88 – من أحكام الأسرة في الإسلام
88 – من أحكام الأسرة في الإسلام pdf
من أحكام الأسرة
في الإسلام
تأليف
أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}
[النساء: 34، 35].
تقديم
شرع الله الزواج لمصالح دينية ودنيوية، ورتّب عليه حقوقاً لكلا الزوجين على صاحبه، ومن ثمَّ أوجبه على الزوجين أن يتمشيا مع هذا النهج الذي شرعه لهما، فلا يحيدا عنه قيد أنملة وإلا حصل الشقاق والخلاف والتفكك.
ولقد اقتضت حكمته تعالى أن يرسم للزوجين هذا الطريق المستقيم وذلك لعلمه بما يصلحهما وما يفسد عليهما.
ولما كان الرجل أقدر من المرأة على الشدائد والمتاعب وتحمل المسؤولية فقد أناط به الشارع الحكيم أموراً لم يكلف بها المرأة، وبحكم أنوثة المرأة فقد ألزمها الشارع أموراً لم يلزمها الرجل، وهذه الأمور والواجبات تتعلق بالبيت وشؤونه وبتربية الأولاد.
والإسلام إذ جعل القوامة للرجل على المرأة لم يقصد من وراء ذلك إهانتها ولا إهدار حقوقها ولا امتهان كرامتها، وأكبر دليل على ذلك المنهج الذي رسمه الله للنساء في الإسلام ـ فقد فتحت المرأة العربية عينيها ـ لما أظلتها راية الإسلام على رجال غير الرجال ومجتمع غير المجتمع ودين غير الدين، فكأنها نشطت من عقال، فشمرت عن ساعدها وأخذت من هذا الدين الجديد نصيبها الأوفى، وكان شكرها لله عليه شكراً عملياً قاست في أوله ما قاسى الرجال من عذاب وهجر واضطهاد وأذى، ثم انتظمت في صفوف المجاهدين إعلاءً لكلمة الحق، وذوداً عن دين الله وعن رسوله، فقاسمت الرجل شرف الجهاد وأبت بثوابه وكرامته وليس بعد بذل الروح غاية في الشكر، كان للنساء بيعة كما للرجال بيعة، وكان لهنَّ هجرةً كما لهم هجرة، ولهنَّ جهاد كما لهم جهاد، ويكاد الوحي لا يذكر الرجال في مكرمة أو تشريع أو ترغيب أو ثناء إلا ذكر النساء معهم.
لقد رفع القرآن منزلة المرأة الأدبية واستنقذها من الحضيض وبوأها الأوج، فبقيت في سماء المجتمع الإسلامي شيئاً تتطاول إليه الأنظار بالحرمة والرعاية([1]).
إن الله سبحانه وتعالى حين يجعل القوامة للرجال على النساء بسبب فضلهم وبما أنفقوه من أموالهم، يجعل في نفس الوقت للنساء إدارة أعمال البيت، ومتى تمسَّك الزوجان بهذه الحقوق وأدَّياها على الوجه المطلوب سعدا في دنياهما وأخراهما، وسعد كل فرد يعيش في مجتمعهما وسعد المجتمع الكبير بتماسك أفراده واتحادهم وحرصاً من الإسلام على ترابط الأسرة ولم شتاتها، فإنه حضَّ على إصلاح ما قد يقع بين أفرادها وخاصة بين الزوجين؛ لأنهما أساس الأسرة، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}[النساء: 35].
فالله جلَّ شأنه لم يتعرض لعدم إرادتهما الإصلاح، وهذا إيذان منه جلَّ وعلا بأن هذا الأمر ليس مما ينبغي أن يفرض صدوره منهما وأن الذي يليق بشأنهما ويتوقع صدوره منهما هو إرادة الإصلاح.
وهكذا يتبين لنا بوضوح ـ لا لبس فيه ـ مدى حرص الإسلام وإكرامه للمرأة ورفعه لمنزلتها وإعلائه لشأنها، فبعد أن كانت ترزح تحت ظلم الجاهلية أصبحت مكرمةً مرفوعة الرأس في الإسلام، وكذلك حرصه على إصلاح ما قد يقع بين الزوجين مما يعكر صفو حياتهما، فقد وردت آيات كثيرة وأحاديث جمَّة في حثّ الزوجين للوقوف عند ما شرعه الله لهما من حقوق وأوجبه لكل منهما على الآخر وهكذا؛ الإسلام يراعي المصالح العامة ويحذر مما يضر الفرد والمجتمع.
سبب النزول:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “نزلت هذه الآية في بنت محمد بن سلمة وزوجها سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار، فإنه لطمها فنشرت عن فراشه وذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت هذه الشكاية وأنه لطمها، وأن أثر اللطمة في وجهها فقال عليه الصلاة والسلام: (اقتصي منه). ثم قال لها: (اصبري حتى أنظر) فنزلت هذه الآية:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}.. الآية، فلما نزلت قال صلى الله عليه وسلم: (أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير ورفع القصاص)” ([2]).
وقيل: سبب نزولها قول أم سلمة رضي الله عنهما:”يغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث”([3]).
واختلف في المرأة الملطومة على أقوال عدة:
فقيل: نزلت في حبيبة بنت زيد بن زهير زوج الربيع بن عمرو أحد النقباء من الأنصار. قاله التبريزي والزمخشري وابن عطية.
وقال الكلبي: هي حبيبة بنت محمد بن سلمة زوج سعد بن الربيع.
وقال أبو رواق: هي جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى زوج ثابت بن قيس بن شماس([4]).
والراجح والله أعلم أنها نزلت في سعد بن الربيع وزوجته حبيبة بنت زيد رضي الله عنهما، وذك لقوة مأخذ هذا القول ولكثرة الروايات التي تعضده.
وكذلك أكثر الروايات الواردة في سبب نزولها مطلقة لم تصرح باسم من نزلت فيه، ولكن روي من طرق كثيرة جداً أنها نزلت في سعد بن الربيع وزوجته حبيبة بنت زيد، وأشهر هذه الطرق ما روي عن مقاتل رضي الله عنه أنه قال: نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع وكان من النقباء وامرأته حبيبة بنت زيد وهما من الأنصار، وذلك أنها نشرت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتقتص منه)، فانصرفت مع أبيها لتقتص من زوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجعوا هذا جبريل عليه السلام أتاني) وأنزل الله تعالى هذه الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}… الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أردنا أمراً وأراد الله أمراً، والذي أراد الله خير ورفع القصاص) ([5]).
وقال القرطبي رحمه الله: ” نزلت هذه الآية في سعيد بن الربيع وزوجته حبيبة. هذه نصوص تدل دلالة واضحة على نزولها في سعد وزوجته.
ومن الروايات المطلقة التي لم تبين اسم من نزلت فيه ما أخرجه ابن جرير من طرق عن الحسن، وفي بعضها: أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص فنزلت:{وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ..}[طه: 114]، ونزلت:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء..}[النساء: 34].. الآية.
فهذه الرواية وغيرها كثير مطلقة.. لم تصرح باسم من نزلت فيه فتحتمل هذه الروايات المطلقة على الرواية المقيدة وتكون هذه من أدلة الترجيح. وبهذا يسلم دليلنا ويترجح ما رجحناه.
صلة الآية بما قبلها:
لما نهى الله تعالى كلا من الرجال والنساء عن تمني ما فضل به بعضهم على بعض وأرشدهم إلى الاعتماد في أمر الرزق على كسبهم وأمرهم أن يؤتوا الوارث نصيبهم، ولما كان من جملة أسباب هذا البيان، ذكر تفضيل الرجال على النساء في الميراث والجهاد كان لسائل هنا أن يسأل: ما سب هذا الاختصاص؟ وكان جواب سؤاله قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}[النساء: 34]..الآية([6]).
وقال الرازي رحمه الله: اعلم أنه تعالى لما قال:{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ..}[النساء: 32].
وسبب نزول هذه الآية: أن النساء تكلمن في تفضيل الله تعالى، الرجال عليهن في الميراث، فذكر تعالى من هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء في الميراث؛ لأن الرجال قوامون على النساء فإنهما وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منهما بالآخر أمر الله الرجال أن يدفعوا إليهن المهر ويدروا عليهن النفقة، وصارت الزيادة من أحد الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر، فكأنه لا فضل البتة فهذا هو بيان كيفية النظم([7]).
لقد مضت الحكمة في فضل الرجل على المرأة في القوة والقدرة على الكسب والحماية، ذلك هو الذي يتيسر لها به القيام بوظيفتها الفطرية وهي: الحمل والولادة وتربية الأولاد وهي آمنة في سربها، مكفية أمر رزقها، وفي التعبير حكمة أخرى وهي الإشارة إلى أن هذا التفضيل إنما هو للجنس على الجنس لا لجميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم والعمل، بل في قوة البنية والقدرة على الكسب وبهذين المعنيين اللذين أفادتهما العبارة ظهر أنها في نهاية الإيجاز الذي يصل إلى حد الإعجاز؛ لأنها أفادت هذه المعاني كلها([8]).
المفردات:
شرح الغريب وبيان المعنى والقراءات والإعراب والبلاغة:
قوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.} [النساء: 34].
قوله:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، قيل: المراد بالرجال هنا: من فيهم صرامة وحزم لا مطلق الرجال، فكم من رجل لا يكون له نفع ولا ضرر ولا حزم.. ولذلك يقال: رجل بين الرجولية والرجولة.
وبناء عليه فقد قال بعض المفسرين: إن في الكلام حذفاً تقديره: (الرجال قوامون على النساء إن كانوا رجالاً) ([9]).
وقد روى هشام بن محمد عن أبيه في قوله:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، إذا كانوا رجالاً، وأنشد قول الشاعر([10]):
أكُلُّ امرئ تحسبن امرءًا *** ونار توقد بالليل نارا ([11])
قال أبو حيان في “البحر”: والذي يظهر أن هذا إخبار عن الجنس لم يتعرض فيه إلى اعتبار أفراده، كأنه قيل: هذا الجنس قوام على هذا الجنس.
قوله: {قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني: أمراء عليها، وذلك أن تطيعه فيها فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله، حافظة لماله([12]).
والمراد بالقيام هنا: هو الرياسة التي يتصرف المرؤوس بإرادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهوراً، مسلوب الإرادة، لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه([13]).
وقال الطبري رحمه الله في تفسيره ـ يعني جل ثناؤه ـ : أن الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم([14]).
وقيل: هو كلام مستأنف مسوق لبيان سبب استحقاق الرجال الزيادة في الميراث تفصيلاً إثر بيان تفاوت استحقاقهم إجمالاً وإيراد الجملة اسمية والخبر على صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم في الاتصاف بما أسند إليهم ورسوخهم قيه؛ أي: شأنهم القيام عليهن بالأمر والنهي قيام الولاة على الرعية، وعلل ذلك بأمرين: وهبي وكسبي، فقال: {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..}، الباء سببية متعلقة بـ {قَوَّامُونَ}، أو محذوف وقع حالاً من ضميره وما مصدريه والصمير البارز لكلا الفريقين تغليباً؛ أي: قوامون عليهن بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن أو ملتبسين بتفضيله تعالى ووضع بعض موضع الضميرين للإشعار بغاية ظهور الأمر وعدم الحاجة إلى التصريح بالمفضل والمفضل عليه أصلاً.
ولمثل ذلك لم يصرح بما به التفضيل من صفات كماله التي هي كمال العقل وحسن التدبير، ورزانة الرأي، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات.
والكسبيّ: قوله:{وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، الباء متعلقة بما تعلقت به الباء الأولى، وما مصدرية أو موصولة حذف عائدها من الصلة، ومن تبعيضية أو ابتدائية متعلقة بـ {أَنفَقُواْ}، أو بمحذوف وقع حالاً من العائد المحذوف؛ أي: وبسبب إنفاقهم من أموالهم أو بسبب ما أنفقوه من أموالهم أو كائناً من أموالهم، وهو ما أنفقوه من المهر والنفقة([15]).
وقد أكثر العلماء من الخوض في أسباب تفضيل الرجل على المرأة فذكروا من جملتها: العقل والحزم والعزم والقوة والكتابة في الغالب، والفروسية والرمي، وأن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد والأذان والخطبة والجمعة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص، وزيادة السهم والتعصيب في الميراث، والحمالة والقسامة والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وتعدد الأزواج، وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم([16]).
وقد عدل سبحانه عن الضميرين في قوله:{بِمَا فَضَّلَ اللّهُ}، فلم يأت “بما فضلهم الله عليهن” لما في ذكر بعض من الإبهام الذي لا يقتضي عموم الضمير، فرُبَّ أنثى فضّلت ذكراً([17]). والمراد بتفضيل بعضهم على بعض: تفضيل الرجال على النساء، ولو قال: “بما فضلهم عليهن”، أو قال: “بتفضيلهم عليهن”، لكان أخصر وأظهر فيما قلنا أنه المراد، وإنما الحكمة في هذا التعبير هي عين الحكمة في قوله تعالى:{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ..}[النساء: 32]، وهي إفادة أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد، فالرجل بمنزلة الرأس، والمرأة بمنزلة البدن، وتفضيل بعض أعضاء البدن على بعض يجعل بعضها رئيسياً دون بعض، إنما هو لمصلحة البدن كله لا ضرر في ذلك على عضو ما، وإنما تتحقق وتثبت منفعة جميع الأعضاء بذلك([18]) والإنفاق من الأموال هو إعطاء المهر والنفقة.
روي عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) ([19]).
المعنى الجملي للآية:
أي: أن من المعروف المعهود قيام الرجال على النساء بالحماية والولاية والرعاية والكفاية.
ومن لوازم ذلك: أن يفرض عليهم الجهاد دونهنَّ فإنه يتضمن الحماية لهن وأن يكون حظهم من المواريث أكثر من حظهن؛ لأن عليهم من النفقة ما ليس عليهن، وسبب ذلك: أن الله تعالى فضّل الرجال على النساء في أصل الخلقة وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، فكان آخر كسبيّ يدعم السبب الفطريّ، وهو ما أنفقه الرجال على النساء من أموالهم، فإن في المهور تعويضاً للنساء، فالشريعة كرّمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام الأسرة([20]).
قوله تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ}.. بعد بيان واجب الرجل وحقه والتزاماته وتكاليفه في القوامة، أتى ببيان طبيعة المرأة المؤمنة الصالحة وسلوكها وتصرفها الإيماني في محيط الأسرة.
{فَالصَّالِحَاتُ}، المحسنات العاملات بالخير.
وقال سفيان رحمه الله: “أي يعملن بالخير”.
وقال الطبري رحمه الله: ” المستقيمات الدين العاملات بالخير. قال ابن عباس رضي الله عنهما: “المحسنات لأزواجهن لأنهن إذا أحسن لأزواجهن فقد صلح حالهن معهم”. وقيل: “اللاتي أصلحهن الله لأزواجهن. قال تعالى:{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90]“. وقيل: “اللواتي أصلحن أقوالهن وأفعالهن”. وقيل: “الصلاح هو الدين هنا”. وهذه الأقوال متقاربة.
{قَانِتَاتٌ} قال في “القاموس”([21]): القنوت: الطاعة والسكون والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الطعام.
وقال في “مختار الصحاح”: القنوت أصله الطاعة ومنه قوله تعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}[الأحزاب: 35]، ثم سمى القيام في الصلاة قنوتاً. وفي الحديث (أفضل الصلاة طول القنوت) ([22])، ومنه: قنوت الوتر([23]). والمعنى اللغوي الذي يوافق المعنى الشرعي: هو السكون والطاعة. قال مجاهد:{قَانِتَاتٌ} مطيعات. وقال قتادة: مطيعات لله ولأزواجهن([24]). وقيل: مطيعات لله تعالى قائمات بحقوق الأزواج([25]).
قوله: {حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ}، أي: اللاتي يحفظن ما يغيب عن الناس، ولا يقال إلا في الخلوة بالمرأة وحافظات، كذلك لمواجب الغيب؛ أي: لما يجب عليهن حفظه في حال غيبة الأزواج من الفروج والأموال. روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الناس امرأة إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها)، وتلا الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}[النساء: 34])([26]) الآية([27]).
{الصَّالِحَاتُ} مبتدأ وما بعده خبر إن له وللغيب متعلق بحافظات وأل في الغيب عوض عن الضمير عن الكوفيين؛ أي: في غيبة أزواجهن([28])، وقيل: اللام بمعنى: في، والغيب بمعنى: الغيبة، وأل عوض عن المضاف إليه على رأي. ويجوز أن يكون المراد حافظات لمواجب الغيب؛ أي: لما يجب عليهن حفظه حال الغيبة، فاللام على ظاهرها، وقيل: المراد حافظات لأسرار أزواجهن؛ أي: ما يقع بينهم وبينهن في الخلوة ومن المنافرة واللطمة المذكورة في الخبر، وحينئذ لا حاجة إلى ما قيل في اللام ولا إلى تفسير الغيب بالغيبة([29]).
وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ومصحفه: “فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن”. وينبغي حملها على التفسير؛ لأنها مخالفة للسواد وفيها زيادة، وقد صح عنه بالنقل الذي لا شك فيه أنه قرأ وأقرأ على رسم السواد، فلذلك ينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير. قال ابن جني: والتكسير أشبه بالمعنى، إذ هو يعطي الكثرة وهو المقصود هنا.
ومعنى قوله: “فأصلحوا” أي: أحسنوا ضمن أصلحوا، معنى أحسنوا، ولذلك عداه بإلى([30]) قوله: {بِمَا حَفِظَ اللّهُ}. اختلف القراء في قراءته فقرأته عامة القراء في جميع أمصار الإسلام {بِمَا حَفِظَ اللّهُ}، برفع اسم الجلالة على معنى: بحفظ الله إياهن، إذ صيرهن كذلك.
وقال ابن جريج رحمه الله: “سألت عطاء عن قوله: {بِمَا حَفِظَ اللّهُ}، فقال: يعني: حفظهن الله”.
وقال سفيان رحمه الله: {بِمَا حَفِظَ اللّهُ}، بحفظ الله إياها أنه جعلها كذلك.
وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني رحمه الله: {بِمَا حَفِظَ اللّهُ} بنصب لفظ الجلالة؛ يعني: بحفظهن الله في طاعته وأداء حقه بما أمرهن من حفظ غيب أزواجهن؛ كقول الرجل للرجل: ما حفظت الله في كذا وكذا، بمعنى راقبته ولاحظته.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك ما جاءت به قراءة المسلمين من القراءة مجيئاً بقطع عذر من بلغه، ويثبت عليه حجته دون ما انفرد به أبو جعفر وتلك القراءة برفع اسم الله أصح؛ لأنها تتمشى مع ما ذكر من كلام العرب.
وأما قراءة النصب بنصب لفظ الجلالة، فهو بعيد لخروجه عن المعروف من منطق العرب، وذلك أن العرب لا تحذف الفاعل مع المصادر من أجل أن الفاعل إذا حذف معها لم يكن للفعل صاحب معروف، وفي الكلام متروك استغنى بدلالة الظاهر من الكلام عليه من ذكره ومعناه: “فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله فأحسنوا إليهن وأصلحوا”([31]).
و” ما ” اسم موصول أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف تقديره “هن” والباء سببية؛ أي: بسبب الذي، أو شيء حفظهن الله به، ولفظ الجلالة فاعل حفظ، والمعنى: أن الله كما أوصى الأزواج بحفظ النساء، كذلك لا تسمى النساء صالحات إلا إذا حفظن الأزواج؛ لأنه كما يدين الفتى يُدان. ويحتمل أن تكون ” ما ” مصدرية والمعنى: بحفظ الله؛ بتوفيق الله لهن([32]).
وجعل المهايمي الباء في قوله: (بما حفظ الله) للاستعانة حيث قال: مستعينات بحفظه مخافة أن يغلب عليهن نفوسهن وإن – بلغن مكن الصلاح ما بلغن – وعلى قراءة الجمهور يكون في “ما” ثلاثة أوجه هي كما يلي:
1- أنها مصدرية، والمعنى: بحفظ الله إياهن؛ أي: بتوفيقه لهن أو بالوصية منه تعالى عليهن.
2- أنها تكون بمعنى: الذي، والعائد محذوف؛ أي: بالذي حفظه الله لهن من مهور أزواجهن والنفقة عليهن. قاله الزجاج.
3- أن تكون “ما” نكرة موصوفة والعائد محذوف أيضاً. والباء سببية؛ أي: بسبب حفظ الله لهن، وفسّر حفظ الله لهن بنهيهن عن المخالفة، وحينئذ فالسببية ظاهرة، وفسّره بعضهم بإيصاء الأزواج عليهن، وحينئذ ففي السببية خفاء إلا أن يقال في توجيهها لما علمن أن الله أوصى عليهن يستحين أن لا يحفظن ما يتعلق بهم في غيبتهم([33]).
قال في “البحر”: وعلى قراءة النصب، فالظاهر أن “ما” بمعنى: الذي، وفي حفظ ضمير يعود على “ما” مرفوع؛ أي: بالطاعة والبر الذي حفظ الله في امتثال أمره، وقيل: التقدير بالأمر الذي حفظ حق الله وأمانته وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم، وقدّره ابن جني بما حفظ دون الله وأمر الله، وحذف المضاف متعين تقديره: لأن الله جل وعلا لا ينسب إليه أنه يحفظه أحد، وقيل: “ما” مصدرية، وفي حفظ ضمير مرفوع تقديره: بما حفظن الله، وهو عائد على الصالحات (وحذف مثل هذا الضمير) لا يجوز إلا في الشعر، كما قال الشاعر: “فإن الحوادث أودي بها”، يريد أو دين بها، والمعنى: يحفظن الله في أمره حين امتثلته.
والأحسن في هذا: ألا يقال: أن حذف الضمير، بل يقال: إنه عاد الضمير عليهن مفرداً، كأنه لوحظ الجنس وكأن الصالحات في معنى من صلح، وهذا كله توجيه بعيد أدى إليه قول من قال في هذه القراءة: إن “ما” مصدرية ولا حاجة إلى هذا القول([34]).
المعنى الجملي:
لا شك أن من طبيعة المؤمنة الصالحة ومن بحكم إيمانها وصلاحها أن تكون قانتة مطيعة، والقنوت الطاعة عن إرادة وتوجُّه ورغبة ومحبة لا عن قسر وإرغام وتفلُّت ومعاضلة، ومن ثم قال:{قَانِتَاتٌ}، ولم يقل: طائعات، وكذلك تكون حافظة للغيب ساترة لما يجري بينها وبين زوجها من الحديث الذي جرت العادة بوقوعه في خلوة أحد الزوجين بصاحبه، ولا يتأتى هذا كله إلا لمن حفظت أمر الله بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى.
قوله تعالى:{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}، لا شك أن أمر النشوز خطير، ولابد من المبادرة باتخاذ الإجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز منذ أن تلوح من بعيد، وفي سبيل صيانة المؤسسة من الفساد، أو من الدمار أبيح للمسؤول الأول عنها أن يزاول بعض أنواع التأديب لا للانتقام والإهانة والتعذيب، ولكن للإصلاح ورأب الصدع في هذه المرحلة المبكرة من النشوز، فيبدأ بالإجراء الأول، وهو عمل تهذيبي مطلوب منه في كل حالة، ولكنه في هذه الحالة بالذات يتجه اتجاهاً معيناً لعلاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل.
{تَخَافُونَ}، اختلف المفسرون في معنى الخوف هنا، فقال بعضهم: معناه: واللاتي تعلمون نشوزهن، ووجه صرف الخوف في هذا الموضوع إلى العلم في قول هؤلاء نظير صرف الظن إلى العلم لتقارب معنييهما، إذ كان الظن شكاً والخوف مقروناً برجاء وكانا جميعاً من فعل المرء بقلبه كما قال الشاعر:
ولا تدفنني في الفلاة فإنني ** أخاف إذا ما مات ألا أذوقها
معناه: فإنني أعلم.
وكما قال الآخر:
أتاني كلام من نصيب بقوله ** وما خفت يا سلام أنك عائبي
بمعنى: وما ظننت، وقيل: أن الخوف هنا هو الخوف الذي ضد الرجاء([35]).
وأصل الخوف حالة تحصل في القلب عند حدوث أمر مكروه، أو عند الظن، أو عند العلم بحدوثه، وقد يراد به أحداهما؛ أي: تظنون عصيانهن وترفعهن عن مطاوعتكم.
وقال محمد بن كعب: المراد بالخوف هو الذي خلاف الأمن، كأنه قيل: تخافون نشوزهن بعلمكم بالحال المؤذنة به. قوله:{نُشُوزَهُنَّ}. قال في “القاموس”([36]): النشز: المكان المرتفع والمرأة تنشز وتنشز نشوزاً استعصت على زوجها وأبغضته.
والمراد به هنا: معصية الأزواج والترفُّع. وقال الخازن: إن معنى نشوزهن؛ أي: شرورهن. وقيل: النشوز أن تتعوج المرأة ويرتفع خلقها وتستعلي على زوجها، ويقال: نسور بالسين والراء المهملتين، ويقال: نصور، ويقال: نشوص، وامرأة ناشز وناشص.
قال الأعشى:
تجللها شيخ عشاء فأصبحت ** مضاعية تأتي الكواهن ناشصاً
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نشوزهن: عصيانهن. وقال عطاء رحمه الله: نشوزها ألا تتعطر وتمنعه نفسها وتتغير عن أشياء كانت تصنّع للزوج بها. وقال منصور: نشوزها: كراهيتها للزوج، وقيل: امتناعها عن المقام معه في بيته وإقامتها في مكان لا يريد الإقامة فيه، وقيل: منعه نفسها من الاستمتاع بها إذا طلبها لذلك. وهذه الأقوال متقاربة([37]).
ذكر العلماء رحمهم الله أن علامات النشوز قد تكون بالقول والفعل، وقد مثلوا لذلك بأمثلة كثيرة فقالوا: إن الأصل في المرأة أن تلبي زوجها إذا دعاها وتخضع له إذا خاطبها، وهذا من جهة القول. وكذلك الفعل فالأصل أن تقوم له إذا دخل عليها وتسرع إلى أمره إذا أمرها، فإذا خالفت هذه الأحوال بأن رفعت صوتها عليه ولم تجبه إذا دعاها ولم تبادر إلى أمره إذا أمرها دلّ ذلك على نشوزها على زوجها. وقد عبّر سبحانه عن العلم بالخوف لحكمة لطيفة وهي: أنه لما كان يجب أن تكون المعيشة بين الزوجين معيشة محبة وتراض ومودة والتئام لم يشأ أن يسند النشوز إلى النساء إسناداً مباشراً يدل على أنه يقع منهن فعلاً، بل عبّر عن ذلك بعبارة تومئ إلى أن من شأنه أن لا يقع منهن؛ لأنه خروج عن الأصل الذي يقوم به نظام الفطرة وتطيب به المعيشة([38]).
وقد أطلق سبحانه في هذه الآية النشوز على النساء، فهل هو خاص بهن أم يحصل من الرجال؟ وجواباً على ذلك نقول: النشوز يحصل من النساء كما ذكر في هذه الآية ويحصل من الرجال. قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128].
قوله: {فَعِظُوهُنَّ}، هذا خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن، فيأمرهم تعالى أن يذكروهن أمر الله بطاعتهن إياهم ويعرفوهن أن الله أباح لهم ضربهن عند عصيانهن وعقاب الله لهن على العصيان، فمثلاً يقول لها الزوج: اتقِّ الله وارجعي إلى فراشك. وقيل: انصحوهن بالترغيب فيما عند الله من الأجر للمرأة المطيعة الحسنة العشرة وبالترهيب من مغبة النشوز وعواقبه الوخيمة، لعل هذا يجدي في رجوعهن؛ لأن قلوب النساء أقبل للوعظ والإرشاد من غيرهن.
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} الهجر في لغة العرب على ثلاثة أوجه:
أحدها: هجر الرجل كلام الرجل وحديثه، وذلك رفضه وتركه، يقال: منه هجر فلان أهله يهجرها هجراً وهجراناً.
الثاني: الإكثار من الكلام بترديد كهيئة كلام الهاذي، يقال: منه هجر فلان في كلامه يهجر هجراً إذا هذى في كلامه. ومنه قول ذي الرمة:
رمى فأخطأ والأقدار غالبة ** فانصعن والويل هجيراه والحرب
والثالث: هجر البعير إذا ربطه بالهجار وهو: حبل يربط في حقويها ورسغها. ومنه قول امرئ القيس:
رأيت هلكا بنجاف الغبيط ** فكادت تجر لذلك الهجار
وقد رجّح الإمام الطبري رحمة الله عليه أن يكون قوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ} موجهاً معناه إلى معنى الربط بالهجار من قيل العرب للبعير إذا ربط صاحبه بحبل([39]).
وقد تعقبه أبو بكر بن العربي رحمه الله بقوله: “يا لها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة والذي حمله على ذلك حديث غريب، رواه ابن وهب عن مالك: أن أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام رضي الله عنهما كانت تخرج حتى عوتب في ذلك قال: وعتب عليها وعلى ضرتها فعقد شعر كل واحدة منهما بالأخرى ثم ضربهما شرباً شديداً، وكانت الضرة أحسن اتقاء وكانت أسماء لا تتقي فكان الضرب فيها أكثر، فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها: أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ولعله أن يكون زوجك في الجنة”.
وقد تعقبه أيضاً الشيخ([40]) رشيد رضا رحمه الله وقال: المعنى الصحيح في الهجر هو ما يتبار إلى الفهم وهو هجر في الفراش لا هجر الفراش والحجرة؛ لأن هذا زيادة عقوبة غير مشروعة.
وقيل في اهجروهن: اتركوا جماعهن في مضاجعكتم إياهن. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: المراد بالهجران أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها فيه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: اهجروا كلامهن في تركهن مضاجعتكم حتى يرجعن إلى مضاجعتكم، فهذا الهجر إما أن يكون هجر كلام أو هجر جماع أو هجر مضاجعة.
و”في” هنا قيل: إنها للسببية؛ أي: اهجروهن بسبب تخلفهن عن المضاجع.
وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه والنخعي رحمه الله وغيرهما: “في المضجع” على الإفراد كأنه اسم جنس يؤدي ـ معنى الجمع والمضاجع قبل المراقد؛ أي: فلا تدخلوهن تحت اللحف أو لا تباشروهن، وقيل: المبيت؛ أي: لا تبايتوهن. وعلى كل حال ففي الكلام كناية عن ترك الجماع. والله أعلم.
قوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ} يعني: إن لم يتأدبن بالهجران فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولا شائن، قيل: هو أن يضربها بالسواك ونحوه.
قال الشافعي رحمه الله: الضرب مباح وتركه أفضل. وقد ذكر العلماء رحمهم الله قصة طريفة حول هذه الآية تبين مدى حرص المرأة الصالحة على إرضاء زوجها وحسن العشرة معه. فقد قال الشعبي رحمه الله: إن شريحاً تزوج امرأة من تميم يقال لها: زينب، قال: فلما تزوجتها ندمت حتى وددت أن أرسل إليها بطلاقها لا أعجل حتى يُجاء بها، فلما جيء بها تشهدت، ثم قالت: أما بعد، فقد نزلنا منزلاً لا ندري متى نظعن منه فانظر الذي تكره هل تكره زيارة الأختان([41]).
فقلت: أما بعد، فإني شيخ كبير ولا أكره المرافقة وإني لا أكره ملال الأختان، قال: فما شرطت شيئاً إلا وفت به. قال: فأقامت سنة ثم جئت يوماً ومعها في الحجلة([42]) إنس، فقلت: إنا لله. فقالت: أبا أمية إنها أمي، فسلم عليها، فقالت: انظر فإن رابك منها شيء فأوجع رأسها، قال: فصحبتني ثم هلكت قبلي. قال: فوددت أني قاسمتها عمري أو مت أنا وهي في يوم واحد.
قال شريح:
رأيت ناساً يضربون نسائهم ** فشلّت يميني يوم أضرب زينبا
هكذا تكون المرأة الصالحة التي أثنى عليها في محكم كتابه، فحبذا لو اتخذت نساء هذا الزمان من تلك المرأة ومثيلاتها من زوجات سلفنا الصالح قدوة صالحة ونهجاً مستقيماً([43]).
المعنى الجملي:
إذا خرجت المرأة عن حقوق الرجل فقد ترفّعت عليه وحاولت أن تكون فوق رئيسها، بل ترفّعت أيضاً عن طبيعتها وما يقتضيه نظام الفطرة في التعامل، وأصبحت كالناشز من الأرض الذي خرج عن الاستواء، ويظهر لنا من تعبير القرآن الكريم تنبيه لطيف إلى مكانة المرأة وما الأولى في شأنها وإلى ما يجب على الرجل من السياسة لها وحسن التلطُّف في معاملتها حتى إذا أنس منها ما يخشى أن يؤول إلى الترفُّع وعدم القيام بحقوق الزوجية، فعليه أن يبدأ أولاً بالوعظ الذي يظن أنه يؤثر في نفسها والوعظ يختلف باختلاف حال المرأة والرجل العاقل لا يخفى عليه الوعظ الذي يؤثر في قلب امرأته، فإن لم يفد الوعظ انتقل إلى الهجر وهو ضرب من ضروب التأديب لمن تحب زوجها ويشق عليها هجره إياها، فإن لم يفد الهجر انتقل إلى الضرب بشرط أن يكون غير مبرح.
قوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}، وعلى أية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حد تقف عنده متى تحققت الغاية عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات فلا تتجاوز إلى ما ورائها.
{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} أي: تركن النشوز {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أي: لا تجنوا عليهن بقول أو فعل، وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن، وقيل: المعني: لا تكلفوهن الحب لكم فإنه ليس إليهن([44]).
والبغي قال في “المختار”: التعدي، وبغى عليه: استطال وبابه رمى، وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء فهو بغي([45]).
قال الشيخ رشيد([46]) رضا رحمه الله: أي: إن أطعنكم بواحدة من هذه الخصال التأديبية فلا تبغوا بتجاوزها إلى غيرها فابدأوا بما بدأ الله به من الوعظ، فإن لم يفد فالهجر، فإن لم يفد فليضرب، فإن لم يفد كله فليلجأ إلى التحكيم. ويفهم من هذا أن القانتات لا سبيل عليهن حتى في الوعظ والنصح فضلاً عن الهجر والضرب. وقيل: لا تلتمسوا ولا تطلبوا طريقاً إلى إيذائهن ومكروههن من قول القائل:”بغيت الضالة إذا التمستها”. ومنه قول الشاعر في صفة الموت:
بغاك وما تبغيه حتى وجدته *** كأنك قد واعدته أمس موعداً
بمعنى: طلبك وما تطلبه([47]). وقيل: المعنى: أزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن، كأن لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وفي نصب {سَبِيلاً} وجهان: أحدهما: أنه مفعول به، والثاني: أنه على إسقاط الخافضي، وهذان الوجهان مبنيان على تفسير البغي هنا ما هو؟ فقيل: هو الظلم من قوله {فَبَغَى عَلَيْهِمْ} [القصص: 76]، فعلى هذا يكون لزماً وسبيلاً منصوب بإسقاط الخافض؛ أي: بسبيل، وقيل: هو الطلب من قولهم: بغيته؛ أي: طلبته، وعلى هذا فـ {سَبِيلاً}مفعول به لـ {تَبْغُواْ} وفي {عَلَيْهِنَّ} وجهان: أحدهما: أنه متعلق بـ{تَبْغُواْ}، والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من سبيل؛ لأنه في الأصل صفة للنكرة قدمت عليها([48]).
قوله: {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}، إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب؛ أي: إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله، فيده فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته، فالله بالمرصاد. فلذلك حسن الاتصاف هنا بالعلو الكبر.
قال ابن كثير([49]) رحمه الله: فيه تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.
وقال الرازي رحمه الله: ذكر الله هاتين الصفتين في هذا الموضوع في غاية الحسن، وبما أن هذا الحسن آتٍ من عدة وجوه فنحن نذكر منها ما يلي:
أولاً: أن هذا تهديد من الله للأزواج على ظلم النساء.
ثانياً: أنه تعالى مع علوّه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون، فكذلك لا تكلفوهن محبتكم فإنهم لا يقْدرْن على ذلك.
ثالثاً: أنه تعالى مع علوه وكبريائه اكتفى من العبد بالظاهر ولم يهتك السرائر، فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة وألا تقعوا في التفتيش عما في قلبها وضميرها من الحب والبغض([50]).
المعنى الجملي:
إذا وصلنا إلى هذا الحد من الآية نكون وقفنا عند تحقيق الغاية، فتقف الوسيلة مما يدل على أن الغاية غاية الطاعة هي المقصودة وهي طاعة الاستطاعة لا طاعة الإرغام، فهذه ليست بطاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة قاعدة الجماعة، ويشير النص إلى أن المضي في هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغيٌ وتحكُّمٌ وتجاوزٌ فلا تبغوا عليهن سبيلاً.
ثم يعقب تعالى هذا النهي بالتذكير بالعلي الكبير كي تتضامن القلوب وتخضع الرؤوس وتتبخر مشاعر البغي والاستعلاء إن طافت ببعض النفوس على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. قوله:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.
تستعمل الإجراءات السابقة حين لا يستعلن النشوز وإنما تتقي بوادره، فأما إذا كان قد استعلن فلا تتخذ الإجراءات السالفة إذ لا قيمة لها ولا ثمرة، وإنما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطم أحدهما رأس الآخر، وهذا ليس المقصود ولا المطلوب، بل في هذه الحالة يشير المنهج الإسلامي بإجراء أخير لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}.. الآية.
قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} قال ابن جبير والضحاك رحمهما الله: الخطاب للحاكم وهو وارد على بناء الأمر على التقدير المسكوت عنه بأن ذلك مما ليس ينبغي أن يفرض تحققه، أعني: عدم الطاعة، وقيل: لأهل الزوجين؛ وقيل: للزوجين. وروي ذلك عن السدي رحمه الله. وقيل: في معنى: {وَإِنْ خِفْتُمْ}، وإن توقعتموه بظهور أسبابه، وقيل: وإن علمتموه فافعلوا ما أمركم الله به.
و”الشقاق” قال في “القاموس”: المشاقة والشقاق: الخلاف والعداوة، وكذا قال في “مختار الصحاح”. ومعناه عند المفسرين، قيل: إنه الخلاف الذي يحمل كُلّاً من المختلفين في شق؛ أي: جانب، قاله المراغي رحمه الله، وقيل: وإن خفتم مشاقة كل واحد منهما صاحبه وهو إتيانه ما شق عليه من الأمور فأما المرأة فالنشوز وتركها أداء حق الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها، وأما الزوج فتركه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان والشقاق مصدر من قول القائل: شاق فلان فلاناً فهو يشاقه مشاقةً وشقاقاً وذلك قد يكون عداوةً([51])، وإذا وقع الشقاق بينهما، فإما أن يكون منها أو منه أو بشكل، فإن كان منها فهو النشوز وحكمه {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}، وإن كان منه فإن كان قد فعل فعلاً حلالً؛ كالتزوج بامرأة أخرى أو تسفر لجارية عرفت المرأة أن هذا مباح ونهيت عن الشقاق، فإن قبلت وإلا كان ذلك نشوزاً وإن كان بظلم من جهته أمره الحاكم بالواجب وإن كان منهما أو كان الأمر متشابهاً، فالحكم {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}([52]).
الآية:{بَيْنِهِمَا} الضمير راجع إلى الزوجين وهما وإن لم يكونا مذكورين في الآية إلا أنه جرى ما يدل عليهما وإضافة الشقاق إلى البين؛ لأن البين قد يكون اسماً كما قال تعالى:{لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] في قراءة من قرأ ذلك، أو لإجرائه مجرى المفعول به؛ كقوله: “يا سارق الليلة أهل الدار” أو الفاعل؛ كقولهم: “تبارك صائم”.
{فَابْعَثُواْ} الأولى أن يكون هذا خطاباً للحاكم الناظر بين الخصمين المانع من التعدي والظلم، وذلك لأنه قد بين أمر الزوج وأمره بوعظها وتخويفها بالله ثم بهجرانها في المضجع إن لم تنزجر ثم بضربها إن قامت على نشوزها ثم لم يجعل بعد الضرب للزوج إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم من الظالم ويتوجه حكمه عليها، وقيل: إنه خطاب للأزواج. وقيل: لأهل الأزواج.
{حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} أي: ابعثوا أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالها ليتبين رجاء إصلاح ذات البين رجلاً يصلح للحكومة والإصلاح من أهله وآخر من أهلها، فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح وهذا على وجه الاستحباب فلو نصبا من الأجانب جاز. {مِّنْ أَهْلِهَا} فيه وجهان: أحدهما: أنه متعلق بـ “ابعثوا” لابتداء الغاية والثاني أن يتعلق بمحذوف؛ لأنه صفة للنكرة؛ أي: كائناً من أهلها فهي للتبعيض([53]).
{إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} قيل: معناه: إن يرد الحكمان خيراً وإصلاحاً يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير، قيل: إن يرد الحكمان إصلاحاً يوفق الله بين الزوجين، وقيل: إن يرد الزوجان إصلاحاً يوفق الله بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح، ولا شك أن اللفظ محتمل لكل هذه الوجوه([54]).
{إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} أي: أن الله كان عليماً بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزوجين، وغيره خبيراً بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما لا يخفى عليه شيء منه حافظاً عليهم حتى يجازي كلا منهم جزاءه بالإحسان إحساناً وبالإساءة غفراناً أو عقاباً([55]).
المعنى الجملي:
الخلاف بين الزوجين قد يكون بنشوز المرأة وقد يكون بظلم من الرجل، فالنشوز يعالجه الرجل بأقرب التأديبات الثلاثة التي ورد ذكرها في الآية: وإن كان النشوز بظلم من الرجل فإذا تمادى في ظلمه أو عجز عن إنزالها عن نشوزها وخيف أن يحول الشقاق بينهما دون إقامة حدود الله تعالى في الزوجية بإقامة أركانها الثلاثة: السكون والمودة والرحمة، وجب على المؤمنين العارفين بمصالحهم أن يبعثوا حكمين من أهله وأهلها عارفين بأحوالهما، ويجب على هذين الحكمين أن يوجها إرادتهما إلى إصلاح ذات البين. وهكذا الله جل وعلا فيما شرعه لنا من هذا الحكم عليم بأحوال العباد وأخلاقهم وما يصلح لهم خبير بما ينفع بينهم وبأسبابه الظاهرة والباطنة فلا يخفى عليه شيء من وسائل الإصلاح بينهما([56]).
الإجمالي
إن الذي خلق الإنسان جعل من فطرته الزوجية شأنه شأن كل شيء خلقه في هذا الوجود {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}[الذاريات:49]، ثم شاء أن يجعل الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة وأراد أن يكون بالتقاء شطري النفس الواحدة سكناً للنفس وهدوءًا للعصب وطمأنينة للروح وراحة للجسد ومزرعة للنسل، ومن تساوى شطري النفس الواحدة في موقفهما من الله ومن تكريمه للإنسان، كان ذلك التكريم للمرأة وتلك المساواة في حقوق الأجر والثواب وفي حقوق التملك والإرث وفي استغلال الشخصية المدنية وإذا التقينا الأضواء على هذا النص وجدناه في سبيل تنظيم المؤسسة الزوجية وتوضيح الاختصاصات التنظيمية فيها لمنع الاحتكاك فيها بين أفرادها بردهم جميعاً إلى حكم الله لا حكم الهوى والانفعالات والشخصيات فالله جل وعلا يحدد أن القوامة في هذه المؤسسة للرجل، ويذكر من أسباب هذه القوامة تفضيله للرجل بمقومات القوامة وما تتطلب من خصائص وتكليف الرجل الإنفاق على المؤسسة وبناء على إعطاء القوامة للرجل، يحدد كذلك اختصاصات هذه القوامة في صيانة هذه المؤسسة من التفسخ وحمايتها من النزوات المعارضة وطريقة علاج هذه النزوات حين تعرض في حدود مرسومة.
وأخيرا بين الإجراءات التي تتخذ عندما تفشل الإجراءات الداخلية ويلوح شبح الخطر على المؤسسة والتي لا تضم شطري النفس الواحدة فحسب، ولكن تضم الفراخ الخضر الناشئة في المحضن والمعرضة للبوار والدمار، ولعلنا بعد هذا كله نفهم لماذا شرعت أولاً والصورة التي يجب أن تؤدي بها ثانياً.
إنها شرعت كإجراء وقائي عند خوف النشوز للمبادرة بإصلاح النفوس والأوضاع، لا لزيادة إفساد القلوب وملئها بالبغض والحنق أو بالمذلة والرضوخ الكظيم، أنها أبداً ليست معركة بين الرجال والنساء بين الرجل والمرأة يراد لها بهذه الإجراءات تحطيم رأس المرأة حين تهم بالنشوز وردها إلى السلسلة؛ كالكلب المسجور، كلا ليس هذا هو المقصود بل المقصود أن يتمشى مع تلك الإجراءات؛ فإن أجدت الموعظة وإلا انتقل إلى الهجر هجر المضجع، وكلنا يعلم أنه موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيها الناشز المتعالية قمة سلطانها، فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها، وكانت ـ في الغالب ـ أميل إلى التراجع والملاينة أمام هذا الصمود من زوجها وأمام بروز خاصية قوة الإرادة والشخصية فيه من أحرج مواضعها، وإذا لم يجد الهجر ينتقل إلى الإجراء الثالث وهو الضرب، وهذا الضرب المأمور به إنما هو ضرب تأديب لا ضرب إهانة وإذلال وتحقير وقسر على معيشة، كلا بل هو ضرب تأديب مصحوب بعاطفة المربي والمؤدب كما يفعل الأب مع أبنائه والمربي مع تلاميذه.
ومعروف بالضرورة أن هذه الإجراءات لا موضع لها في حالة الوفاق بين الشريكين في المؤسسة الخطيرة وإنما هي لمواجهة خطر الفساد والتصدق فهي لا تكون إلا إذا كان هناك انحراف ـ ما ـ هو الذي تعالجه هذه الإجراءات وحين لا يجدي الوعظ ولا يجدي الهجر قد يكون هذا الانحراف من نوع معين لا تجدي فيه إلا هذه الوسيلة.
ويذكر بعض علماء النفس أن هناك نوعاً من النساء لا تحسن قوة الرجل الذي تحب نفسها أن تجعله قيماً وترضى به زوجاً إلا حين يقهرها عضلياً وليست هذه طبيعة كل امرأة وعلى أية حال، فالذي يقرر هذه الإجراءات هو الذي خلق وهو أعلم بمن خلق وكل جدال وتمرُّد على قوله مفضٍ إلى الخروج عن الإيمان كله.
ومعلوم أن لهذه الإجراءات حداً تقف عنده، فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة، والغاية هنا هي الطاعة، فإذا تحققت وقفت الوسيلة وهي تلك الإجراءات السالفة وعندما لا تثمر هذه الإجراءات كلها لا يدعو المنهج الإسلامي إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح وتحطيم مؤسسة الأسرة بمن فيها من الصغار والكبار الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة، فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإسلام بقدر خطورتها في بناء المجتمع وفي إمداده باللبنات الجديدة اللازمة لنموه وامتداده ورقيه، إنه يلجأ إلى وسيلة أخرى قبل وقوع الشقاق فعلاً، فيبعث حكمين من أهله وأهلها فيجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح فإن كان نفس الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق.
ويختم الله سبحانه هذه الآيات باطلاعه عباده، ومنهم الحكمان المبعوثان للإصلاح بأنه: عليمٌ بكل ما يقع منهما ويصدر، خبير بما يكنانه ويضمرانه سبحانه لا إله إلا هو العلي العظيم([57]).
الأحكام الشرعية والخُلُقية
1ـ تفضيل الرجل على المرأة في المنزلة والشرف([58]).
2ـ فيه دليل على أن الولاية إنما تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة والقهر([59]).
3ـ استدل بها على أن المرأة لا تلي القضاء كالإمامة العظمى؛ لأنه جعل الرجال قوامين على النساء، فلم يجز أن يقمن على الرجال. وقيل: إنها تلي القضاء.. والله أعلم.
4ـ أن للزوج منع زوجته من الخروج وله حق التأديب.
5ـ للزوج حق الحجر على زوجته في مالها فلا تتصرف فيه إلا بإذنه؛ لأن الله جعله قواماً عليها بصيغة المبالغة والقوام الناظر على الشيء الحافظ له، والمالكية يقولون بهذا على تفصيل فيه([60]).
6ـ وجوب النفقة على الزوج لزوجته.
7ـ أن على الزوجة طاعة زوجها إلا في معصية الله. وفي الخبر: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)([61]).
8ـ أن لها حق المطالبة بفسخ النكاح عند إعسار الزوج بالنفقة أو الكسوة؛ لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها، فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح، وهذا مذهب المالكية، والشافعية. أما الحنفية فيقولون: ليس لها حق الفسخ لقوله تعالى:{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280].
9ـ ظاهر قوله تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ}. الآية: أنه خبر وبعض العلماء يقول: المراد به الأمر بالطاعة، فالمعنى لتطع المرأة زوجها ولتحفظه في نفسها وفي ماله حتى تكون امرأة صالحة للحياة الزوجية تستحق جميع حقوقها، ويؤيد ذلك قوله تعالى:{بِمَا حَفِظَ اللّهُ}، فإن معناه أن عليهن أن يطعن أزواجهن ويحفظنهم في مقابلة ما حفظه الله لهن من حقوق قبل الأزواج من مهر ونفقة.
10ـ اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعاً بالغين إلا الناشز منهن الممتنعة. وقال أبو عمرو: من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملاً، وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشز فأوجبها، وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها ولا تسقط نفقة المرأة عن زوجها لشيء غير النشوز لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مغيب زوجها([62]).
11ـ اشترط العلماء في الهجر ألا يكون هجراً ظاهراً في غير مكان خلوة الزوجين فلا يكون هجراً أمام الأطفال يورث نفوسهم شراً وفساداً ولا هجراً أمام الغرباء يذل أو يستثير كرامتها فتزداد نشوزاً، فالمقصود علاج النشوز لا إذلال المرأة ولا إفساد الأطفال([63]).
12ـ ضرب العلماء حداً للهجر، وهو أن يكون شهراً فأقل، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه.
13ـ اشترط العلماء في الضرب أن يكون غير مبرح. روى ذلك ابن جرير رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتبريح الإيذاء الشديد.
14ـ اختلف العلماء في وجوب ضرب المرأة في الخدمة، والقياس يوجب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز ضربها في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف. وقال ابن خويزمنداد رحمه الله: والنشوز يسقط النفقة وجميع الحقوق الزوجية، ويجوز معه أن يضربها ضرب الأدب غير المبرح، وبلا شك أنه يختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة، فأدب الرفيعة العذل، وأدب الدنيئة السوط. قال بشار: الحر يلحى والعصا للعبد يلحى: يلام. وقال ابن دريد:
واللوم للحر مقيم رادع *** والعبد لا يردعه إلا العصا([64])
15- اختلف العلماء هل بين المرأة وزوجها قصاص؟ فقيل: لا قصاص بين الرجل وامرأته فيما دون النفس ولو شجها، ولكن يجب العقل، وقيل: لا قصاص إلا في الجرح والقتل. وأما اللطمة ونحوها فلا.
16- ظاهر الآية ترتب العقوبات المذكورة على خوف النشوز وإن لم يقع النشوز بالفعل وهو بعيد، لذلك أوّل العلماء هذه الآية عدة تأويلات، فمنهم من فسّر الخوف بالعلم، ومنهم من قدر مضافاً؛ أي: “تخافون دوام نشوزهن أو أقصى مراتب نشوزهن”، ومنهم من قدر معطوفاً محذوفاً “تخافون نشوزهن ونزن”. ومنهم من أبقى الخوف على أصله وجعل جزاءه الوعظ فقط([65]).
17- اختلف العلماء في هذه العقوبات أهي مشروعة على الترتيب أم لا؟، ومنشأ الخلاف اختلافهم في فهم الآية، فمن رأى عدم الترتيب يقول: الواو لا تقتضيه، والفاء في قوله:{فَعِظُوهُنَّ} لا أدلة لها على أكثر من ترتيب المجموع على النشوز، فله أن يقتصر على إحدى أكثر أكثر العقوبات أيّاً كانت وله أن يجمع من غير ترتيب بينها وهؤلاء. قال بعضهم: هذا الترتيب مراعي عند عدم النشوز. أما عند تحققه فلا بأس بالجمع بين الكل، ومنهم من قال: له أن يعظها عند خوف النشوز، وهل له أن يهجرها فيه احتمال ذلك، وله عند ظهور النشوز أن يعظها وأن يهجرها أو يضربها.
ومن ذهب إلى وجوب الترتيب يرى أن ظاهر اللفظ وإن دلّ على مطلق الجمع، فإن فحوى الآية تدل على الترتيب، إذ الواو داخلة على جزاءات مختلفة متفاوتة واردة على سبيل التدرج من الضعيف إلى القوي إلى الأقوى، فإنه تعالى ابتدأ بالوعظ ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك جار مجرى التصريح بأنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به ولم يجز الإقدام على الطريق الأشد.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يعظها بلسانه، فإن انتهى فلا سبيل له عليها، فإن أبت هجر مضجعها، فإن أبت ضربها، فإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكم، والذين أوجبوا الترتيب اختلفوا في السبب الذي رتبوا عليه الإيجاب.
فقال بعضهم: دلّ على ذلك السياق والقرينة العقلية إذ لو عكس كان استغناء بالأشد عن الأضعف ولا يكون لهذا فائدة.
وقال بعضهم: الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجزائه مختلفة في الشدة والضعف مرتبة على أمر مدرج، فإنما النص هو الدال على الترتيب.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ رجحان ما ذهب إليه الجمهور من أن الوعظ عند خوف النشوز والهجر والضرب عند محققه ويكون بترجيحنا هذا رتبنا هذه الأمور على ملفوظ به ومحذوف؛ لأن في الآية محذوفاً تقديره {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} الآية، فإذا ظهرت أمارات وعظ وإن تحقق هجر وضرب….. والله أعلم بالصواب([66]).
18- دلت هذه الآية على تأديب الرجال نسائهم، فإن حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها([67])
19- اختلف العلماء لمن الخطاب في قوله {فَابْعَثُواْ} ومن المأمور ببعثه الحكمين. فقال بعضهم: المأمور بذلك السلطان الذي يرفع ذلك إليه.
وقال بعضهم: بل الزوجان. وظاهر هذا الأمر أنه للوجوب، وبه قال الشافعي، لأنه من باب رفع الظلامات.
20- في الجزء الأخير من الآية كما قال ابن الفرس على ما أنكر من المالكية بعث الحكمين في الزوجية، وقال: تخرج إلى دار أمين أو يسكن عندها أمين([68]).
21- استدل ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآية على الخوارج في إنكارهم للتحكيم في قصة علي رضي الله عنه، وهذا أحد أمور ثلاثة علقت في أذهانهم فأبطلها كلها فرجع إلى مولاة الإمام علي رضي الله عنه عشرون ألفاً([69]).
22- الفائدة في بعث الحكمين ليست إزالة الشقاق الثابت، فإن ذلك محال، بل الفائدة إزالة ذلك الشقاق في المستقبل.
23- اختلف العلماء فيما يلي الحكمان أيليان الجمع والتفريق بدون إذن الزوجين أم ليس لهم تنفيذ أمر يلزم الزوجين بدون إذن منهما، فذهب علي وابن عباس رضي الله عنهما والشعبي ومالك رحمهما الله إلى أن لهما أن يلزما الزوجين بدون رضاهما ما يريان فيه المصلحة، مثل: أن يطلق الرجل أو تفتدي المرأة بشيء من مالها، فهما عندهما حاكمان موليان من قبل الإمام. وقال الحسن وأبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله: ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضاهما فهما عندهم وكيلان للزوجين، وللشافعي رحمه الله في المسألة قولان:
قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره ما نصه: إذا أعيا الحكمين إصلاح حال الزوجين ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين، وبه قال: مالك والأوزاعي وإسحاق رحمهم الله، وهو مروي عن عثمان وابن عباس رضي الله عنهما والشعبي والنخعي رحمهما الله. وحكاه ابن كثير عن الجمهور قالوا: لأن الله قال:{فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}. وهذا نص من الله سبحانه أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان. وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن رحمهم الله وهو أحد قولي الشافعي: إن التفريق إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الإمام والحاكم؛ لأنهما رسولان شاهدان فليس إليهما التفريق ويرشد إلى هذا قوله: {إِن يُرِيدَا}، أي: الحكمان {إِصْلاَحًا} بين الزوجين {يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} لاقتصاره على ذكر الإصلاح دون التفريق.ا.هـ([70]).
استدل القائلون بأنهما وكيلان بتوقُّف علي رضي الله عنه حين لم يرض الزوج وذلك حين قال: أما الفرقة فلا، فقال له عليّ: كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به، فثبت أن تنفيذ الأمور موقوف على إقراره ورضاها، ومعنى قول عليّ: كذبت؛ أي: لست بمنصف في دعواك حيث لم تقر بمثل ما أقرت به من الرضا بحكم كتاب الله لهما وعليها. أجاب القائلون: بأن لهما أن يجتمعا ويفرقا بدون إذنهما عن ما روي عن علي. قالوا: ليسوا المراد من قول علي للزوج: حتى تقر أن رضاه شرط، بل معناه: أن المرأة لما رضيت بما في كتاب الله تعالى. فقال الرجل: أما الفرقة فلا يعني ليست الفرقة في كتاب الله، بل هي في كتاب الله.
قال المانعون من التفريق بدون إذن الزوجين: في فحوى الآية ما يدل على أنه ليس للحكمين أن يفرقا وذلك أنه قال: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا} ولم يقل يريدا فرقة.
إذا علم هذا فالمسألة اجتهادية ولم يرد فيها نص، فالترجيح للرأي والقياس الذي يظهر لنا أن القياس يقتضي ترجيح الرأي القائل: أنه لا يجوز للحكمين أن يفعلا شيئاً من غير رضا الزوجين؛ لأنه لا خلاف أن الزوج لو أقرّ قبل التحكيم بالنشوز لم يجبرها الحاكم على الافتداء، فإذا كان ذلك حكمها قبل بعث الحكمين، فكذلك يكون الحكم بعد بعثهما فلا يجوز إيقاع الطلاق من غير رضا الزوج وتوكيله ولا إخراج المال عن رضاها. وقد رجح هذا الإمام البغوي والسايس رحمهما الله، وقال الجصاص رحمه الله تعالى: إن قول من قال إنهما يفرقان ويخلعان من غير توكيل من الزوجين تعسُّف خارج عن حكم الكتاب والسنة. والله أعلم([71]).
24- أجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر.
25- إذا حكم الحكمان بالطلاق فإنه بائن لوجهين أحدهما: كلي، والآخر: معنوي. أما الكلي فكل طلاق ينفذه الحاكم فإنه بائن.
الثاني: أن المعنى الذي وقع لأجله الطلاق هو الشقاق ولو شرعت فيه الرجعة لعاد الشقاق، كما كان أول دفعة فلم يكن ذلك يفيد شيئاً فامتنعت الرجعة، فإن أوقعا أكثر من واحدة، فقيل: ينفذ، وقيل: لا يكون إلا بواحدة. وجه القول بأنه ينفذ أنهما حكما به، ووجه الثاني: أن حكمهما لا يكون فوق حكم الحاكم لا يطلق أكثر من واحدة كذلك الحكمان([72]).
26- إذا حكم أحدهما بواحدة والآخر بثلاث، فقال عبد الملك رحمه الله: ينفذ الواجب وهي الواحدة التي اتفقا عليها ويلغو ما زاد. وقال ابن حبيب رحمه الله: لا ينفذ شيء؛ لأنهما اختلفا، والظاهر والله أعلم أن المتفق بين الحكمين ينفذ وما عداه يلغى؛ لأن أكثر العلماء منع تنفيذ ما اختلف الحكمان فيه، وكذلك الأحوط تركه([73]).
27- إذا حكم أحدهما بمال والآخر بغير مال لم بكن شيء؛ لأنه اختلاف محض كالشاهدين إذا شهد أحدهما ببيع الآخر بهبة فإنه لا ينفذ اتفاقاً([74]).
28- يجزئ إرسال الواحد لأن الله سبحانه حكم في الزنا بأربعة شهود، ثم قد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة الزانية أنيساً. وقال له: (إن اعترفت فارجمها). وقد قاس القرطبي رحمه الله على هذا جواز تحكيم الزوجين لواحد من قبلهما حيث قال: إذا جاز إرسال الواحد فلو حكّم الزوجان واحدا لأجزأ وهو بالجواز أولى إذا رضيا بذلك([75]).
29- اختلف العلماء رحمهم الله في العدالة هل هي شرط في الحكمين أو لا؟ فقال بعضهم: ينفذ قولهما إن كانا عدلين، فإن لم يكونا عدلين فقال عبد الملك رحمه الله: حكمهما منقوض؛ لأنهما تخاطرا بما لا ينبغي من الضرر، والصحيح نفوذه؛ لأنه إن كان توكيلاً ففعل الوكيل نافذ، وإن كانا تحكيماً فقد قدماه على أنفسهما وليس الغرر بمؤثر فيه كما لم يؤثر في التوكيل، وباب القضاء مبني على الغرر كله وليس بملزم فيه معرفة المحكوم عليه بما يؤول إليه الحكم([76]).
30- في الآية إرشاد إلى أن ما يقع بين الزوجين من خلاف وإن ظن أنه مستعصٍ يتعذر علاجه، فقد يكون في الواقع على غير ذلك من أسباب عارضة يسهل على الحكمين الخبيرين بدخائل الزوجين لقربهما منهما أن يمحصا ما علق من أسبابه بقلوبهما فيزيلاه، متى حسنت النية وصحت العزيمة.
دحض الشبهات
كنت قبل إعدادي هذا البحث قرأت الكثير عن المرأة وعن تلك المزاعم والترهات التي يرمي أعداء الإسلام بها الإسلام وأهله، ومن هذه المزاعم قولهم بغير الحق إن الإسلام أهان المرأة وضيع حقوقها وسلبها الإرادة فلا حول لها ولا قوة، ولطالما تخمرت في ذهني فكرة معالجة هذا الموضوع من جميع نواحيه لكي أسلط الأضواء على هذه الافتراءات فأدفعها من أصلها مؤيداً ما أقول الدليل المقنع سواء أكان شرعياً أم عقلياً، وها هي ولله الحمد تواتي الفرصة لانطلاق من خلال هذا البحث وهذه الفقرة بالذات ـ حض الشبه ـ إلى تحقيق أمنيتي فأبين في هذه السطور مدى تكريم الإسلام للمرأة ووضعه إياها في مصاف الرجال، وأن الحقيقة والواقع هو عكس ما يقولون فيهم إلى الآن لم يصلوا بنسائهم إلى المنزلة التي أوصل الإسلام إليها المرأة.
وسأعرض لشبهتين جليلتين يحوكهما أعداء الإسلام حول هذه الآية بالذات وهما:
أ ـ شبهة القوامة. ب ـ شبهة ضرب النواشز.. فأقول:
أ ـ شبهة القوامة:
أما مسألة القوامة فالضرورة تقضي أن يكون هناك قيم توكل إليه الإدارة العامة لهذه الشركة القائمة بين الرجل والمرأة، وما ينتج عنها من نسل وما تستتبعه من تبعات، وقد اهتدى الناس في كل تنظيماتهم إلى أنه لابد من رئيس مسؤول وإلا ضربت الفوضى أطنابها وعادت الخسارة على الجميع، وهناك ثلاثة أوضاع يمكن أن تفترض بشأن القوامة في الأسرة. فإما أن يكون الرجل أو تكون المرأة هي القيم أو يكونا قيمين.
ونستبعد الفرض الثالث منذ البدء؛ لأن التجربة أثبتت أن وجود رئيسين للعمل الواحد أدعى إلى الإفساد من ترك الأمر فوضى بلا رئيس، والقرآن يقول عن السماوات والأرض {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: 22].
فإذا كان هذا الأمر بين الآلهة والمتوهمين، فكيف هو بين البشر العاديين، وعلم النفس يقرر أن الأطفال يتربون في ظل أبوين يتنازعان على السيادة تكون عواطفهم مختلفة، وتكثر في نفوسهم العقد والاضطرابات.
بقي الغرضان الأولان، وقبل أن نخوض في بحثهما نسأل هذا السؤال: أيهما أجدر أن تكون وظيفة القوامة بما فيها من تبعات: الفكر أم العاطفة؟
فإذا كان الجواب البدهي هو الفكر لأنه هو الذي يدير الأمور في غيبة عن الانفعال الحاد الذي كثيراً ما يلتوي بالتفكير فيحيد به عن الطريق المباشر المستقيم، فقد انحلت المسألة دون حاجة إلى جدال كثير، فالرجل بطبيعته المفكرة لا المنفعلة وبحكم قدرته على الصراع واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته أصلح من المرأة في أمر القوامة على البيت، بل إن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغباتها، بل تحتقره بفطرتها ولا تقيم له أي اعتبار، فإذا كان هذا من أثر التربية القديمة التي تشرك طابعها في اللاشعور وتكيُّف مشاعر المرأة دون وعي منها؛ فهذه هي المرأة الأمريكية بعد أن ساوت الرجل مساواة كاملة وصار لها كيان ذاتي مستقل، عادت فاستعبدت نفسها للرجل فأصبحت تتلطف له ليرضى وتتحسس عضلاته المفتولة وصدره العريض ثم تلقي بنفسها بين أحضانه حين تطمئن إلى قوته بالقياس إلى ضعفها.
على أن المرأة إذا تطلعت للسيادة في أول عهدها بالزواج وهي فارغة البال من الأولاد وتكاليف تربيتهم التي ترهق البدن والأعصاب، فسرعان ما تنصرف عنها حين تأتي المشاغل وهي آتية بطبيعة الحال، فحينذاك لا تجد في رصيدها العصبي والفكري ما تحتمل به مزيداً من التبعات، وليس مؤدى ذلك أن يستبد الرجل بالمرأة أو بإدارة البيت، فالرئاسة التي تقابل التبعة لا تنفي المشاورة ولا المعاونة، بل العكس هو الصحيح، فالرئاسة الناجحة هي التي تقوم على التفاهم الكامل والتعاطف المستمر وكل توجيهات الإسلام تهدف إلى هذه الروح داخل الأسرة وإلى تغليب الحب والتفاهم على النزاع والشقاق، فالقرآن يقول:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:19]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(خيركم خيركم لأهله) ([77]).
فيجعل ميزان الخير في الإنسان هو طريقة معاملته لزوجته وهو ميزان صادق الدلالة فما يسيء رجل معاملة شريكته في الحياة إلا أن تكون نفسه من الداخل منطوية على انحرافات شتى تفسد معين الخير أو تعطله على الانطلاق، هكذا تقرر شريعتنا السمحة وتعاليم ديننا الحنيف، فأي شبهة يحوكها الأعداء حول الإسلام، ولعلهم لما رأوا من النتائج الوخيمة التي حلّت بمجتمعهم بعدما هدوا هذا الركن منه وهو قوامة الرجل على المرأة لعلهم بعد هذا يريدون إيقاع الإسلام بمثل ما وقعوا به لما رأوا من تماسك مجتمعه وانتظام سلوكه.
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ** فالقوم أهداء له وخصوم
كصرائر الحسناء قلن لوجهها ** حَسَداً وبغياً إنه لدميم
شبهة الضرب
لعلنا نستعرض موقف أعداء الإسلام عن هذه الشبهة على حد تعبيرهم، فهم يقفون عند هذه الإجراءات حجر عثرة أمام المسلمين ويروجون الأقاويل ويلفقون الأكاذيب فيقولون: إن هذا إهانة لكبرياء المرأة وفظاظة في معاملتها، ولكن ينبغي أن يكون نصب أعين المسلمين أن السلاح الاحتياطي لا يستعمل إلا حين تخفق كل الوسائل السلمية الأخرى.
وهكذا الضرب فهو سلاح احتياطي يكون رصيداً عند الزوج يستعمله في وقته متى دعت الحاجة إليه، والضرب ليس بضرورة فلا يجوز المبادرة إليه ولا الابتداء به، والآية بترتيب درجاتها تشير إلى ذلك، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ينهى الرجل عن استعمال هذا الحق إلا في الضرورة القصوى التي لا يفلح معها شيء، ويقول لهم موبخاً: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها آخر اليوم). ولكن يا ترى هل النشوز خاص بالزوجات أم يشمل الأزواج؟.
لعلنا من خلال استعراضنا لهذا النشوز ينضح لنا تمام عدالة الإسلام وإنصافه المرأة، وتبين لنا السبيل لدحض شبه الغرب، ومن والاهم من المقلدين فنقول: إن النشوز قد يحصل من الرجال ولا أدل على ذلك من قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128]. فأي امرأة في الأرض كلها تضرب زوجها، ثم يبقى له في نفسها احترام وتقبل أن تعيش معه بعد ذلك، وفي أي بلد في الغرب المتحضر أو الشرق المتأخر طالبت النساء بضرب أزواجهن.
هكذا يريد الغرب منا، يريدون أن نترك نسائنا يسرحن ويمرحن ويعلون على أزواجهنَّ أو أن يفسح المجال لهن لضرب أزواجهن، ولكن هل وقف الإسلام هكذا في وجه المرأة وأجبرها على البقاء حال النشوز من قبل زوجها؟ كلا إنه فسح لها المجال وأباح لها الانفصال حين لا تطيق النشوز ولا تحتمله([78]).
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله في تفسيره: يستكبر بعض مقلدة الإفرنج في آدابهم منّا مشروعية ضرب المرأة الناشز ولا يستكبرون أن تنشز المرأة عن زوجها وتترفع عليه، فتجعله وهو رئيس البيت مرؤوساً، بل محتقراً، وتصر على نشوزها حتى لا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، ولا أدري بم يعالجون هؤلاء النواشز؟ وبم يشيرون على أزواجهن أن يعاملوهن به؟ لعلهم يتخيلون امرأة ضعيفة نحيفة مهذبة أدبية، يبغي عليها رجل غليظ فيطعم سوطه من لحمها الغريض ويسقيه، ويزعم أن الله تعالى أباح له مثل هذا الضرب من الضرب وأن تجني عليها وتجرم ولا ذنب، كما يصنع كثير من غلاظ الأكباد محجري الطباع وحاشا لله أن يأذن بمثل هذا الظلم أو يرضى به.
إن من الرجال الجعفري الجواظ يظلم المرأة بمحض العدوان، وقد ورد في وصية أمثالهم بالنساء كثير من الأحاديث، وكذلك نص الآية ورد بالتحكيم وأن من النساء الفوارك المناشيص المعلات اللواتي يمقتن ويكفرن أيديهم عليهن وينشزن عليهم صلفاً وعناداً ويكلفنهم ما لا طاقة لهم به، فأي فساد يقع في الأرض إذا أبيح للرجل التقي الفاضل أن يخفض من صلف إحداهن ويدهورها من نشز غرورها بسواك يضرب به يدها أو كف يهوي به على رقبتها إن كان يثقل على طباعهم إباحة هذا، فليعلموا أن طباعهم رقت حتى انقطعت وأن كثيراً من أئمتهم الإفرنج يضربون نسائهم العالمات المهذبات الكاسيات العاريات المائلات المميلات، فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم وملوكهم وأمراؤهم؛ فهي ضرورة لا يستغني عنها الغالون في تكريم أولئك النساء المتعلمات، فكيف تستنكر إباحته للضرورة في دين عام للبدو والحضر من جميع أصناف البشر.
وضرب النساء ليس بالأمر المستنكر عقلاً وفطرة، فهو أمر يحتاج إليه في حال فساد النساء وغلبة الأخلاق الفاسدة عليهن، وهو إنما يباح إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، وإذا صلحت البيئة وصار النساء يقبلن النصيحة ويستجبن للوعظ أو يزدجرن بالهجر، فيجب الاستغناء عن الضرب، فلكل حالٍ حكم يناسبها في الشرع، ونحن مأمورون على كل حال بالرفق بالنساء واجتناب ظلمهنَّ، ومأمورون بإمساكهنَّ بمعروفٍ، أو تسريحهنَّ بإحسان.
والأحاديث في الوصية بالنساء كثيرة جداً، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها آخر اليوم) ([79])، وقد خص أكثر الفقهاء النشوز الشرعي الذي يبيح الضرب إن احتيج إليه لإزالته بخصال قليلة؛ كعصيان الرجل في الفراش والخروج من الدار بدون عذر وجعل بعضهما تركها الزينة وهو يطلبها نشوزاً، وقالوا له أيضاً أن يضربها على الفرائض إن تركتها؛ كالغسل والصلاة، والظاهر أن النشوز أعم فيشمل كل عصيان الترفُّع”اهـ([80]).
الخاتمة
بعد أن انتهينا من بحث الآية بحثاً مستفيضاً ـ جهد المستطاع ـ ظهر لنا شدة عناية الإسلام بنظام الأسر والبيوت، فقد اطلعنا من خلال هذه الآية على دور تنظيم مؤسسة الأسرة وضبط الأمور فيها، وتوزيع الاختصاصات وتحديد الواجبات وبيان الإجراءات التي تتخذ لضبط أمور هذه المؤسسة والمحافظة عليها من زعازع الأهواء والخلافات واتقاء التهديم فيها والتدمير جهد المستطاع.
وكذلك اطلعنا على قوة رابطة الزوجية وأنها أقوى الروابط التي تربط بين اثنين من البشر، فيها يشعر كل من الزوجين بشركة مادية ومعنوية، بها يؤاخذ كل منهما شريكه على أدق الأمور وأصغرها، فيحاسبه على فلتات اللسان وبالظنة والوهم وخفايا خلجات القلب فيغريهما ذلك بالتنازع في كل ما يقصر فيه أحدهما من الأمور المشتركة بينهما، وما أكثرها وأعسر التوقي منها، وكثيرا ما يفضي التنازع إلى التقاطع والعتاب إلى الكره والبغضاء.
فعليك أن تكون حكيماً في معاملة الزوجة، خبيراً بطباعها، وبذا تحسن العشرة بينكما وقد صرح علماء الاجتماع بأن السعادة الزوجية قلّما تمتع بها زوجان وإن كانت أمنية كل الأزواج، ومن ثم اكتفوا بالمودة العملية واجتهدوا في تربية رجالهم ونسائهم على الاحترام المتبادل([81]).
ولعلنا نستعرض في هذه الخاتمة بعض حكم التشريع في النفقة والتأديب فنقول:
– إن المرأة إذا كانت متزوجة فهي محبوسة بحبس النكاح الذي هو حق من حقوق الزوج، وممنوعه بحسب الشرع عن الاكتساب لأجله، وإذا علم ذلك فيكون حبسها عائداً إليه.
من أجل ذلك صارت كفايتها عليه؛ لأنها إذا كانت ممنوعة من الخروج، فلو لم تكن كفايتها عليه لهلكت من الجوع، والدِّين يأبى ذلك ويرفضه العقل أيضاً.
– لقد أباح الشارع الحكيم أن يؤدب الرجل زوجته إذا رأى منها نشوزاً أو عدم اعتدال في طاعته، تلك الطاعة التي بين حدودها الشارع الحكيم وكيفية ذلك: أن يعظها أولاً بالتي هي أحسن، بالقول اللين الذي لا خشونة فيه، فإن لم تمتثل فعليه الهجر لعلها ترجع عن غيها ويخوفها، إذ ربما تعود إلى رشدها وصوابها.
فالشارع حين أباح تأديب النساء راعي المصلحة العامة، فالمرأة قد تدل بجمالها أو مالها أو شيء آخر ترتفع بسببه عن زوجها، أضف إلى ذلك أنها ضعيفة العقل، قاصرة التدبير، كيف يردع مثل هذه؟ إن في إباحة الشارع الحكيم لتأديب مثل هذه المرأة الناشز جزاءً لها وردعاً لأمثالها والله أعلم بالصواب([82]).
ولعلنا بعد اختتام بحثنا هذا جنينا ثمرة محصوله، وهي تتلخص في قوامة الرجل على المرأة، وأن هذه القوامة إنعام من الله للرجل بسبب فضله عليها من جميع النواحي.
وبعد بيان قوامة الرجل على المرأة تعرضنا لبيان أنواع النساء، فمنهن الصالحات والناشزات، وتعرضنا لحكم كل منهما وفضل الأوليات على الأخريات، ثم مررنا على العقبات التي وضعها الإسلام حداً رادعاً لأولئك النواشز، وأن هناك إجراءات داخلية وخارجية، فإذا لم تجد هذه الوسائل كلها يحاول المصلحون التوفيق ما استطاعوا إليه سبيلاً، وهذا حرص من البارئ على قوة تماسك المجتمع بتعاون أفراده وحب بعضهم بعضاً.
وفق الله المسلمين إلى التمشي مع شرائعه والوقوف عند حدوده إنه سميع مجيب، وصلى الله على محمد.
فهرس الموضوعات
الموضوع |
تقديم: |
سبب النزول: |
صلة الآية بما قبلها: |
المفردات: |
شرح الغريب وبيان المعنى والقراءات والإعراب والبلاغة: |
الإجمالي: |
الأحكام الشرعية والخلقية: |
دحض الشبه: |
شبهة القوامة: |
شبهة الضرب: |
الخاتمة: |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) الإسلام والمرأة لسعيد الأفغاني، ص37.
([5]) أسباب النزول للواحدي (1/86).
([10]) البيت لأبي داود الإيادي واسمه جارية بن الحجاج.
([12]) توفيق الرحمن، فيصل آل مبارك (1/346).
([19]) رواه أبو داود (2/344)، ابن ماجة (1/9595) برقم (1853).
([21]) القاموس المحيط (2/155).
([22]) رواه ابن ماجة (1/456) برقم (1421)، والإمام أحمد (3/302).
([24]) توفيق الرحمن (1/46) وكذا في المنار (5/70)، وكذا في الطبري (5/59).
([25]) توفيق الرحمن (1/46) وكذا في المنار (5/70)، وكذا في الطبري (5/59).
([32]) الصاوي على الجلالين (1/191).
([37]) أحام القرآن لابن العربي (4/418).
([41]) جمع أخت، وهم أقارب المرأة.
([42]) الحجلة: بيت يزين بالثياب والستور.
([49]) تفسير ابن كثير (1/492).
([53]) الجمل، ص380، وكذا في الألوس (5/26).
([57]) من ظلال القرآن (2/350)، والمنار (5/66).
([58]) السايس، القسم الثاني، ص97.
([60]) السايس، القسم الثاني، ص97.
([62]) القرطبي (5/17)، وابن ماجة (1/9595) برقم (1853).
([63]) في ظلال القرآن (2/360).
([65]) السايس، القسم الثاني، ص 98، ص 360 .
([66]) السايس، القسم الثاني، ص99.
([71]) ملخص عن الجصاص (2/190).
([77]) أخرجه ابن ماجة في كتاب النكاح (1/636)، والدارمي في كتاب النكاح (2/159).
([78]) شبهات حول الإسلام لمحمد قطب (بتصرف).
([79]) رواه البخاري في كتاب النكاح، انظر: فتح الباري (9/302).