
([89]) تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير 1/229.
([91]) تيسير العلي القدير لاختصار ابن كثير 1/228.
([93]) رواه الإمام أحمد في مسنده 2/359 وقال الحافظ أحمد شاكر:في الشرح 16/289، 290 برقم 8697 إسناده صحيح.
([94]) رواه السيوطي في الجامع الصغير 2/31 وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/201 برقم 3596.
([95]) رواه البخاري 1/161 كتاب الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد.
([96]) يوم الفزع الأكبر للقرطبي ص36، ص37.
([98]) رواه مسلم 2/ 1189 ح1553.
([100]) سورة المؤمنون الآية 60، 61.
([101]) سورة الذاريات الآية56.
([102]) سورة آل عمران من الآية 110.
([103]) سورة الليل الآية 19،20.
([105] ) إغاثة اللهفان (1/138- 142).
([108]) سورة التوبة من الآية 111.
([110]) سورة يوسف من الآية 24.
([111]) رواه البخاري 3/ 51، 52 كتاب الإجارة باب من استأجر أجيراً فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد ومن عمل في مال فاستفضل.
([112]) شرح رياض الصالحين للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص72 ج1.
([113]) رواه النسائي 6/45 كتاب الجهاد باب الاستنصار بالضعيف. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/669 برقم 2978.
([114]) سورة الحشر من الآية 9.
([115]) موارد الظمآن 1/175، 176.
([116]) الترغيب للمنذري 1/ 125 وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/54،55 برقم 123.
([118]) سورة الإنسان من 8- 12.
([119]) الاستعداد ليوم الميعاد ص96.
([120]) إحياء علوم الدين 3/ 326.
([124]) سيرة أعلام النبلاء 4/ 259.
([127]) إحياء علوم الدين 3/326.
([129]) إحياء علوم الدين 3/326.
([131]) ففروا إلى الله لأبي ذر القلموني ص70.
([132]) المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح ص716.
([133]) رواه مسلم 2/1513 ح1905 برقم 152 في الباب.
([134]) الترغيب للحافظ المنذري 1/72، 73 وقال:أظنه موقوفاً.
([135]) رواه مسلم 3/ 2034 ح2642 برقم 166 في الباب.
([136]) رواه مسلم 3/2291 ح2990.
([137]) رواه أحمد في مسنده 3/134،135 من مسند أنس بن مالك وقال الهيثمي في مجمع الزوائد1/52:رجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين، وضعفه آخرون.
([138]) رواه مسلم 2/ 93 ح 91 برقم 147 في الباب.
([140]) سورة الأحزاب من الآية 21.
([141]) سورة الملك من الآية 15.
([142]) رواه البخاري 3/9 كتاب البيوع باب الرجل وعمله بيده.
([143]) رواه البخاري 3/9 كتاب البيوع باب الرجل وعمله بيده.
([144]) رواه البخاري 3/48 كتاب الإجارة باب رعي الغنم على قراريط.
([145]) البداية والنهاية 3/78.
([146]) رواه البخاري في الأدب المفرد برقم 479 وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص181 برقم 371.
([147]) رواه الترمذي 4/662، 663 ح2507 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/306، 307 برقم 2035 وقال أبو عيسى: قال ابن أبي عدي: كان شعبة يرى أنه ابن عمر.